الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معركة السبت الأغبر!

15 مايو 2008 01:31
عندما تنجلي آثار الدخان الكثيف الذي خلفته في سماء العاصمة الوطنية السودانية التاريخية أم درمان، معارك الأسبوع الماضي، وعندما يهدأ ضجيج الآلة الإعلامية الدعائية لكل من الحكومة ومتمردي ''العدل والمساواة''، وعندما يعود المسؤولون إلى العقل والحكمة اللذين يحتاج إليهما الجميع، فإن ثمة أسئلة موجعة ومؤلمة سيواجهها قادة السودان من كل الأطراف وكل الألوان السياسية بشجاعة ومسؤولية، ومن حق شعب السودان أن يسأل ويحاسب الجميع سواء في ذلك الحكومة أو متمردي دارفور، وتحديداً ''حركة العدل والمساواة''·· فكلا الطرفين ما زالا مشغولين بتضخيم وتصوير انتصارهما المزعوم، وباستدعاء عواطف الانتقام والثأر ودغدغة أحاسيس المواطنين على حساب المصالح والقيم الوطنية الجامعة لكل السودانيين· إن معركة السبت الأغبر بكل ما حدث فيها من نتائج مؤسفة، قد كشفت، ضعف وتدهور كلا الطرفين السياسي- الأخلاقي، وعجزهما المخجل وسوء إدارتهما لمشكلة دارفور، وهي أصلاً مشكلة سياسية وتاريخية، ولكنها أصبحت اليوم بسوء إدارة الطرفين لها، مشكلة عنصرية في طريقها إلى أن تتحول إلى حرب أهلية بين السودانيين أخطر ما فيها أن تعود بالسودان إلى عهود الحروب القبلية التي افترض الناس أن عصرها قد انتهى بتأسيس الدولة السودانية الموحدة، التي توافق على تأسيسها الجميع في يناير عام ·1956 وهذه المعركة مهما حاول أي طرف من الأطراف أن يتصور ويصور للناس أنه هو المنتصر فيها، ستبقى حقيقتها هي أن السودان كله خاســـر فيها، والخســـارة الأكبر هي ما حدث من تمزق -وليس مجرد شروخ- للنسيج الوطني السوداني، وهو رأسمال البلد الذي ضحت من أجل تكوينه ونسجه أجيال من السودانيين من ثورة الإمام المهدي إلى إعلان استعادة استقلال السودان· والخسائر السياسية ستعود على الحكومة و''حركة العدل والمساواة'' وسيبقى كل منهما متهماً في نظر السودانيين، ومن حق السودانيين أن يحاسبوهم على سلامة أرواح أطفال ونساء وشيوخ أم درمان، ومعهم كل أهل السودان· فـ''حركة العدل والمساواة'' التي نظمت ونفذت (غزوة) السبت الأغبر ستُسأل، وسيكون أول المُسائلين أهالي دارفور الذين تزعم أنها تتحدث باسمهم وتدافع عن حقوقهم المهضومة، فماذا حققت بهذه الغزوة سوى الضجيج الإعلامي الذي ملأت به إذاعات وتلفزيونات العالم؟ والحكومة التي تفاخر بأنها كانت محيطة علماً بالعملية، وأنها كانت ترصدها خطوة بخطوة، ستُسأل أيضاً، كيف هان عليها أن ''تقامر'' بأمن وسلامة وأرواح المواطنين المدنيين، وكيف سمحت لـ''الغزاة'' المسلحين بأن يتحركوا من مكانهم حتى أحياء أم درمان السكنية؟ والقول إن الحكومة كانت تريد أن تستدرج ''الغزاة'' قول لا يقبله العقل السليم من سلطة مسؤولة مهمتها أن توفر لمواطنيها الأمن، وتحافظ على سلامة أرواحهم وأموالهم· هذه المعركة بكل ما يحيط بها من أمور ستكشف -مهما طال الزمن أو قصُر- للسودانيين أن مشكلة دارفور لن تحل بقوة الســـلاح·· بل إن الطريق لحلهــــا -وكـــل مشاكـــل الســودان المزمنــــة- هو طريق الحوار والتفاوض والتراضي أولاً بين أطراف دارفــور (المؤتمر الدارفــوري- الدارفــوري)·· وثانيــاً المؤتمر القومي السوداني، الذي يجب أن تشـــارك فيه كــل الأطراف من دارفور والحكومة والأحزاب والقوى السياسية في إطار متفق عليه بيـــــن الجميــع· إن الزمن لم يعد في مصلحة السودان ولا في مصلحة بقية الأطراف الإقليمية والدولية المشاركة في عملية دارفور، فهناك أرواح بالآلاف تتعرض للموت يومياً ليس بفعل الرصاص فقط بل بفعل المجاعة والأوبئة وسوى ذلك· عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©