السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رسالة التظاهرات الإيرانية

9 يناير 2018 23:01
الإيرانيون يشتكون من الاقتصاد، وقد كانوا دائماً يشتكون منه. كنتُ أسمع هذه الشكاوى في كل مرة أزور فيها إيران بين 2004 و2012، وقد سمعتها من أشخاص من الطبقة الوسطى ومن طبقة الفقراء العاملين. وكون الإيرانيين يشتكون من الاقتصاد كان أيضاً شيئاً أخبرني به الخبراء الاقتصاديون الذين كانوا يقولون: إن الناس يشتكون، ولكن الأرقام ليست إلى هذه الدرجة من السوء، غير أنني لم أكن أجد تطميناتهم مقنعة أبداً. وقتئذٍ كان الناس يشتكون من نقص الرواتب ومن الارتفاع الصاروخي في أسعار العقارات واللحوم. وكان بإمكان المرء الإشارة إلى الأرقام بشأن النمو الاقتصادي أو تراجع الفقر كما شاء، ولكن ذلك لم يكن يغيّر تجربة الناس، وكان الإيرانيون يتوقعون أفضل مما لديهم. غير أن الإيرانيين يشتكون من نظامهم السياسي أيضاً. سيقول لك بعض الخبراء الإقليميين إن إيران ليست قمعية أو عنيفة، وإن حقيقة أن الإيرانيين يستطيعون الشكوى هو خير دليل على ذلك، لكن إيران تظل قمعية مع ذلك، وإذا زار المرء إيران، سيلاحظ ذلك على الفور. فإيران بلد لا يشعر فيه المرء بالراحة، والميل إلى فصل الاقتصادي عن السياسي يمكن أن يؤدي إلى سوء فهم لحقيقة ما يجري، لأن المشاكل متداخلة ومتشابكة – وخاصة عندما تقابَل الاحتجاجات بقمع عنيف، على غرار ما يحدث منذ أن بدأت الاحتجاجات في 28 ديسمبر الماضي، ذلك أن الحرس الثوري الإيراني ومؤسسة رجال الدين التي تقع تحت سلطة المرشد الأعلى علي خامنئي هم منفذو القمع السياسي، وهم أيضاً المستفيدون من اقتصاد كان أداؤه دون المستوى بالنسبة للآخرين. ولا شك أن هذه الحقيقة يدركها جيداً المتظاهرون الذين عارضوا الميزانية من خلال الدعوة إلى إسقاط النظام. ويقال لنا إن محتجي اليوم ينحدرون في غالبيتهم من الطبقات الدنيا، وإن دافعهم هو الغضب والاستياء من الأوضاع الاقتصادية، ذلك أن الاتفاق النووي، الذي كان يَعدُ برفعٍ للعقوبات لم يتحقق كلياً، فشل في الحد من مشكلة البطالة الطويلة. وميزانيةُ 2018 – التي أُفرج عنها الشهر الماضي وأُعدت وفق الأجندة النيوليبرالية للرئيس حسن روحاني وتوجيهات خامنئي - تُظهر إنفاق النظام على المؤسسات الدينية والمغامرات الخارجية، إضافة إلى خفض للمبالغ المالية الممكن سحبها وزيادات في أسعار الوقود، في وقت تواجه فيه أقاليم كثيرة الجفاف وتدهور البيئة. وفي الأثناء، تطفو على السطح فضائح وقصص فساد واختلاس. والواقع أن الكثير من الإيرانيين يدركون أن لدى بلادهم موارد لا تراها عائلاتهم أبداً، غير أن الخروج إلى الشوارع من أجل الاحتجاج نشاطٌ ينطوي على قدر كبير جداً من الخطورة في إيران، ولهذا فإنه من اللافت أن يتظاهر الناس لأول مرة دون أي تأثير على المؤسسة السياسية للبلاد، بل على العكس: ذلك أن حتى السياسيين الإصلاحيين نددوا بهؤلاء المحتجين متهمين إياهم بالعمل لصالح جهات أجنبية. وبدورهم، لا يسلم أي فصيلٍ سياسي من غضب المحتجين. وعلى سبيل المقارنة، فإن الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في 1999 و2009 كانت منظَّمة عموماً من خلال الفصيل الإصلاحي، التنظيم الذي أمدّ المتظاهرين بالزعامة، وبأجندة حقوق مدنية لم تتجاوز حدود الدستور، وبقيود تكتيكية لا يسع المحتجين انتهاكها. وبالمقابل، فإن الموجة الحالية من الاحتجاجات لا تحكمها، حسب معظم التقارير، أي من هذه القيود. فقد بدأت هذه الأخيرة، على ما يروى، كهجوم قوي على روحاني ولكنها سرعان ما اكتسبت زخماً مستقلاً وامتدت وتوسعت على نحو عفوي. ولعل ما يميزها عن سابقاتها هو أنه لا وجود لزعماء يمكن سجنهم أو إذلالهم، ولا أجندة ديمقراطية يمكن تشويه سمعتها عبر ربطها بالقيم الغربية، ولا