الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين الحكمة والحذر

29 يونيو 2009 02:22
نقف هذه المرة على ردود الفعل والاستجابات الأيديولوجية من قبل منتقدي أوباما على حدثين هما: خطاب القاهرة التاريخي الذي لم يسبقه إليه رئيس أميركي، ثم استجابة أوباما للأزمة السياسية الإيرانية الراهنة. فقد هاجمه منتقدو خطاب القاهرة، قائلين إنه حاول إيجاد نوع من «التماثل الأخلاقي» بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بوصفه لحالة المعاناة التي يعيشها كلاهما. كما اتهمه هؤلاء بـ «إضعاف» الولايات المتحدة الأميركية بسبب اعتذاره المخزي في نظرهم عن أخطاء الماضي: انقلاب عام 1953 في إيران، الحرب على العراق، واستخدام وسائل التعذيب. أما فيما يتعلق بإيران، فقد انتقده خصومه على طريقة تعامله مع ما يجري في طهران. ولا يكف هؤلاء -بقيادة جون ماكين المرشح الرئاسي «الجمهوري» لانتخابات عام 2008، عن اتهام أوباما بالضعف واللين وخيانة القيم الأميركية. ولننظر الآن إلى استجابة كل من الرئيس ومنتقديه للدراما التي لا تزال تتواصل أحداثها في طهران. فمنذ البداية عبر الرئيس عن قلقه وشكوكه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت هناك. وعلى إثر اندلاع المظاهرات التي تبعتها وصحبتها أعمال العنف عبر أوباما عن دعمه لحق المواطنين في حرية التجمع والاحتجاج، إلا إنه حذر في الوقت نفسه من استخدام العنف. ومع استمرار العنف تزايدت نبرة الرئيس قوة بقوله: «تأسف الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي وتستفزهما تهديدات وضرب وسجن المتظاهرين والمحتجين خلال الأيام الأخيرة الماضية. وأعرب عن إدانتي القوية لهذه الممارسات». ولكنه أكد في الوقت نفسه إنه ليس من شأن الولايات المتحدة الأميركية أن تقرر للإيرانيين انتخاباتهم. وقال أوباما إن دوره الرئيسي هو خدمة مصالح الأمن القومي الأميركي والدفاع عنها، بصرف النظر عن توجهات ونوعية النظام الحاكم في طهران. أما خصومه الرافضون لفكرة الحوار الدبلوماسي مع طهران أصلا، فيريدون له أن يعلن شجبه للانتخابات الرئاسية الأخيرة برمتها، مصحوباً بإعلان وقوفه إلى صف المعارضة. وبدافع تبسيط هؤلاء للواقع السياسي الإيراني المعقد، ومقارنته بما كان عليه حال دول «الستار الحديدي» بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، فقد اعتقد هؤلاء أن وقوف واشنطن إلى صف المعارضة الإيرانية سوف يؤدي حتماً إلى تغيير النظام الحاكم. ولا بد من ملاحظة أمرين هنا. أولهما أن معظم القادة والمعلقين السياسيين الذين يدفعون بمثل هذا السلوك الطائش لا علم لهم بما يجري حقيقة في طهران. ومثلما حدث في حربي العراق وأفغانستان، فقد تحول كل متحدث يقف أمام كاميرات التلفزيون إلى «خبير» في الشؤون الإيرانية. ولذلك جاءت انتقاداتهم لأوباما نابعة من أوهام أيديولوجية عن إمكانية حدوث «ثورة عفوية» في طهران، أكثر من كونها مبنية على معرفة حقيقية بالواقع الإيراني. ثانيهما جهل هؤلاء المنتقدين لخطورة العواقب المحتملة من أي تدخل أميركي مباشر في الشؤون الإيرانية. من هذه العواقب أن تزيد مساندة الأميركيين للمتظاهرين من حماسهم فيعتقدون أن واشنطن سوف تقف إلى جانبهم في معركتهم الفاصلة مع النظام، وهو ما ليس متوقعاً بالطبع لأسباب عملية. وبذلك سوف تتكرر مأساة انتفاضة البصرة ضد نظام صدام حسين في عام 1991. ومن العواقب المحتملة أيضاً أن يستغل النظام الإيراني أي تدخل أميركي لصالح تعميق كراهية الإيرانيين لأميركا. وعليه فلا بد من الاعتراف بحكمة وحذر أوباما في التعامل مع الأزمة الإيرانية الحالية. فليس على بلاده أن تتدخل مباشرة في الشأن الإيراني. غير أن واشنطن تدرك جيداً أنه لا بد لها من أن تتعامل مع أي حكومة إيرانية قائمة، بصرف النظر عن توجهاتها وسياساتها الداخلية، في نهاية الأمر. ولا بد لواشنطن كذلك من مواجهة تحدي البرامج النووية الإيرانية وتصدير العنف، مع العلم أن كلتيهما تجعلان من طهران معضلة أمنية إقليمية واجبة الحل. ولهذا السبب فأنا لا زلت ممتناً للشعب الأميركي بسبب انتخابه للرئيس أوباما في الرابع من نوفمبر من عام 2008. جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©