الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المتوغّلون في الأزرق

المتوغّلون في الأزرق
12 ابريل 2017 19:01
التراثُ الجغرافي العربي وعلومُ البحار القديمة، أسيادُ البحار العرب ورحلاتُ الملّاحين الأوروبيين، البحّارة القدماء وعلاقتهم بالمحيطات والبحار، اكتشافاتهم العلميّة ومدوّناتهم الأدبية، هي موضوع معرض «مغامرو البحار من سندباد إلى ماركو بولو»، الذي ينظّمه معهد العالم العربي في باريس، بالتعاون مع متحف حضارات أوروبا والبحر الأبيض المتوسط في مرسيليا (جنوب فرنسا)، ويستمر حتى 26 فبراير المقبل. الإبحارُ برمّته كوسيلة لفهم العالم، هو محور الرحلة البحريّة القائمة على فكرة التوغّل في الأزرق العميق، واستكشاف العوالم المجهولة، والاطّلاع على خبايا البحار وأسرارها منذ بدايات الإسلام وحتى مطلع القرن السابع عشر، وذلك اعتماداً على مصادر مهمّة في التاريخين القديم والحديث. واللافت في المعرض استخدام تقنيات بصرية حديثة في تقديم التاريخ البحري عبر العصور، وإبراز جغرافيا العالم القديم بوسائط متنوّعة، ومن بينها التسجيلات التي تروي سيرة كبار الرحّالة البحريين بأصواتٍ ولغاتٍ عدّة. لقد كان البحرُ وسيلة العالم الرئيسة في ذلك العصر، وكانت الوسائلُ البحريّة تُضاهي الوسائل الجوّية في عصرنا الحالي. إذ كانت تُعدّ الواسطة الأكثر أماناً وثقلاً، والأقلّ كلفة وبُعداً عن المخاطر التي تتعرّض لها القوافل البرّية عادة، لجهة عمليات السطو والضياع في ظلّ غياب الخرائط، كما كانت أكثر الوسائل قدرة على الذهاب إلى أماكن ومسافاتٍ أبعد. علاقة صوفيّة كانت علاقة العرب بالبحر علاقة تسبيحٍ لخلق الله، وليست فقط علاقة استكشافية أو ذات أهداف استعمارية. لذلك نظروا إلى مَديات جريئة بالاستعانة بالله، ولاتزال أدعية ركوب البحر جزءاً من الموروث الإسلامي والإيماني لديهم، وهو ركن زاوية في قدرتهم الفائقة على خوض غمار البحار واكتشاف العالم القديم. ومن المفارقات أن العرب هم شعوب شبه صحراوية أصلاً، إلّا أن طموحهم وشجاعتهم والذكاء الشخصي لدى البعض، دفعهم إلى خوض غمار البحار بالاتّكال على الله، وقراءة النجوم، والاستعانة ببعض الآثار البحرية، أو السماوية، الأمر الذي أهّلهم ليكونوا أعظم مُستكشفي البحار الجنوبية الشرقية من الصين إلى الخليج العربي، ومن غرب المتوسط وصولاً إلى إسبانيا، وهذه كانت حدود العالم القديم، وأقصى الأرض بالنسبة إليهم، قبل أن يتعرّف العالم على وجود قارة أميركا في ما بعد. ويظهرُ البُعد الصوفيّ للبحار في الكثير من المعروضات، إذ نرى أنّ الكتب القديمة والتماثيل الصغيرة والتعاويذ واللّوحات والمُنمنمات اللاتينية والعربية التي تروي تاريخاً من المعتقدات والطقوس الدينيّة، قد استُخدمت لإبعاد مخاطر البحر وكائناته المخيفة. وبأسلوبٍ تسلسليّ، يروي المعرض كيفية انتقال العرب من ضفاف المتوسط إلى المحيط الهندي، في رحلات تجارية اكتشفوا خلالها