الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خمسون الجعايبي··· الماركسية والسلفية والطرد من الجنة

خمسون الجعايبي··· الماركسية والسلفية والطرد من الجنة
15 مايو 2008 02:26
إنها قصة تونس، بقلم الممثلة جليلة بكار وإخراج الفاضل الجعايبي، البلد الذي وثّق في دستوره عقد زاوج بين العلمانية والشيوعية والاسلام، على امتداد ''خمسون'' الاستقلال· كما أنها قصة العرب، حضارة أنهكتها خطابات رنانة، انما بوجهين· كثيراً تختال بموروثها الفكري، لكنها في الجانب الشخصي، الضيق، ثمة خطوط حمراء وتابوهات ومحظورات تأتي على كل الأخضر الذي في السجلات· هكذا هي حال الزوجين الجعايبي وبكار في تجربتهما مع ابنة في التاسعة عشرة من عمرها: ''المنطلق الأول للمسرحية هو خشيتنا أنا وجليلة، من أن ترتدي ابنتنا الحجاب· صحيح أنها بعيدة كل البعد عن فكرة الحجاب، لكن حتى أمل (شخصية رئيسية في المسرحية)، كانت بعيدة عن ذلك، ثم انتقلت من الماركسية الى التيار الاسلامي السلفي''· في المقابل يعترف الزوجان بأن ثمة ثغرة في تفكيرهما على هذا النحو· يأتي التأنيب على لسان أمل (الابنة في المسرحية لوالدين يساريين): ''يربيني أبي على الحريات واحترام الاختلاف ثم يطردني من داره لأني اخترت الحجاب''· تطرد أمل، فتتلقفها مجموعة من التيار السلفي، تنقلها من الاسلام المعتدل الى ممارسة الاسلام السياسي· وكل ذلك لأن الوالد رفض محاورتها ''بالعقل'' و''المنطق''· أما الدافع الرئيسي الذي بدّل في أفكار ''أمل''، أنها تألمت كثيراً من بشاعة الصور التي وصلت عن تبعات الاحتلال في فلسطين والعراق وأفغانستان، خصوصا لحظة اقتحم شارون وجنده الحرم القدسي· كانت تلك الأخيرة، الرسالة القاسية التي بدلت في قناعاتها· وبذلك تلفت بكار، الأم: ''ليس مرد ظاهرة التطرف الاسلامي الى كبت الحريات فحسب· أمل لم تتحول الى متطرفة لو لم يزر شارون الحرم القدسي''· تبدأ الحكاية التي حلت أخيراً في مسرح دوار الشمس في بيروت، بعد معاناة في تونس بداعي ''تشذيب النص''، ونجاح في فرنسا وطوكيو ودول أوروبية وسوريا، من حدث إرهابي هزّ تونس في نوفمبر من العام ·2005 كان البلد حينها يستضيف قمة مجتمع المعلومات، ويباهي بانفتاحه واستقراره وازدهاره واعتداله، الى حين ''انفجار'' جسد أستاذة محجبة تدعى ''جودة'' في وسط ساحة مدرسة· أثار الحادث ارتباكاً ولّد اعتقالات بالجملة لكل من كان على علاقة بالانتحارية، وبينهم ''أمل''· نقلت القناة الوطنية بعد ثلاثة أيام: ''···ولا تزال الأبحاث جارية''· تفسيرات غير أمنية كانت التهمة ''الأمنية'' الجاهزة أن العمل مدبر من قبل المجموعات الاسلامية المتشددة، الأمر الذي قلل من فرضيات تناقلتها النسوة فيما بينهن: هل كانت عانساً؟ هل كانت لديها مشكلات عائلية؟· وبناءً على التخمينات، أخضعت صديقات ''جودة'' الى تحقيق ''أسود'' بلغ حد الاعتداء الجسدي وقلع الأظافر··· وذلك انتصاراً لقانون ''دعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب''· فاذا بالمحقق الأمني يسأل أمل: ما انتماؤك؟