الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعادة النظر هي الموقف المنتظر!

9 يناير 2018 23:00
هناك تعبيرات مناشدة انفرد بها العرب عن سائر الأمم.. وهي تعبيرات قديمة جداً، ونداءات يخاطب بها العرب أشباحاً أو كيانات وهمية أو افتراضية. ودائماً فيها الكثير من العجز وقلة الحيلة وانعدام الفعل، ومنها مثلاً: نناشد المجتمع الدولي.. وندعو كل الدول المحبة للسلام.. ونخاطب الضمير العالمي، وغير ذلك مما لا يحضرني. وحتى الآن، وحتى بعد غد، لا أدري ما المقصود بالمجتمع الدولي والضمير العالمي والدول المحبة للسلام. وهل هناك دول ما زالت محبة للسلام؟ هل هي الرومانسية السياسية التي اشتهر بها العرب، مثل أن السلام خيارهم الاستراتيجي؟ وهل السلام كان يوماً خياراً إلا للذين يستطيعون خوض الحروب والانتصار فيها؟ المفروض أن السلام خيار من اثنين.. ثانيهما الحرب؟ والأمم تستطيع أن تختار أصدقاءها، ولكن أعداءها يختارونها، ولا بد أن تكون أهلاً لمن يختارها لا لمن تختاره هي. والأمم كلها بين حالتين، إما حالة الحرب أو حالة الاستعداد للحرب، وسوء الظن في السياسة بالذات من حسن الفطن. ولا يمكن أن تكون هناك صداقات دائمة، ولكن يمكن أن تكون هناك عداوات دائمة. ودفع الله الناس بعضهم ببعض سنته في خلقه. وآفة أي أمة أن تصاب شعوبها بحالة من الاسترخاء واستبعاد الخطر، أو أن تكون الدول رسمياً في حالة استنفار بينما الشعوب في حالة استرخاء.. وقد خسرت الأمم التي راهنت على الحلول المستوردة من الخارج لأزماتها السياسية. وثبت مثلاً على مستوى العالم العربي أن المجتمع الدولي ذلك الكيان الوهمي يدير أزماتنا ولا يرغب في حلها.. بل إنه يصنع هذه الأزمات ليتربح منها لا ليحلها. ولم يحدث أن تم حل أي أزمة عربية حتى الآن.. ابتداءً من قضية فلسطين وصولاً إلى ليبيا وسوريا واليمن والعراق والإرهاب الذي يضرب في كل اتجاه، بينما تعامل ذلك الكيان الوهمي المسمى المجتمع الدولي مع أزمات طاحنة بحسم وحلها حلاً جذرياً، فقط لأنها أزمات غير عربية مثل أزمة أيرلندا الشمالية وأزمة البوسنة والبلقان وأزمة الشيشان. وأزمة ليبيا بالتحديد تشبه تماماً أزمة البوسنة، إذ تدخل «الناتو» في البوسنة عسكرياً ثم انخرط في الحل السياسي، لكنه في ليبيا تدخل عسكرياً وأسقط نظام القذافي ثم ترك الليبيين يموجون في بعضهم ويتصارعون على السلطة والثروة ولا يبدو في الأفق حل. وها هو المجتمع الدولي بقواه الكبرى والإقليمية يعبث في سوريا نفس العبث في أفغانستان. ففي ليبيا تمت فكرة البلقنة ببعدها العسكري فقط، وفي سوريا تجري عملية الأفغنة على قدم وساق. والهدف النهائي هو الوصول إلى الدولة الفاشلة أو شبه الدولة كما حدث في الصومال وأفغانستان. وهناك محاولات لفرض نظام الدولة الفاشلة في اليمن وكان هناك سيناريو تم إعداده بإحكام، ولكن تدخل التحالف العربي عسكرياً أجهض هذا السيناريو. واليمن درس عميق وعظيم للعرب بأن فعلهم هو الحل لأي أزمة وإن طالت. وأما انتظارهم للمجتمع الدولي والضمير العالمي والدول المحبة للسلام فهو انتظار ما لا يأتي. والنظام العربي نفسه لم يعد كما كان أو كما تمنينا أن يكون.. حتى الأمنيات