ذهب أفريقيا وفضّة الغرب، والقطع النقدية اليونانية والماس في الهند، فضلاً عن كيفية نقل الصناعات والأدوات الزجاجية من الإسكندرية والبندقية إلى مناطق نائية من العالم، واستيراد الحرير والتوابل والخزف من الصين والهند. شرايين التجارة أسهمت التبادلات التجارية بين بحار العالم في عملية تطوّر الاقتصادات القديمة، وارتكزت التجارة في ذلك الزمن على البهارات، وخصوصاً منها القرفة والكركم، وأيضاً على الذهب والألماس الخام، وهي معروضة بأسلوب فنّي جميل في واجهات المعرض الزجاجية. وكانت هذه المواد تُقاس بميزان نُحاسيّ عاموديّ الشكل، يُشبه عصا طويلة ممسوكة من الجانبين. كما تستقرّ في باحة المعرض الرئيسة سفينة شراعية استُقدمت من سلطنة عُمان خصيصاً، ويبلغُ طول شراعها 31 متراً، فضلاً عن قِطع بحرية تؤرّخ للأدوات التي استُخدمت في ذلك الزمن. كان البحر الأحمر بالنسبة إلى البحّارة العرب أيضاً سرّاً جديداً من أسرار الكون؛ كان طريق الهند يختصر المسافة إلى أوروبا، وبلا دوران هائل حول قارة أفريقيا، عبر حيلة بسيطة بالنسبة إلى العرب. كانت البضائع الآتية من الهند والشرق الأقصى تلتفّ من الخليج العربي نحو باب المندب، ومن ثم باتّجاه العقبة وممرّ السويس قبل حفره. ومن هناك تنطلق برّاً إلى البحر المتوسط ، فاليونان، فأوروبا. لقد أفادت الحملات الاستكشافية الاستعمارية القديمة الثلاث، البرتغالية والهولندية والإسبانية، من البحّارة العرب وإسهاماتهم في علم الملاحة وعلم الفلك، إذ اختصرت لهم الطرق، وفتحت لهم أسواقاً عدّة. وكان اكتشاف الشرق بالنسبة إليهم يُعادل اكتشاف أميركا في ذلك الوقت بالنسبة للمتّجهين غرباً. فهم عندما جاؤوا وتعرّفوا إلى الشرق، اكتشفوا مناجم من الثروات والأسواق والمواد الخام التي كانت تحتاجها ممالكهم الطامحة بنهم كبير. ولاحظوا أنّه كلّما تقدّموا شرقاً، تضخّمت صناديق دولهم، وخزائنها، لجهة الثروات والقوى العسكرية والإمكانات. لقد عرّفهم العرب بطرقٍ مختصرة، كما عرّفوهم بالأسطرلاب وآلات القياس البحرية والخرائط المُبتكرة، والتي يعود الفضل في اختراعها إلى ابن ماجد والإدريسي وآخرين غيرهم. لقد ذهب الإسبان غرباً باتّجاه أميركا، وجنوباً باتّجاه أفريقيا، وجابوا نصف الكرة الأرضية بحراً صوب دولة جنوب أفريقيا الحالية، على اعتبار أنه الممرّ الوحيد نحو الهند كما كانوا يطنّون. وكان رأس الرجاء الصالح هو خريطتهم الشاسعة للالتفاف حول أفريقيا نحو الخليج العربي. ومع غياب الخريطة الدقيقة للعالم آنذاك، كانت الطرق إلى الشرق الأوسط والأقصى عموماً، تُشكّل تحدّياً كبيراً وكشفاً هائلاً بالنسبة إليهم. لقد وضعوا طريق الهند نصب أعينهم وهم يحاولون استكشاف طرق تجارية بحرية جديدة وأقلّ كلفة. كانوا غالباً يعتمدون على تجّار آسيويين للوصول إلى طرق برّية معروفة مثل طريق الحرير، من أجل الحصول على البهار والحُلي التي لم يكونوا يعرفون أصنافها الشرقية