ادخلي في الحسن

امتلك بشار بن برد خيالا نشطا عرف كيف يوظفه في الشعر ويستعيض به عن المعطيات البصرية التي حرم منها، وقد حلل طه حسين ـ عن تجربة ـ مصادر الصور البصرية لدى المحرومين منها في مقدمة رسالته عن تجديد ذكرى أبي العلاء، فجعل من أهمها ما يستقر في وجدان المبدعين من خبرات مبهمة، وما تتناقله الأدبيات المتوارثة، وما يبوح به المبصرون، ولعلها جميعا تربط الجمال بالعافية وتدفق الدم والحمرة، سواء كان ذلك في لون البشرة كما أسلفنا، أو في لون الثياب التي يرتديها الحسان، حيث يقول عنا بشار: وخذي ملابس زينةٍ ومعصفرات هُنَّ أنور وإذا دخلنا فادخلي في الحسن، إن الحسن أحمر ويعقب السرّي الرفاء بدوره على ذلك قائلا: ''قال بعض الحكماء: الحسن أحمر؛ أي من أراده صبر على مضرّته وشدائده، من قولهم موت أحمر أي يراق فيه الدم''· ولا أحسب أن الشدائد منظور إليها في هذا السياق، وإن كان اللون الأحمر المقترن عادة بالدم مثيرا للغرائز بعنف ومستفزا للإنسان والحيوان· فنحن نعرف من تقاليد مصارعة الثيران، التي تعتبر ''عيدا قوميا'' بالنسبة للإسبان، أن الراية العريضة الحمراء هي التي تجتذب بشدة انتباه الثور وتقود خطواته وتحمله على الهجوم· ويبدو أن فتنة الأحمر وهو ذروة الألوان الساخنة عند الفنانين التشكيليين تكمن في أنه يجمع بين الحسن والإثارة، ولايقتصر ذلك على ثياب النساء فحسب، فهذا الحسين بن الضحاك يقول في ''شفيع'' الخادم، وقد أقبل بشراب أحمر وعليه قباء أحمر: كالوردة الحمراء جاء بحمرة من الورد يسعى في غلائل كالورد له عبثات عند كل تحية بكفيّه تستدعي الخلىّ إلى الوجد تمنيت أن أُسقى بكفيه شربة تذكرني ماقد نسيت من العهد سقى الله عصرا لم أبت فيه ليلة من الدهر إلا من حبيب على وعد وقد شك بعض النقاد في رمزية اللون الأحمر واعتبروها من قبيل العادة الاجتماعية فحسب، خاصة في إشارات المرور التي يدل فيها الأحمر على المنع، وافترضوا أنه كان من الممكن اقتران الأحمر الموحي بتدفق الدم والحيوية بمعنى الانطلاق، واقتران الأخضر البارد بالجمود والدعوة للتوقف، لكن يظل الأمر في يقين الشعراء القدامى، ومصممي الأزياء المحدثين لونا مثيرا في جماله وحيويته، فيقول عنه الضحاك أيضا: وأبيض في حمرالثياب كأنه إذا ما بدا نسرينه في شقائق سقاني بكفيّه رحيقا وسامني فسوفا بعينيه ولست بفاسق ولو كنت شكلا للهوى لاتبعته ولكن شيبي بالصبا غير لائق ولاأظن أن شيب الضحاك اللعوب هو الذي يجعل غزله باللون الأحمر غير لائق، ولكن إلباسه للمذكر، وتهتكه بفسوق العينين هو الذي يمكن أن يستفز قراء اليوم، دون أن يمنعهم ذلك من الإعجاب بالشعر صوره الرائقة·