بنظام عربي تبددت مع انهيار هذا النظام منذ الخريف العربي قبل سبع سنوات. وأصبحت كلمات مثل التضامن العربي أو العمل العربي المشترك من المستحيلات، لأن توجهات الدول وأنظمتها تغيرت أو تبدلت وأصبح البعد العربي لدى بعض أو كثير من هذه الأنظمة منتفياً تماماً، وتراجع حتى الانقراض لمصلحة قوى إقليمية أو جماعة أو تنظيم دولي. وبوضوح أكثر تغيرت تماماً الخريطة السياسية العربية، حتى مصطلح الأشقاء والدول الشقيقة لم يعد له معنى، ولم يعد يصف واقعاً، بل صار مصطلحاً من الماضي، وليت الأمر اقتصر على الخروج من النظام العربي، بل إن هناك دولاً عربية تعمل بجد وربما بإخلاص ضد هذا النظام ولحساب قوى إقليمية بعينها، كما أن هناك معضلة كبرى لا أظن أن لها حلاً وهي معضلة جماعة «الإخوان» الإرهابية، التي قفزت إلى الحكم، أو تحاول في عدد لا بأس به من الدول العربية التي كانت مفصلية وفاعلة فيما سميناه النظام العربي. هذه الجماعة لا علاقة لها بالنظام العربي أو العمل العربي المشترك وتولي وجهها شطر وصوب التنظيم الدولي لـ«الإخوان»، وصوب دول إقليمية تحكمها الجماعة مثل إيران وتركيا. ولا تندهشوا من أن الجماعة تحكم إيران فلا توجد مذهبية لدى «الإخوان»، وهم عدة نسخ من جماعة واحدة منها النسخة الشيعية والنسخة السنية. لكن النسق واحد والتركيبة التنظيمية واحدة والنفاق واحد. وقول ما لا يفعلون وفعل ما لا يقولون واحد.. وهذا الفكر «الإخواني» قفز إلى السلطة في عدد من الدول العربية.. صار ولاء أنظمتها للجماعة لا للأوطان. والدول العربية الناجية من آفة «الإخوان» تجد نفسها في معضلة أو معادلة صعبة. فهي تصنف «الإخوان» جماعة إرهابية وفي الوقت نفسه، تحاول أو تسعى إلى تقوية علاقاتها مع دول عربية تحكمها الجماعة الإرهابية.. وإذا نجحت الدول العربية الناجية في الفصل بين «الإخوان» كجماعة وكسلطة حاكمة فإن «الإخوان» لا يحبون هذا الفصل. لأن ولاءهم للجماعة وليس للوطن أو للدول أو للشعوب. وربما يبدو هذا واضحاً في المد والجزر بالعلاقات المصرية السودانية.. بل حتى في العلاقات العربية العربية عموماً. فلا أحد يستطيع حل المعادلة بين «الإخوان» كجماعة إرهابية و«الإخوان» كسلطة حاكمة لا مناص ولا مفر من التعامل معها باعتبارها سلطة حاكمة في دولة شقيقة.. كما تبدو المعادلة صعبة جداً في أزمة قطر التي يحكمها الإخوان.. حيث لا يوجد إجماع عربي على مقاطعة النظام القطري لأن هناك دولاً عربية محكومة من «الإخوان». و«الإخوان» هم سبب تداعي النظام العربي، بل هم سبب انهيار هذا النظام. ودائماً كان وما زال هناك عداء تاريخي بين جماعة «الإخوان» الإرهابية وفكرة العروبة أو النظام العربي، أو أي شيء موصوف بأنه عربي. وهم الذين اخترعوا وهم الخلافة الإسلامية لضرب فكرة القومية العربية. وحتى فكرة الخلافة الإسلامية كانت عند «الإخوان» دائماً كلمة حق يُراد بها باطل. والخلاصة أن التوجس والريبة والحذر وسوء الظن هي التي تحكم العلاقات العربية العربية الآن.. والأمر بالتأكيد يحتاج إلى إعادة نظر في قواعد اللعبة.. وإعادة النظر هي الموقف المنتظر! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©