الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرب الأميركية الطويلة··· ماذا أنجزت؟

الحرب الأميركية الطويلة··· ماذا أنجزت؟
15 مايو 2008 01:28
لا شك أن وزير الدفاع السابق، ''دونالد رامسفيلد''، بات بعد كل ما حدث في العراق فاقداً لأية مصداقية، في حين يحظى خلفه ''روبرت جيتس'' بالتقدير والاحترام لما أظهره من صفات افتقدها ''رامسفيلد'' ليس أقلها القدرة على الاستماع للآخرين· لكن فيما يتعلق بالجوهر يتفـق الاثنان في كثير من الأمـور، إذ يؤمنـان معاً أنـــه لا بديل أمام الولايات المتحدة عن شن حرب عالمية ولعقود مقبلة على الإرهاب· ففي أعقاب هجمات 11 سبتمبر لم يضع ''رامسفيلد'' وقتاً عندما خرج على الأميركيين ليطلعهم على ما ينتظرهم قائلاً: ''انسوا كل شيء يتعلق باستراتيجيات الخروج، إننا نسعى إلى انخراط متواصل وغير مرتبط بأي جدول زمني محدد''· وفي كلام مشابه إلى حد بعيد ردد ''روبرت جيتس'' العبارات نفسها في خطاب ألقاه بأكاديمية ''ويست بوينت'' العسكرية، الشهر الماضي قال فيه إنه ''لا توجد استراتيجيات للخروج'' وإنما هناك، حســــب رأيه، ''حملة تمتد لأجيال'' تستدعي ''سنوات عديــدة من المعارك المتواصلة في أنحــاء العالم''! ويبدو من هذا الكلام أن نذر الحرب المتواصلة تلوح أمام الأميركيين· فبعد مرور العقد الأول تقريباً من هذه الحرب العالمية والصراع الممتد لأجيال، مازال الأميركيون مرتبكين إزاء الأهداف الحقيقية لشنها، ومازالت الأسئلة تتناسل في أذهانهم· هل الهدف هو ضمان الوصول إلى نفط وافر ورخيص؟ أم أن الهدف هو نشر الديمقراطية؟ وهل يتعلق الأمر بمنع الانتشار النووي؟ أم أنه مرتبط بإدامة الإمبراطورية الأميركية والحفاظ على نمط الحياة الأميركي؟ منذ البداية كان واضحاً أن مشروع ''جيتس'' وغيره من أركان الإدارة الأميركية هو كل تلك الأهداف مجتمعة وغيرها· وقد سبق لرامسفيلد أن أوضح الهدف في سبتمبر 2001 عندما قال ''إننا أمام خيارين؛ إما أن نغير الطريقة التي نعيش بها، وهو أمر غير مقبول، أو أن نغير الطريقة التي يعيشون بها، ونحن قد اخترنا هذا الأخير''· وطبعاً يشير رامسفيلد بـ''هم'' المطلوب في هذا السياق تغيير أسلوب حياة أكثر من مليار مسلم يعيش جزء كبير منهم في الشرق الأوسط· لكن عندما أوضح ''رامسفيلد'' رؤيته للعالم وسانده فيها الرئيس بوش نفسه، من خلال التزام الولايات المتحدة بحرب مفتوحة لا نهاية لها، افترضا معاً أن التفوق العسكري الأميركي حقيقة لا مراء فيها، كمـــــا كان معظم الأميركيين في ذلك الوقت يتبنون هذه الفرضية التي تقوم على قناعة مفادها أن زحف الجيش الأميركي لا يمكن وقفه، وأن تغيير الشرق الأوسط الكبير وإعادة صياغته وفقاً للرؤية الأميركية أمر في المتناول· لكن عندما تكلم ''روبرت جيتس'' عن الحرب المفتوحة وحث على عدم التفكير في استراتيجية للخروج في الشهر الماضي، كانت محدودية القوة الأميركية قد بدأت في الظهور منذ مدة· ففي كل من العراق وأفغانستان يمكن ملاحظة الحرب الأميركية الطويلة وهي جارية على قدم وساق، وهي حرب لا يمكن سوى اعتبارها صغيرة قياساً بالحروب التاريخية التي خاضتها الولايات المتحدة في الماضي· لكن مع ذلك عجزت أميركا في كلتا الحربين عن تحقيق نصر حاسم يُحسب لجيشها· وفي كلتا الحالتين، لاسيما إذا لم تعدّل واشنطن سياستها الخارجية، ستستمر تلك الحروب لفترة طويلة· وفي غضون ذلك يحق لنا أن نتساءل عن الإنجازات التي حققتها تلك الحروب الطويلة، وما قدمته من مصلحة للولايات المتحدة، والجواب على ذلك سيكون بدون تردد هو لاشيء، بل إن الحرب ارتدت إلى نحورنا· فمنذ عام 2001 تضاعف سعر برميل البترول أكثر من أربع مرات لينعكس ذلك سلباً على معظم الأميركيين من غير الطبقة الثرية· أما جهود نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط فهي إما تعطلت، أو قادت إلى صعود جماعات مثل ''حماس''، و''حزب الله''، ناهيك عن أكذوبة أسلحة الدمار الشامل في العراق التي لم تكن سوى وهم وسراب· والأدهى من ذلك أنه لكي نحافظ على انتشار جنودنا في بقاع متباعدة من العالم، ودعم تطلعاتنا الإمبراطورية تتضاعف مديونيتنا، ويتكبد الجنود أعباء فوق طاقتهم، فضلاً عن تراجع قوة الجيش وجاهزيته· والحقيقة التي يرفض البعض رؤيتها هي أن الخطر المحدق بأسلوب حياتنا لا يأتي من الإرهابيين بقدر ما يأتي من امتناعنا المستمر عن العيش ضمن إمكانياتنا· فقد كان الإسراف الأميركي وليس الراديكاليون الإسلاميون، هو السبب وراء أزمة الرهن العقاري التي تهدد أسس اقتصادنا القومي· ومع أن الحرب أثبتت إفلاسها، فإن ''روبرت جيتس'' يريد، من خلال ترديده لكلمات ''رامسفيلد''، أن يقنعنا بأن الحرب الدائمة هي الخيار الوحيد أمام القوة العالمية العظمى، في مؤشر واضح على فقر المخيلة الأميركية وجهلها بالتاريخ· فبالرجوع قليلاً إلى الماضي يتبين لنا أن الولايات المتحدة لم يعرف عنها، سوى في مناسبات نادرة جداً، قدرتها على تغيير أسلوب حياة الآخرين، في حين أظهرنا قدرة فائقة على تعديل طريقتنا في الحياة من خلال تجديد القيم التي نقدرها والحفاظ عليها· وهكذا استطاع التقدميون الأميركيون في بداية القرن العشرين التغلب على الآثار السلبية للثورة الصناعية وتجنب الأخطار المحدقة بالتماسك الاجتماعي، وخلال فترة الكساد الاقتصادي الذي ضرب أميركا، ساهمت خطة ''روزفلت'' في إصلاح الرأسمالية وإنقاذها من نفسها· لكن ''رامسفيلد'' فهم المعادلة معكوسة، إذ بدلاً من وضع الحرب كخيار وحيد أمام الأميركيين، يمكن تخييرهم بين الاستمرار في جهد عقيم لن ينجح في تغيير الآخرين وبين التركيز على إصلاح ذواتنا وترتيب بيتنا الداخلي··· لأن كبح جماح الاستهلاك المفرط، والانصراف إلى تسديد ديوننا وإنهاء ارتهاننا للنفط الأجنبي والدين الخارجي··· هو السبيل الوحيد للانتصار· أندرو باسفيتش محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©