· تجيب: ''مسلمة عادية''· يغضب المحقق بعد فشله في انتزاع معلومات عن الانتحارية· يثور في وجه المعتقلات: ''عن أي اسلام تحكون· المسلمون مختلفون منذ مقتل الحسين وهم ينتقلون من فتنة الى فتنة الى الطاهر بن عاشور الى بن لادن الى الزرقاوي الى إسلام العصابات الى خطاب رجعي باسم الحق''· تعلّق أمل: ''ممكن أحكيلك عن روح الإسلام: محبة، رحمة مش نقمة· الماركسية لم تقدم إجابات شافية على تساؤلاتي· لقد تربيت على مفهوم العالم بلا حدود· أنا مسلمة تحب ولا تكره· أما ''جودة''، فكانت غاضبة حيال كل ما ترتكبه الأنظمة الامبريالية والصهيونية في بلدان مسلمة· لم تكن تقبل التبعية ولم يعجبها النظام التربوي المفروض علينا''· يسخر المحقق: ''عوضا من قتل نفسها كان بإمكانها أن تخاطب الوزير في رسالة، أن تعتصم، تضرب عن الطعام·· تلك هي الموضة السائدة هذه الأيام''· كانت ''أمل'' (لبنى مليكة)، متأثرة بأفكار أسرتها اليسارية: دخل جدها لوالدتها السجن في سنوات الاستقلال الأولى لأنه من أنصار بن يوسف المعارض لبورقيبة، ودخل والدها يوسف السجن في السبعينات بسبب مطالبته بالاصلاحات الاجتماعية، أما والدتها مريم (جليلة بكار) فإنها حقوقية علمانية تجيد الحوار والمحاججة· تلك الأفكار رفدت الصبية بثورة أطلقتها في بلدها ضد الصمت العربي إثر انتفاضة الأقصى· أثمرت الثورة اضطهاداً للنشاط السياسي الذي دعت اليه الصبية· طردت لأنها ضبطت توزع المنشورات المنددة بالصهيونية· فإذا بها تختار فرنسا لمتابعة تعلمها، حيث تعرفت الى ''خديجة'' التي عرفتها بدورها الى شاب فرنسي انتقل في عقيدته من التروتسكية الى التيار الاسلامي الأصولي· صار الثلاثة يعملون ضمن غطاء العمل التطوعي الخدماتي· بعد اختفاء صديقها ''المسلم الجديد''، اختارت أمل العودة الى تونس، حيث أعد أمن المطار استقبالا ''خاصاً للصبية بفعل برقية وردت من الوجهة الفرنسية· كما قوبلت برفض استقبالها من قبل والدها قبل أن تحرر شعرها الطويل· غادرت الصبية، وصرخت الأم معلنة استنكارها أن تكون ضحية ''تطرفين'' بين زوجها والمتشددين من الاسلام· يقول المخرج:''إن النظام الذي طارد اليسار، والنظام الذي يلاحق التطرف الاسلامي هو نفسه النظام الارهابي الذي يقتل تحت ستار من الشعارات الرنانة والفارغة''· كان قدر ''أمل'' أن تتعرف الى جودة، وصديقات لطالما نعتن والدتها بـ''الكافرة''· داخل المنزل الذي جمعهن، لطالما انتقدت ''أمل'' الفهم المتزمت للدين معتبرة أن الاسلام دين يسر ومحبة وانفتاح· ثم حدث الانفجار الذي أودى بحياة صديقتها· ولاحقاً تبين أن الجماعة الاسلامية التي جندت ''جودة''، ارتأت أن تتخلص منها بعد شكوك في أن تكون عميلة مزدوجة· كانت تلك بمثابة صدمة جديدة هزّت ''أمل'' في إيمانها··· لكن إلى أين؟· تقول: ''سوف أختار الصمت· خمسون سنة تمضي· ماذا تأسس وماذا تكسر؟ ماذا تحرر وماذا تفجّر''· ''خمسون'' عمل مسرحي جريء لأنه يجرح في الصميم· يعرّي الأنظمة العربية في تخاذلها في معالجة المشكلات، ويفضح العنف الذي لا يولّد الا العنف· كما أنه برغم جنوحه الى الفكر اليساري، يطلب مد اليد الى الحوار والمساجلة والتعرف الى الآخر المختلف وقبوله· يقدم كل ذلك في ديكور مبسّط لا يحتوي سوى على بضعة مقاعد وموسيقى ليس فيها ''ثرثرة''· وهو يأتي من إنتاج ''فاميليا''، بعد سلسلة عروض ناجحة للمخرج الذي قدّم: ''كوميديا'' (1991)، و''فاميليا'' (1993)، و''عشاق المقهى المهجور'' (1995)، و''جنون''(2001)· خمسـون نص: جليلة بكار إخراج: الفاضل الجعايبي كوريغرافيا وشريط صوتي: نوال اسكندراني غضاءة: الفاضل الجعايبي وايفان لاباس تمثيل: جليلة بكار، فاطمة بن سعيدان، بسمة العشي، وفاء الطبوبي، لبنى مليكة، انتظار الماجري، جمال مداني، معز المرابط، رياض الحمدي، خالد بوزيد، حسني العكريمي، وصوت فتحي العكاري· مدير الانتاج: الحبيب بالهادي إنتاج: فاميليا للإنتاج قدّم العرض الأول بمسرح أوروبا ''الأوديون'' بدعم من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©