السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مساحة للعنف والحرية والبراءة والغيرة

مساحة للعنف والحرية والبراءة والغيرة
15 مايو 2008 02:27
تيمة أخرى سنجدها، وقد غلب عليها العبث والعدمية، لا يجد صانعوها تفسيراً مباشراً لها، وأخرى ثالثة تتمثل في مشاعر الحب والغيرة، وبالمناسبة فإن العمل الذي يجسدهما هو فيلم فرنسي خالص، بمعنى أن شخوصه فرنسية شحماً ولحماً، وأخيراً ستنقلنا بعض الحكايات التي رأيناها على الشاشة إلى حيرة البشر وعذابهم عندما تسيطر عليهم أرواح وأصوات غريبة قادمة من العالم الآخر· هذا الرجل أبي بعبارة أخرى، وهي الأكثر تحديداً، ''أبي تركي''، فيلم أقرب إلى القطعة الموسيقية التي كتبت للأوركسترا السيمفونية· على الرغم من موضوعه الصادم قد يجد المتابع صعوبة في تصنيفها أو إعطائها عنواناً محدداً، فهل هي رومانسية أم واقعية أم مثالية تجنح إلى الخيال؟، والحق أن الفيلم يجمع بين التوصيفات الثلاثة، فالسيناريو الذي يجسد لقاء ابن بأبيه من دون الوقوع في براثن الميلودراما، يلعب على فكرة التلاقي بين ثقافتين (هويتين) حتى وإن انطلقتا من قيم دينية مختلفة· في ثنايا اللقطات الأقرب إلى التسجيلية منها إلى الروائية، نتلمس خليطاً من المشاعر الفياضة والمتضاربة في آن، فالأب الذي لبى نداء الزحف إلى المانيا (الغربية) عقب الحرب العالمية الثانية، كان عليه أن يقترن بألمانية تقيه شر الوقوع في الخطيئة، لكن هذا لم يكن سوى جانب واحد من الحقيقة، لأن الزوجة التي تركها في الوطن أنجبت له بنتاً ثانية، فكيف يعود للأناضول من دون ''ذكر'' يحمل اسمه، ويرث بعض الهكتارات في مانجان، القرية الواقعة على البحر الأسود شمال تركيا؟ صحيح أن الزوجة الجديدة أنجبت له الصبي، إلا أن ثقافتها بدت متناقضة مع ما شب عليه من قيم وتقاليد· إنه عالم تتقاطع فيه القيم الحضارية من دون رحمة أو شفقة، وهنا كان عليه الاختيار، فكانت العودة إلى مسقط رأسه، وبعد سنوات سيكون مطالباً بتفسير لمسيرة حياته، يضعه أمام ابنتيه وابنه الذي أنجبه في المانيا وصار رجلاً تعدى العقد الثالث، في مشهد أقرب للمحاكمة منه إلى أي شئ آخر· لكن المثير أن الابن الذي لا يتكلم التركية، ويستعين بمترجم بعد أن نسى الأب معظم المفردات الألمانية، والذي حاول عبثاً أن يساير عقيدة أبيه، أبدى استعداده للتواصل مع أهله، حتى وإن تباعدت المشارب الاجتماعية وتباينت، فالهدف ليس بالضرورة طمس هوية أو التعلق بأخرى، بقدر ما هو إيجاد حد أدنى للالتقاء حتى وإن اقتصر على أواصر الدم فقط! كل يوم هو يوم أحد شريط ألماني فريد في صياغته السينمائية، سوداوي شديد الظلام، قائم على وقائع حقيقية دارت عام 1996 في المانيا بعد أن صارت كياناً واحداً ''لا شرقياً ولا غربياً'' فقط المانيا، وعلى الرغم من أن السينما الألمانية سبق لها أن قدمت ذلك المضمون في فيلم بعنوان ''الفيل'' عام 2003 إلا أن ''نيلس لوي برت''، المخرج الشاب المولود في فرانكفورت عام ،1975 وجد في تلك الأحداث مناطق لم تكتشف بعد، فقرر إخراجها من جديد في فيلم هو الأول في مسيرته، وقبل ذلك أعاد صياغة مفرداتها من خلال سيناريو وضعه بنفسه، ويبدو أن هذا الفنان لم يتعمد تجسيد تلك الظلامية، ولكن عنف الأحداث التي وقعت قبل اثنتي عشرة سنة فرضت هذا المناخ، المثير أن مشاهد الفيلم تبدأ وضوء الشمس ساطعاً، وعلى الرغم من ذلك سرعان ما نشعر بهاجس ما، أو بقشعريرة تدب في أبداننا من منظر تلك البنايات التي ظهرت كعلب، وليس كبيوت يأوي إليها البشر، ويبدو أنها دشنت إبان الحقبة الشيوعية، وهو ما يعني أن المنطقة محور الأحداث كانت جزءاً من ألمانيا الشرقية، والخلاصة أن أجزاءً من العالم الجرماني لم تشف من جراحها