الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاكمات المتهمين يُنظر فيها في «ظروف غير عادلة»

محاكمات المتهمين يُنظر فيها في «ظروف غير عادلة»
2 مارس 2013 19:54
الكاتب المغربي، والباحث في التربية وقضايا الطفولة الزبير مهداد، شارك بتعليق وتفنيد مطول، يتعدى 2030. كلمة، يمكن أن نقتبس منها ما يلي: السيد رئيس تحرير جريدة الاتحاد / دنيا تحية طيبة وتقدير: قرأت بإمعان التحقيق الثمين الذي نشرتموه حول ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال، ومساهمة في إثراء الحوار حول هذا الموضوع المهم والخطير، يسرني أن أشير إلى ما تتناقله الصحافة العربية كل حين، من أنباء مشابهة لوقائع مماثلة تحدث في بلدان عربية عديدة؛ ما يعني استفحال ظاهرة الاعتداء على الطفولة الذي يتخذ أشكالاً متعددة، بدءاً من الشتم والتحقير إلى الضرب والاعتداء البدني إلى التحرش الجنسي والاغتصاب وهتك العرض، ولا يستثنى من هذا الذكور ولا الإناث، وعادة ما يتم التكتم أحياناً كثيرة على هذه الحالات، وفي أحيان كثيرة لا يخضع المتسببون فيها لمتابعات قضائية لأسباب شتى، كأن يكون المعتدي أحد أفراد الأسرة، أو يكون التكتم بدعوى الحفاظ على شرف الطفل والأسرة، كما يتم التنازل وعدم متابعة الجاني بعد مساومات تبتغي صلحاً لا يكون أبداً في مصلحة الضحية، ويكون جهل الأسرة في الغالب سبباً لكفها عن المتابعة القضائية والتنازل عن حقوقها المدنية إما بالترهيب أو الترغيب؛ وما يحدث في الخفاء يفوق أي تقدير. ظروف غير عادلة يتم تداول هذه القضايا في المحاكم في شروط وظروف غير عادلة، فالتعامل مع هذه الحالات يكاد يجعل الظاهرة أمراً عادياً وطبيعياً ولا بأس منه ما دام الطفل حياً، دون إدراك حقيقي لآثارها وحجم الأضرار الناتجة عنها، كما أن شروط الجلسات وضغط القضايا الأخرى لا تسمح لهيئة المحكمة ببحث شامل واستماع كامل للضحية، فضلاً عن غياب آليات التدخل السريع. وينتهي مسار الملف في المحكمة إلى حفظ القضية أو التبرئة (لعدم ثبوت الأدلة) أو إلى أحكام مخففة غير رادعة، ويعود الضحية لاستئناف حياته العادية بشكل طبيعي مثقلاً بجروحه البدنية وندوبه النفسية التي لا تندمل أبداً، في غياب إجراءات حمائية ناجعة للضحية ومواكبة الوضعية الجسدية والنفسية لها. إن الطفل الآخر الذي يتعرض للخبرات المؤلمة والمزعجة يتأثر نموه تأثراً سلبياً ويتعثر ويضطرب ويتراجع، وآثار الألم والقلق تعكر صفو الطفل وتسبب له خللاً في التوازن الدقيق ما بين الألم والمتعة، وذلك التوازن الأساسي لتطور الطفل النفسي يلعب دوراً مهماً جداً في تحديد موقف الطفل السلبي أو الإيجابي من ذاته ومن محيطه. تجارب مؤلمة يكمل الزبير مهداد: «الأطفال الضحايا يتصرفون بطريقة مختلفة ويكونون ردود فعل متغيرة تجاه الواقعة التي تؤثر عليهم، فهم يشعرون بأنهم مهددون، فهناك ظلم وقع عليهم وعدوان لا يفهمونه ولا يعرفون طبيعته، وفي كل الأحوال يتفاعل الأطفال مع التجارب المؤلمة التي تواجههم بمشاعر أليمة متنوعة مثل الغضب والضجر والشعور بالذنب والإحباط. إن الصدمة تتجاوز حدود التهديد الشخصي للحياة إلى تهديد الأمن الاجتماعي وتهديد هوية الطفل وانتمائه، فالانهيار هو واحد من ردود الفعل التي يخلقها تعرض الصبي للصدمة، إلا أنه يصعب الكشف عنه وتحديد درجته بسهولة لأن مظاهره تتداخل مع مظاهر الحزن، وتختفي خلفها. فلا تتم ملاحظتها ولا يتم الكشف الدقيق عن الداء الذي يدمر ذات الطفل ويحطم شعوره، وهذا أمر في غاية الخطورة، فالصدمة تخلف في الضحية مظاهر القلق التي تتخذ أشكالاً متعددة وأعراضاً متنوعة، كالعصابات الحركية التي تعبر عنها الحركات غير المألوفة واضطرابات النطق والتوحد والانطواء وسلس البول، وغير ذلك من المظاهر المرضية، يقول أحد الضحايا واصفا حاله (تنتابني رغبة عارمة في التقيؤ والبكاء)! الجريمة والعقاب يضيف الزبير مهداد: «إن الضحية يصبح شخصية مكتئبة توحدية يائسة، لا تقيم اعتباراً لذاتها، فهو يذم نفسه لتعرضه لحادث لا سلطان له عليه، ويفسر ذلك على أساس أشياء ثابتة، كلية شاملة داخلية في الغالب، وهذا هو سبب اكتئابه الدائم وعدم قدرته على الاندماج الاجتماعي السليم من جديد، فهو دائم الإحساس بتعرضه للخطر بسبب بنيته الجسدية التي لا يستطيع تبديلها أو الخلاص منها، لذلك فهو يتخلى عن كل اهتمام بالمحيط وبالنشاطات الاجتماعية التي كانت تروقه وتستهويه قبل الحادثة كالرياضة وضروب التسلية المتنوعة التي ألفها. تقع الضحية فريسة لأمراض بدنية شتى ونفس ـ بدنية ولانحرافات سلوكية متنوعة، كالعصاب والفصام والشذوذ والدعارة والسرقة، وغير ذلك مما لا يمكن عده وإحصاؤه، هذه الأمراض تعرض شريحة اجتماعية وجزءاً مهماً من ثروتنا البشرية للضياع والهـدر، بل وتهدد الأسرة كاملة في تماسكها وأمنها وسلامتها. ويتعين على الجهاز القضائي التعامل بموضوعية وحذر مع هذه القضايا والحرص على حماية أعراض وسلامة صبياننا، والحد من تفشي ظاهرة الاعتداء عليهم، فيجب أن يكون العقاب على قدر الجريمة، وتكييف الجريمة بحثاً عن ظروف التخفيف لفائدة الجاني لا يأخذ بعين الاعتبار الحالة النفسية للضحايا. ولا يولي أدنى اهتمام بهـذا العامـل الحاسم في التعجــيل بعلاج الضحايا وإعادة اندمـاجهـم في النسيـج الاجتماعي وتفادي تدهور أحوالهم، فيجب في كل الأحوال تشديد العقوبة على الجناة المعتدين على القاصرين حتى يكون ذلك درساً بليغاً للجميع، ورفعاً لمعنويات الضحايا وأسرهم. وسداً منيعاً أمام الذين تسول لهم أنفسهم الاعتداء على الصبيان».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©