الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رُدّ السلام ...

30 يونيو 2009 00:02
شدتني أبياته الشعرية، كنتُ كثيراً ما أرددها، وأطرب لسماعها حينما يشدو بها الفنان محمد عبده، حتى أجبرتني مؤخراً، للبحث عن كاتبها، ظننت أنها لن تكون سوى لشاعر أندلسي، أو عباسي فحسب، حتى تفاجأت بأن ذلك الشعر الجميل، هو من إبداع شاعر مكي معاصر، من أهل الحجاز، هو «حمزة شحاتة» (1908_1972). وهو القائل: بعد صفو الهوى وطيب الوفاق ِ.. عزّ حتى السلام عند التلاقي.. هبْ أهملتَ واجبي صلفاً منك.. فما ذنبُ واجب الأخلاقِ؟! بعذوبة المفردة، ودفء العبارة، خاطب شحاتة محبوبته، وبعتاب المحب أبداً، صاغ أبياته، دون أن يخفي لوعة افتقادها، وتأثره وحزنه لجفائها، الذي وصل إلى حد الامتناع عن ردّ السلام عليه، وهنا قمة الألم، مما استثاره بأن يردف تلك الرائعة، بأبيات لا تقل عنها لوعة وعذوبة، حاملة ذات العتاب للمحبوب، في بيان لم يخل من استفهام آخر جديد، لا يخلو من التعجب، فأنشد قصيدته الشهيرة: مالي أراها لا تردُ سلامي.. هل حرمّت عند اللقاء كلامي.. أمْ هذا شأن الغيد يُبدينَ الجفا.. وفؤادهن من الصبابةِ دامي.. استفزتني أسئلة الشاعر الحجازي الكبير، لمَا تحمله من دلالات أخلاقية، ذات معنىً وأثر عميق في النفس، الذي قد لا يعيره البعض منا أهمية تُذكر، وهو خُلق السلام وردْ التحية، وإن كان يرتضيه البعض منا اليوم، متثاقلاً، أو بارداً ولو «بكف الإشارة « من البعض ! هذا الشاعر المرهف، الذي أدهشني بفرط رومانيسته، وروعة مفرداته التي شبهها أصدقاؤه، ونقاد شعره، بأنها أشبه إلى حتى التماثل بشاعرية الشاعر الكبير إبراهيم ناجي، شحاتة الذي انزوى في منفاه الاختياري، بعيداً عن الأضواء، منكفئاً على كتابة الشعر والتأليف الموسيقي، إلى جانب كتاباته الفلسفية، التي بدت جليّة في قصائده، كاشفة عن اتساع أفقه، وعمق تجربته الحياتية، وعمق فكره وأفكاره وآرائه الطليعية آنذاك، التي كانت أحد أسباب عزلته خارج وطنه. وكما بعض الأشياء التي نتمنى أن نستردها يوماً، وإن كان برجع صداها أو ذكراها، عسى أن يكون لنا فيها بعض العزاء... وبين ما يمكن أن يُرد، ولا يُرد، هذه بعض من أبيات قصيدتي، أقول: رُدّ قلبي فقد سئمت العيش َ ملوعةً.. رُده، وكأن ذاك الحبُ ما كانا.. ودع أشرعتي تبحر بعد طول سكونها.. واجعل لي في بقايا الوجد شطآنا.. الحبُ للمحرومين، حلماً سرمدياً سيديّ.. الحبُ أسمى من أن تدعيه ظلماً وبهتانا.. أتيتك لتغفو بين حناياك رعشتي.. أتيتُ أروي عروقاً تنزف الحرمانا.. فما أتيت أرجو منك إحساناً وإنما.. لمحتُ للأمل الضائع في عينيك عنوانا.. ورُد قلبي فعسى أن ينسى ماضيه.. فالعشب لا يثمر إن بات ظمآنا.. ارحل.. وسأرحل، وإن كنتُ مرغمةً.. فالبعدُ أرحم من اللقاءِ أحيانا! فاطمة اللامي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©