بعد، وعودة الشباب إلى الدين وإنشاد التراتيل كان فقط بفعل إلحاح الكبار، فبطل الفيلم العاطل عن العمل، والذي لم يتجاوز السبعة عشر عاماً، سنراه في يوم الأحد ذاهباً إلى الكنيسة، لكنه يفعل ذلك إرضاءً لأمه التي لا تكف عن التدخين ومشاهدة التلفاز، بيد أنه سيعود للكنيسة نفسها بعد الصلاة ليسرق قناني النبيذ من حجرة الكاهن· أقرانه، من شباب الحي القريب من بقايا حائط التقسيم الشهير، مثله أنهوا المرحلة الثانوية، وهم عاطلون عن العمل لا يفعلون شيئاً، هكذا بدا كل يوم بالنسبة لهم هو يوم أحد، متنفسهم اليومي إما تحطيم ما يجدونه أمامهم، أو السطو أو الابتزاز، أو ممارسة الأمور الثلاثة معاً، في مشاهد تذكرنا بـ ''أوسكار ماتزريت'' محور رواية ''الطبل الصفيح'' للألماني غونتر جراس الحائز جائزة نوبل، وعلى الرغم من أن بطل يوم الأحد ليس قزماً لكنه يعاني من فقدان البراءة· برلين وموسيقى تنشد الحرية هذا العمل ليس له علاقة بألمانيا من قريب أو بعيد، لكنه ينشد البراءة ويتمنى أن تسود العالم ككل، الموسيقي ''لوي ريد'' ابن نيويورك اختار اسم برلين، ليكون عنوان ألبومه الغنائي الذي أصدره ،1973 وعلى الرغم من مفرداته التي كانت تدعو إلى الحرية والتمرد على الواقع الظالم، وعلى الرغم من أنغامه الشجية الموجهة إلى الفقراء المعدمين الباحثين عن الحرية، إلا أن الألبوم سيصادف فشلاً مرعباً بسبب تشاؤمه، ونزوعه البريختي نسبة إلى ''أرنولد بريخت''، ونسجه عوالم مخيفة وكئيبة وسوداوية· تمر السنوات، ويعود ''برلين'' من جديد، ومعه تكتظ قاعات الموسيقى في نيويورك بالمئات، فالجميع صار يتشوق إلى صرخات الحرية والتمرد، والأهم من كل هذا، إنصاف هؤلاء الذين رحلوا وكان ذنبهم أنهم ناصروا الحرية والثورة على الطغاة، وها هو المخرج جوليان شانبيل مواليد بروكلين نيويورك عام 1951 خريج الفنون الجميلة بجامعة هيوستون يتصدى لهذا الولع ببرلين فيوثقة في شريط بالغ الجمال· مقسومة إلى نصفين في كتابها الشهير ''الجنس الآخر'' قالت سيمون دي بوفوار، التى احتفى العالم قبل أسابيع بمرور مائة عام على مولدها، إن عادة فض غشاء العذرية للفتيات في ليلة زفافهن بشكل علني، عبر مهرجان احتفالي وسط أهازيج الرجال والشباب، استمرت في فرنسا حتى نهاية الخمسينات، ولم تنج باريس عاصمة النور والثقافة من تلك العادة، ومع اختلاف التفاصيل إلا أن الرجل يبدو اليوم، هكذا يقول فيلم '' فتاة مقسومة إلى نصفين''، مصراً على نقاء من يختارها زوجة له· فالشاب سليل الأرستقراطية، والذي يذكرنا بنبلاء القرن التاسع عشر، لا يتورع عن قتل الرجل الذي سبقه ونال من عذرية فتاته· الطريف أن الرجل المغدور الشهير في الوسط الثقافي باعتباره كاتباً، رفض الجهر بحبه، أو الانفصال عن زوجه ليتزوج من حبيبته، وحجته كيف يترك المرأة التي ساندته في مشواره، أما حبيبته التي تريد الاستقرار، وتكوين أسرة فلتكن في الظل تظهر فقط له من دون غيره، وفي ساعة يحددها هو، هكذا تظهر لنا باريس جانباً من ثقافة تبدو لنا غريبة أو مفاجئة بيد أنها مازالت تتأرجح بين الغيرة والتسلط الذكوري! في واحد من الأعمال السينمائية الجادة ، يقدم المخرج الإسباني خوان انطونيو بوينا، المولود في برشلونة عام ،1975 فيلم ''الملجأ'' حيث نطل عبره على عالم غامض مليء بالرعب والفزع، الفيلم يكرس دعوة للتعامل مع الكائنات الغريبة والأصوات التي تأتي من العالم الآخر، لورا هي بطلة هذا العمل الأثير، الذي رشح لأوسكار أحسن فيلم أجنبي العام الماضي، فشلت في أن تكون أماً فلجأت للتبني، لكن ما تبنته يضعها وجهاً لوجه أمام المجهول، ثم الجنون، وأخيراً الزحف طوعاً نحو الموت·
المصدر: إسطنبول
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©