من قبل. رحالة ورواة يروي أسيادُ البحار عبر الشاشات الموزّعة في أنحاء المعرض مغامراتهم البحرية، مثل الجغرافي والرحّالة الأندلسي ابن جبير، الذي قام بثلاث رحلات امتدّت لسنواتٍ عدّة من غرناطة إلى بيت المقدس وسبتة ومكّة والقاهرة، ودوّن فيها مشاهداته اليومية بدقّة في ما عُرف بـ «رحلة ابن جبير»، والتي أصبحت مرجعاً موثوقاً في أدب الرحلات العربيّة. يسردُ ابن ماجد الإماراتي المُلقّب بـ «أسد البحار» وأمير الرحّالين المسلمين، سيرته في علم الفلك الذي أتقنه بدقّة، وحدّد من خلاله مواضع النجوم بالنسبة إلى أيّ مكان على ساحل المحيط، كما حدّد المواعيد المناسبة للإبحار، وكان أوّل من استخدم الإبرة المغناطيسية لصنع البوصلة الملاحية التي لا تزال تُستخدم حتى يومنا هذا، والتي استطاعت عبرها السفن تحديد اتّجاهاتها، واجتياز مسافات أطول عبر استخدام الأسطرلاب وآلة السدس وغيرها من الأدوات التي استحوذت على مساحات وافية وشروحات مكتوبة ومسموعة. ويروي المعرض سيرة المؤرّخ المغربي ابن بطّوطه أحد أهمّ الرحالة في العصور الوسطى، الذي خرج من طنجة سنة 725 هـ، وطاف بلاد المغرب ومصر والسودان والشام والحجاز وتُهامة ونجد والعراق وفارس واليمن وعُمان والبحرين وتركستان وما وراء النهر، وبعض الهند والصين وبلاد التتار وأواسط أفريقيا. ويحظى سندباد البحّار العربي ابن البصرة، الذي يهوى الإبحار والمغامرات باهتمام خاصّ، وهو الشخصية التي أسّست للرواية الأسطورية في الأدب العربي، من خلال رحلاته السبع عبر طرق التجارة في المحيط الهندي، والوحوش الخُرافية الخارقة للطبيعة التي واجهها في البحار، وطائر الرخّ ذي الشكل والقدرات الغريبة. وقد تناقلت الأجيال مغامراته التي جاءت أيضاً على لسان شهرزاد في «اللّيالي العربيّة» وتُرجمت إلى لغات العالم كافة. كما تضمّنت العروضات شخصيات أوروبية جابت البحار بمغامراتها، مثل ماركو بولو، الذي كان من أوائل الذين سلكوا طريق الحرير إلى الصين، والبرتغالي فاسكو دي غاما وآخرين. تحوّلات العالم الرحلةُ البحرية عبر التاريخ تُظهر بوضوح التحوّلات التي طرأت على خريطة العالم القديم، إذ يفردُ المعرض مساحة للخرائط القديمة، وأهمّها الخارطة التي خطّها أبو عبد الله بن محمد الإدريسي، مؤسّس علم الجغرافيا ومؤلّف أطلس شهير للعالم، والتي وضعها في القرن الثاني عشر بطلب من ملك صقلية، واستغرق العمل فيها اثنتي عشرة سنة، وأكّد فيها وجهة نظره القائلة بكرويّة الأرض على خلاف الكثيرين في عصره، وهو الذي قال « بفضل التقدّم في رسم الخرائط يمكن لنا أن نُسيطر على المساحات بشكل أفضل». وتُعتبر خريطة الإدريسي من أهمّ الأعمال الجغرافية دقّة وعلميّة في القرون الوسطى، وقد قال عنها وِل ديورانت، الفيلسوف والمؤرّخ الأميركي صاحب «قصّة الحضارة»، إنّ خريطة الإدريسي هي من أعظم ما أنتجه علم رسم الخرائط في العصور الوسطى، ولم تُرسم خرائط أتمّ أو أدقّ أو أكثر تفصيلاً