سبب لكي يتجنب المحتجون أساليب أو هتافات مدمِّرة تستعدي النظام الحاكم برمته. فهذه المظاهرات لا تضع النخب بعضها مقابل بعض، وإنما مواطنين مقابل الدولة. وربما لهذا السبب يقول بعض الأشخاص الذي أعرفهم وكانوا نشطين في انتفاضة 2009 إنهم خائفون اليوم – من الفوضى وإمكانيات الغوغائية المدمِّرة - في حين يدعو آخرون إلى الوحدة في المعارضة. والحقيقة أنه إذا كان ثمة شيء يفترض أن يعرفه الأميركيون عن إيران الآن، فهو النزر القليل الذي نعرفه عنها، وهذا أمر يعزى إلى النظام الإيراني الذي حرص، برقابته الشديدة وعزلته الذاتية، على هذا. كما يعزى إلى المعركة المحتدمة حول السياسة الخارجية الأميركية المتعلقة بإيران، التي تحوّل وقائع إيرانية داخلية إلى نقاط حوار في حوار يتعلق بنا – نحن الأميركيين - في الواقع. فاليوم، نحن لا نعلم ما يكفي عن المحتجين. فهؤلاء يعيشون في مدن في الأرياف، وإصلاحيو طهران لا يتحدثون عنهم ولا عن مطالبهم، وهم ليسوا من نوع الأشخاص المرتبطين بوسائل الإعلام الإخبارية الداخلية أو الدولية، وفضلاً عن ذلك، فإن تفاصيلهم الديمغرافية هي موضوع تعميمات تبين أنها خاطئة ومجانبة للصواب. وعلى سبيل المثال: فإن الفكرة السائدة داخل إيران وخارجها لطالما تذهب إلى أن الطبقتين السفلى والعاملة في إيران هما أنصار الدولة ونواة كتلة الناخبين المتشددين. وقد أجرى عالم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا – لوس أنجلوس كيفان هاريس دراسةً للمستفيدين من نظام الرفاه الاجتماعي والانتماء السياسي طعنت في هذا الافتراض، إذ تبين أن الولاء لا يُشترى بسهولة كبيرة. فالمستفيدون من نظام الرفاه الاجتماعي لا يمكن التنبؤ بهم سياسياً، تماماً مثل الإيرانيين الآخرين. واليوم، يبدو أنه عندما يخرج أفراد هذه الفئة إلى شوارع إيران من أجل الاحتجاج، بعد سنوات قيل لهم فيها إنه لا عيب في اقتصاد لا يستطيع الإبقاء على أبواب المصانع مفتوحة أو ضمان القوت اليومي، باتت شعاراتهم أكثر راديكالية وتشدداً من شعارات الطبقة الوسطى المفترضة. ومن جانبه، أمضى خامنئي أيام الغضب هذه في كتابة تغريدات مناوئة للولايات المتحدة على تويتر، محذراً من مخطط أميركي لتفكيك البلاد ومشبّهاً الرئيس الأميركي دونالد ترامب على نحو سلبي برونالد ريجان. وهذا تحول ودهاء سياسي معاً. ذلك أن الشعور الوطني يمثل تياراً قوياً في الحياة الإيرانية، وترامب يقدّم هدية كبيرة لخامنائي - وبشكل سريع على ما يبدو. والحال أن الصخب الأميركي لا يؤدي إلا إلى التعتيم على مشكلة داخلية. والواقع أنه في كل عقد أو نحو ذلك تندلع في إيران احتجاجات يصنع حجمُها وشدتها واستمرارها عناوينَ نشرات الأخبار، فتتدفق تحليلات المحللين وتعليقات المعلقين، ونقرأ أن النظام مكروه في العالم ويوشك على الانهيار، وبعد ذلك نقرأ أن النظام قويٌّ، وأن معارضيه قلةٌ قليلة هامشية وغير مهمة – لأنهم في 2009 كانوا في معظمهم من الطبقة الوسطى، أو لأنهم في 2018 ليسوا كذلك. وهكذا، فإن قوات الأمن تقمع المتظاهرين، والنظام لا يسقط، والمعارضة تظل قوية ومنتشرة. لقد أخبرني عالم سياسة ذات يوم بأن إيران تستوفي كل الشروط المسبقة لانتقال ديمقراطي ولكنها ما زالت ترفض التغيير. وعلى أي حال، فإن جوهر الرسالة التي تحملها الاحتجاجات الإيرانية هي ضرورة خضوع النظام للمحاسبة أمام شعبه. ولكن خامنئي يراهن على شيء آخر. ذلك أن سلطته تعتمد على استمرار قوة الدولة الأمنية التي جعلها أيضاً مركزَ الجاذبية الاقتصادية للبلاد. وما دام هذا صحيحاً، فإنه لن يستطيع أو لن يقوم بمعالجة السبب الأصلي لاضطرابات إيران المزمنة. *كاتبة أميركية متخصصة في إيران، مؤلفة كتاب «أطفال الجنة: الصراع من أجل روح إيران» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©