الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أكثر من حياة للرجل الرابع·· أنثوني بلنت

أكثر من حياة للرجل الرابع·· أنثوني بلنت
15 مايو 2008 02:01
مع كل ما يحمله مثل هذا الخبر من إثارة فإن القصر الملكي لم يحرك ساكنا، ولم يقبض على خبير اللوحات الفنية الأرستقراطي المتأنق المثقف الساخر الحاصل على لقب الفروسية من ملكة بريطانيا، واستمر بلنت في عمله خبيرا للوحات الفنية حتى وفاته في العام ·1983 وكما يحدث في الروايات البوليسية فقد كان السبب بسيطا ولكنه غريب حقا، إذ إن ما كشفته المرأة الحديدية باستعراضية تميزها كان معروفا لدى جهاز الاستخبارات البريطاني ''إم آي فايف'' منذ زمن طويل، وتحديدا منذ العام ،1963 وهو العام الذي اكتشف فيه أمر الرجل الثالث الذي لم يكن سوى الصحفي البريطاني الشهير كيم فيلبي الذي يعتبر واحدا من أخطر جواسيس القرن العشرين· وكما في الروايات البوليسية أيضا فإن فهم ما حدث يستدعي عودة إلى سنوات خلت· بداية الحكاية في العام 1951 تمكنت المخابرات البريطانية من كشف شبكة تجسس خطيرة تعمل لصالح الاتحاد السوفيتي· وكانت هذه الشبكة مكونة من غاي بيرجيس ودونالد مكلين، وكان الاثنان من ألمع المثقفين البريطانيين الذين جمعت بينهما، إلى جانب مهنة الجاسوسية، الدراسة الجامعية في كيمبردج· ولكن على الرغم من انكشاف أمرهما لم يقبض عليهما إذ كان الاثنان قد فرا إلى الاتحاد السوفيتي قبل القبض عليهما بليلة واحدة، وقد جعل هذا المخابرات البريطانية تشك في وجود رجل ثالث في المخابرات البريطانية هو الذي أبلغهما بانكشاف أمرهما ورتب لهما طريق الهرب· وذهبت الشكوك إلى أن الرجل الثالث لم يكن سوى كيم فيلبي زميلهما في الدراسة الجامعية والذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس جهاز مكافحة الجاسوسية في المخابرات البريطانية والمسؤول عن التنسيق مع المخابرات الأميركية لمكافحة الشيوعية· ووجه الاتهام إلى فيلبي الذي أحضر أمام مجلس العموم البريطاني في جلسة شبيهة بتلك التي كان على بلنت أن يحضرها بعد ذلك بثمانية عشر عاما، وخضع فيلبي لاستجواب بشأن الاتهامات وجهاز كشف الكذب يسجل انفعالاته· وعلى الرغم من اجتيازه الاختبار بنجاح فإن فيلبي أقيل من منصبه، فعمل صحفيا، وهي المهنة التي كان قد مارسها في الثلاثينات، وبقي كذلك إلى أن اكتشف أمره في أثناء وجوده في بيروت في العام ·1963 ولكنه تمكن من الهرب قبل إلقاء القبض عليه ربما بدقائق إذ إنه هرب من حفلة كان يحضرها هو وزوجته إلى حيث كانت سفينة سوفيتية في انتظاره في ميناء بيروت حتى من دون أن يخبر زوجته· اعترافات متأخرة ومرة أخرى بدأت المخابرات البريطانية في الشك في وجود رجل رابع في المخابرات البريطانية هو الذي أبلغ فيلبي بأمر القبض عليه· وحامت الشكوك حول بلنت زميل الدراسة الرابع للرجال الثلاثة في جامعة كيمبردج· وحين واجهته المخابرات البريطانية بالأمر جلس الأرستقراطي الأنيق يعرض عليهم صفقة قبلوها هم الذين لم يكن لديهم سوى الشكوك التي لا يسندها أي دليل· وفحوى الصفقة أن يعترف لهم بلنت بكل شيء شريطة أن يبقى الأمر سرا بينهم، وألا يؤثر هذا على عمله في القصر الملكي ولا في وضعه الاجتماعي فوافقوا· واعترف بلنت بأنه هو حقا الرجل الرابع وأنه هو الذي أبلغ فيلبي بأمر القبض عليه، لكنه قال أيضا إنه توقف عن التجسس منذ زمن، وأنه لم يعد كذلك بدليل أنه يبلغهم بأسرار لم يكونوا يعرفونها ولم يكن هو مضطرا لإبلاغهم بها· وهكذا حين واجهته المخابرات البريطانية بالأمر في العام 1979 إنما كانت تواجهه بمعلومات قديمة ومعروفة وما لم يكن معروفا هو الاتفاق الذي كان مبرما بينه وبينها قبل ذلك بستة عشر عاما· بقي أمران يجدر ذكرهما في هذا المجال· الأول أن الجواسيس الأربعة الذين مر ذكرهم والذين عرفوا بـ ''حلقة كيمبردج'' للجاسوسية مارسوا تأثيرا كبيرا على عدد من أبرز الكتاب والشعراء الإنجليز في الأربعينات والخمسينات في صورة خاصة من بينهم ستيفن سبندر ولويس ماكنيس وغراهام غرين الذي كان له الفضل في صك تعبير الرجل الثالث، وقد كتب من وحي القصة سيناريو فيلم شهير بالاسم نفسه· والأمر الثاني أن هذه القصة الحقيقية للرجال الأربعة كانت موضوع كتاب صدر في لندن بعنوان ''جحيم أنثوني بلنت'' حاولت فيه مؤلفته ماريانا كارتر أن تثبت أن بلنت كان في واقع الأمر يعيش في جحيم من العلاقات المتناقضة، وروت قصة الجاسوس والمثقف وخبير اللوحات الفنية للقصر الملكي الذي عاش أكثر من حياة فأعطت الكتاب عنوانا فرعيا هو ''حيوات أنثوني بلنت''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©