الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ملامح من صورة الذات والآخر في السرد العربي

ملامح من صورة الذات والآخر في السرد العربي
15 مايو 2008 02:03
القضية واسعة الأبعاد، وكان من الصعب الإحاطة بكل ما يتعلق بها، لكن ما جرى تقديمه غطى الكثير من الأسئلة والإشكاليات، بعضها على الصعيد النظري والبعض الآخر على مستوى القراءة التطبيقية، أو حتى في شهادات الروائيين· وقد جرى بحث المفاهيم من وجوه متعددة، حيث إن تعريف ''الأنا'' و''الآخر'' لا يمكن الاتفاق عليه، فلا الأنا أنا واحدة ولا الآخر كذلك أيضاً، ورغم كل النقاشات التي جرت انتهى الملتقى دون الوصول ولو إلى تعريف أولي متفق عليه· ناقش ''الملتقون'' جذور العلاقة بين الذات والآخر، فألقوا إضاءات موجزة وسريعة على هذه الجذور والمفاهيم المرتبطة بها، وقد قدم الناقد الفلسطيني الدكتور فيصل دراج أضواء على كون المفهوم ملتبساً ومرتبكاً من حيث ضرورة التعريف الأساسي للذات من منظور الآخر كما ورد عد جاك دريدا، أو من حيث الجذور المعرفية كما تحدث عنها باختين حين تناول العلاقة الحوارية بين الروائي وشخصياته في الرواية، كما أشار دراج إلى الاستخدام السياسي لمفهوم العلاقة بين الذات والآخر، حيث أخذ الغرب يركز على المسلم بوصفه الآخر/ العدو الذي يعمل على محو الحضارة الغربية· وكان السؤال المطروح هو كيف نتعامل مع الآخر في ظل الدعوات المتنامية للحوار معه، بينما الحوار يتطلب علاقة ندية بين طرفين، وهذا غير متحقق على المستوى العلمي والمعرفي والتقني ولا على المستوى العسكري· وينتهي دراج إلى صعوبة تعريف الهوية/ الذات العربية فيما الغرب لا يعاني كثيراً من هذه المسألة· دراسات تطبيقية كانت دراستا الناقد الإماراتي الدكتور علي بن تميم والناقدة المصرية اعتدال عثمان هما الأبرز في التناول التطبيقي للقضية من خلال معالجة تجارب روائية معروفة في الرواية العربية· وقد تم التركيز في مقدمة ورقة الناقدة اعتدال عثمان على التلازم بين مفهوم ''صورة الذات'' ومفهوم ''صورة الآخر''، كما جاء في مقدمة هذه الورقة التي رأت أن بناء صورة الذات يقتضي وجود ''آخر'' يكون نظيراً أو نقيضاً أو مختلفاً، وقد يكون أدنى أو أعلى مرتبة، فصورة الذات عن نفسها لا تتشكل في معزل عن تصورها للآخر، كما أن كل صورة للآخر تعكس بمعنى ما جانباً من صورة الذات· كما ترى اعتدال عثمان في تحديدها لمفهوم الذات والآخر أن هناك جدلاً مستمراً بين الطرفين المتلازمين، ولا يمكن أن يغيب أحدهما· ولذلك فوجود الآخر يعد لازماً لوجود الذات، وإذا لم يوجد هذا الآخر فعلينا اختراعه، بمعنى صنع صورة لذلك الآخر هي وهمية وحتى لو كانت مفارقة للحقيقة، لكنها تخدم أهداف الذات· وهكذا ترى اعتدال عثمان أن الآخر ضروري لوجود الأنا حتى تستطيع أن ترى صورتها، وكذلك فإن البحث عن الذات الفردية أو الجماعية وتأكيدها عبر استحضار صورة الآخر أو صوره ليس خاصاً بثقافة دون أخرى، فهو آلية تلقائية تحدث في كل مكان وزمان، وهي ترى أن هذا يؤكد ما ذهب إليه تزفيتان تودوروف في كتابه الشهير ''فتح أمريكا: مسألة الآخر'' من أن قصة اكتشاف هذا الآخر بدأت متزامنة مع اكتشاف أميركا حين نظر كولومبوس إلى السكان الأصليين بالمعنى الديني والإنساني للآخر، وبما ينزع عنهم الصفة الآدمية ويدرجهم في مراتب الحيوان· وفي مقدمة الورقة التي خصصتها اعتدال عثمان لدراسة قضية الذات والآخر من خلال أعمال