من قبل. وتظهر في الخرائط أيضاً التحوّلات الجذرية التي شهدتها أكثر من قارّة، وغياب أسماء دول لم تعد موجودة على خريطة العالم، وأخرى لا بوصلة ولا اتّجاه لها في عالمنا الحالي، فضلاً عن تلك التي احتلّت مواقع أكثر صدارة وأهمّية في خرائط العالم الحديث، مثل اليابان وأفريقيا وأميركا والصين، وذلك وفقاً لأهمّيتها السياسية ونفوذها العالمي، إلى جانب تلك التي أصبحت أجزاء ودويلات في عصرنا الحالي. تستحوذُ المخطوطات النادرة والكُتب القديمة على جزءٍ كبيرٍ من المعرض، مثل «جامع التواريخ» للمؤرّخ الفارسي رشيد الدين الهمذاني الذي عاش بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر، ومُنمنات تُصوّر وحوشاً بحرية من كتاب «عجائب المخلوقات» لزكريا القزويني الذي عاش في القرن الثالث عشر، و»المسالك والممالك» لأبو عبيد البكري، فضلاً عن مخطوطات قديمة مثل «غرائب الفنون وملح العيون» الذي بقي مؤلّفه مجهولاً، وكتاب «صور الكواكب الثابتة» لمؤلّفه عبد الرحمن بن عمر صوفي، وكتب أخرى تُصوّر تصميماً لسفينة نوح، وتروي قصّة النبي يونس الذي ابتلعه الحوت بحسب الأديان الإبراهيمية. كما يخصّص المعرض مساحة للقطع التقليدية المُستخدمة في علم البحار، مثل البوصلة والأسطرلاب وغيرها، التي راقب العرب من خلالها حركة الكواكب وفكّوا ألغاز النجوم وتعرّفوا إلى أحوال الطقس واتّجاهات الطرق البرية والبحرية وغيرها. ومع التوسّع الأوروبي  وبدايات العولمة، يبرز البحّار والدبلوماسي الصيني المُسلم تشنغ خيه، المعروف باسم حجي محمود شمس (1371-1433)، والملّاح البرتغالي فاسكو دي غاما (1460-1524)، قبل أن تدخل البحار مرحلة جديدة من تاريخها عبر شركات الشحن البحري الكبرى، التي أنهت المُغامرات التقليدية، وأدخلت العالم إلى عصر البيانات الضخمة، وأسهمت في تطوير الاقتصاد الحديث، وظهور الرأسمالية التجارية الجديدة. ابن جبير وابن ماجد يروي أسيادُ البحار عبر الشاشات الموزّعة في أنحاء المعرض مغامراتهم البحرية، مثل الجغرافي والرحّالة الأندلسي ابن جبير، الذي قام بثلاث رحلات من غرناطة إلى بيت المقدس وسبتة ومكّة والقاهرة، ودوّن فيها مشاهداته اليومية بدقّة في ما عُرف بـ «رحلة ابن جبير»، والتي أصبحت مرجعاً موثوقاً في أدب الرحلات العربيّة. ويسردُ ابن ماجد الإماراتي المُلقّب بـ «أسد البحار» وأمير الرحّالين المسلمين، سيرته في علم الفلك الذي أتقنه بدقّة، وحدّد من خلاله مواضع النجوم بالنسبة إلى أيّ مكان على ساحل المحيط، كما حدّد المواعيد المناسبة للإبحار، وكان أوّل من استخدم الإبرة المغناطيسية لصنع البوصلة الملاحية التي لا تزال تُستخدم حتى يومنا هذا، والتي استطاعت عبرها السفن تحديد اتّجاهاتها، واجتياز مسافات أطول عبر استخدام الاسطرلاب وآلة السدس وغيرها من الأدوات التي استحوذت على مساحات وافية وشروحات مكتوبة ومسموعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©