طعم الصيف

مع تباشير رطب «النغال» الأولى، أعود طفلة في الثامنة من العمر، أقف أمام جدي -رحمه الله- وهو يناولني «البشارة» لأضعها في صحن يقرأ عليه سورة الفاتحة وقصار السور، ثم يتمتم داعيا بالبركة والصحة والعافية لكل المسلمين مفتتحا عبر هذه الطقوس موسم «القيظ». الصيف بالنسبة لأهل الامارات موسم عطاء من نوع خاص، فيه تعمر موائدنا بالرطب، ويطيب لنا شرب اللبن المنزلي «الحامض»، و «الجامي» وهو نوع من مشتقات الالبان المحضرة منزليا ويعرفه جميع أهل الامارات. من لذائذ الصيف أيضا «الهمبا» وهو المانجو العماني الذي يزرع محليا في العين والامارات الشمالية، أذكر شقاوتنا الطفولية التي تدفعنا لتسلق أشجار المانجو وقطف الثمار الغضة لنقطعها ونغمسها بالملح أو «البزار» ونتناولها بشغف. وفي العين حيث نشأت كان الموز الاستوائي الذي يسمى محليا «بالموز العماني» فاكهة لا يمكن أن يمر الصيف من دونها، ومن الغريب أننا كنا نعشق الجري بين شجيرات الموز لظلالها الكثيفة وأوراقها العريضة، بينما كانت أمي تكره سلوكنا ذاك حد المقت لأننا غالبا ما نعود بملابس تلوثت من عصارة «عذوق» الموز وهذه العصارة لا يمكن أن تزول ولا بأعنف وأشد الغسيل. حبات اللوز أو «البيذام» كانت أيضا لذة أخرى خاصة بالنسبة لنا نحن الصغار ومع أن هذه الفاكهة ربيعية إلا أننا نعتبرها مؤشرا لقرب نضج «الهمبا» ويّد «الرطب» (اليّد كلمة محلية تستعمل بمعنى قص). و«البيذام» فاكهة الصغار والكبار، لكن الأطفال يحرصون على جمع بذوره وتجفيفها ثم يكسرونها بعد عدة أيام لاستخراج اللب اللذيذ وهذا تحديدا ما لا يمكن أن تشابهه في اللذة أي حبة مكسرات. حديث الفاكهة هذا لا يمكن أن ينسى العنب المحلي الحامض ولا حبات الجوافة التي نسميها محليا «الزيتون» وإن كانت أطيب الجوافة هي حمراء القلب، وهي شيء لا يعرفه أبدا التايلانديون الذين يطلون الجوافة باللون الأحمر! فواكه الامارات الأصلية، هي لذة الصيف الحقيقة لأهلها، نحن فقط من يدرك لم يباع كيلو الرطب بالألوف أول الصيف، ونحن نعرف ماذا يعني أن يمر الصيف دون همبا وبيذام ويحّ (بطيخ) وغيرها من فواكهنا اللذيذة، ونحن من يتباهى بصحن الرطب في مائدته ولا نعتبر أن فصل الصيف قد حان من دونه، وحين نراه نقول «قيضنا الحمد لله»، وما دام الوقت «قيّظ» اغتنموا الفرصة وذوقوا طعم الصيف. فتحية البلوشي