الروائي المصري بهاء طاهر، نقرأ كيف اخترع الغرب شرقاً وهمياً، كما بين إدوارد سعيد في كتابه الشهير ''الاستشراق''، حيث إن الغرب صدر إلينا هذه الصورة عن أنفسنا، فأصبحنا- كما نقول اعتدال عثمان- نرى الأنا من خلال الصورة التي رسمها الآخر لنا· وفي المقابل رسم الغرب لنفسه صورة تميزه عن الشرق، وحوّل هذه الصورة إلى خطاب معرفي يكرس آليات القوة ويدعي لنفسه الحقيقة· أما صورة الأنا تجاه الآخر لدى النخبة العربية كما تراها اعتدال عثمان فقد توزعت إلى ثلاثة مواقف، أولها تمثل في الرفض المطلق للآخر الذي يرفضنا، وثانيها يعبر عن الانسحاق التام أمام التفوقين المعرفي والمادي للغرب، فيما الموقف الثالث جسد الازدواج بين القبول بحضارة الغرب والرفض للنزعة السياسية الاستعمارية، وهنا نجد فئة من المثقفين أقدموا على أخذ المعرفة الأوروبية، وكانت تبحث في الوقت نفسه عن ''هوية مستقلة ترفض التبعية وتحمل شعلة النضال الوطني وتحاول تأسيس هوية ثقافية عربية معاصرة''· وبعد دراستها لصورة الذات والآخر في أعمال بهاء طاهر تنتهي الناقدة اعتدال عثمان إلى أن البحث عن الذات ومساءلتها يظلان هاجساً مسيطراً ومتوتراً بالسؤال في أعمال هذا الروائي، سواء توجه إلى الواقع المعاصر أو توجه إلى عمق التاريخ أو إلى مراحل تاريخية أحدث، فالأنا لا تكف عن مواجهة ذاتها، فيما تنعكس صورتها في مرايا الواقع والتاريخ· وعلى صفحة هذه المرايا نفسها تنعكس أيضاً صورة الذات التاريخية أو الآخر التاريخي أو الآخر المعاصر· وفي كل عمل للكاتب نجد أن الإجابة التي يقدمها تختلف بما يمليه السياق الروائي من ناحية، ومن ناحية أخرى بما يعكس رؤيا الكاتب في مرحلة مختلفة من مراحل مشروعه الإبداعي· وتختم الناقدة بالإشارة إلى أن من يقرأ بهاء طاهر يلمس تناسخ رؤاه وشخوصه بما يشكل مناطق تماس وانصهار بينها بوصفها مرايا للأنا والأنا الآخر النظير والمثيل من حيث الانتماء للتاريخ نفسه ومعاناة هموم الوطن في الحاضر، إضافة إلى تناسخ الآخر الغربي في سياقات العالم المعاصر، وكذلك فإن رفض المألوف من الإجابات يجعل من الأسئلة المعادة في رحلة الإبداع لديه مصدراً متجدداً وكاشفاً لأغوار مجهولة في النفس الإنسانية، بينما تظل أسئلة الوجود الكبرى تتردد حاملة في كل مرة قلقاً وحرارة تغذي الكتابة من نبع لا ينضب كما تختم الناقدة ورقتها· الصراع الغربي والعربي الناقد الدكتور علي بن تميم يتناول الموضوع من زاوية جديدة، زاوية تتمثل في بحث الصراع بين الشكل العربي والشكل الغربي للرواية، وذلك من خلال تناوله الرواية العربية منذ محمد حسين هيكل في روايته ''زينب'' حتى نجيب محفوظ، مستفيداً مما يسميه ''أطروحات ما بعد الكولونيالية التي يمكن أن تعمق القراءة لعصر النهضة''، وعبر ما يسميه ''النوع القاتل'' ثم ينطلق في مقدمته من المويلحي الذي اعتبر كتابه ''عيسى بن هشام'' أول رواية عربية، لينظر إلى الصراع بين المقامة العربية المعروفة وبين الرواية الحديثة، حيث يراوح المؤلف بين الشكلين، فتنتصر المقامة في فصل لتعود الرواية الحديثة وتنتصر في فصول أخرى، لكن هذا الصراع ـ بحسب الناقد ـ بدأ يخبو منذ صدور ''زينب''، حيث تأكد الانحياز إلى الجانب الغربي، ومن ثم هزم النوع العربي· وينتقل الناقد إلى الاختراق الذي أحدثه يحيى حقي ثم نجيب محفوظ الذي استحدث تكنولوجيا مقاومة داخل هذا النوع· ومن هذا الجيل الثلاثيني والأربعيني ينتقل بن تميم إلى الجيل الستيني المتمثل في إميل حبيبي وجمال الغيطاني اللذين أعادا الصراع بين الأنواع، لافتاً إلى أن الاختلاف هنا هو في أن النوع العربي بدأ يصرع ويلفظ النوع الغربي ليتحقق استقلال النوع الروائي العربي عن المستعمر، والمغامرة في استحداث أشكال جديدة ومتجددة، وهكذا فقط هُزمت التكنولوجيا السردية المسيطرة، وحل محلها خطاب سردي مضاد، وعلى هذا الأساس فإن النصوص الأدبية هي ؟حسب الناقد- مكان للكفاح النشط والصراع المستمر· ولعل أخطر ما في دراسة بن تميم حول علاقة الذات بالآخر هو قوله إن النوع الاستعماري قد ترسخ في المشهد المصري ''ترسخاً كبيراً، خاصة بعد أن أنتجت ''زينب'' في السينما المصرية في أواخر العشرينات (1929)، واستراح المثقفون والكتاب واستسلموا إلى هذا النوع، فأصبح الأقوى في المشهد، وتحول مجمل الأدباء المصريين إلى طفيليين مسالمين، وانضووا تحت راية ''زينب'' وصاحبها هيكل تحرسهم ظلال أستاذه وخاله المجدد أحمد لطفي السيد، فخضع الأدباء واستكانوا إلى نسق ثابت وبدأ كل واحد يعزف على ثيمة معينة من زينب، فسقط التنوع السردي وتحول إلى إيقاع رتيب حيث الكورس الذي يردد خلف هيكل''· شهادة من الواقع وفي حين شهد الملتقى عدداً من الشهادات للروائيين، فقد ذهبت غالبية هذه الشهادات بعيداً عن عنوان الملتقى، واختار أصحابها الخطاب الإنشائي أو الرومانسي، ولذلك سنختار شهادة الكاتب السوداني طارق الطيب الذي يرى أن جهل كل من الذات والآخر ببعضهما ينتج تصورات غير صحيحة لكل منهما عن الآخر، ويتم تنميط هذه الصور والاستعانة بها في كل تصادم نظري، وهو ما قد يؤدي إلى الاشتباك على الأرض· ويقول الطيب الذي نشأ في القاهرة وتعلم وعاش في النمسا، إن النقلة إلى النمسا لم تكن سهلة، وإنه احتاج إلى سنوات كي يتكيف مع الآخر بلغته وعلاقاته الاجتماعية وعاداته وتقاليده، حتى يصل درجة التوفيق بين كونه كاتباً عربياً أفريقياً من جهة، وكونه نمساوياً في الكثير من الأحيان، فهو يذكر أن قدره المتمثل في أن يكون في المكانين- الشرق والغرب- منحه القدرة على أن يكون وصلة للتفاهم بين الطرفين، ودحض الكثير من الأحكام المسبقة والمغلوطة من طرف ''الأنا'' عن ''الآخر''· صورتنا لدى الآخر ومن خارج الذات يأتي صوت الآخر ليحدد طبيعة صورة العربي في أدب الآخر، وتأتي هذه المرة من إيطاليا حيث صورة العربي في أدب القرون الماضية أقرب إلى السلبية ونادرة الحضور كما تقول الناقدة الإيطالية إيزابيلا كاميرا دافيلتو في ورقتها المختصرة، أما الآن، وفي ظل ما تشهده إيطاليا من هجرة العرب إليها فقد ازداد الاهتمام بالأدب العربي، لكن ازدياد المهاجرين ساهم في ارتفاع جدار عازل بين الإيطاليين والمهاجرين، فهؤلاء المهاجرون لم يقدموا ما يسهم في اندماجهم مع المجتمع الذي وفدوا إليه· وتعرضت الناقدة دافيلتو إلى دور الجوائز الأدبية في بدء الناشرين الإيطاليين بنشر الأدب العربي، حيث استطاعت النخبة أن تنشر ما وصل إليها في المؤتمرات والمنتديات والصحافة والتعليم، فقد ارتفع عدد الطلبة الجامعيين الذين يقبلون على دراسة اللغة والحضارة العربية والإسلامية· كما عرجت الباحثة على دور ما يعرف بالحرب على الإرهاب في رسم صورة العرب، حيث لعبت هذه الحرب دوراً معاكساً لما كان يراد من إلصاق الإرهاب بالعرب، وقالت إن على العرب أن يقدموا ما يعزز صورتهم الحقيقية في أوروبا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©