الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائر تضع مخططاً لترميم مباني «القصبة العثمانية» وحمايتها من الانهيار

الجزائر تضع مخططاً لترميم مباني «القصبة العثمانية» وحمايتها من الانهيار
5 مارس 2011 20:30
وافق مجلس الوزراء الجزائري مؤخراً على مخطط عمل تقدمت به وزارة الثقافة لترميم مدينة “القصبة” وإنقاذها من الانهيار، بعد أن بلغت مبانيها العتيقة مرحلة متقدمة من التدهور، ورصد مجلس الوزراء 56 مليار دينار جزائري، وهو مبلغ جيد بإمكانه إنقاذ هذه المدينة التاريخية التي صنفتها “اليونسكو” تراثاً عالمياً في عام 1992. ترتبط “القصبة” في أذهان الجزائريين بفترة الثورة التحريرية، حيث دوَّخت “القصبة” جنودَ الاحتلال الفرنسي بأزقتها الضيقة التي كانت تُخفي المجاهدين وتطمس أية آثار لهم بعد تنفيذ كل عملية ضد الفرنسيين، كما ترتبط بالفترة العثمانية التي دامت أكثر من ثلاثة قرون، حيث تبدأ في سنة 1516 وتنتهي في 1830، وكانت “القصبة” خلال هذه الفترة هي عاصمة الحكام العثمانيين في الجزائر. تاريخ عريق يلفت محمد بن مدّور، باحث في التراث ومسؤول بالديوان الوطني لتسيير واستغلال الأملاك الثقافية المحمية، إلى أن تاريخ هذه المدينة العريقة لا يبدأ بالوجود العثماني بالجزائر سنة 1516، بل هو ضارب في عمق التاريخ؛ إذ يعود إلى القبائل الأمازيغية التي استوطنت الجزائر منذ 30 قرناً، إلا أن دور المدينة لم يبدأ في البروز إلا بعد ظهور الفنيقيين الذين أقاموا تبادلات تجارية مع سكان المدينة، وشيدوا بها عدة منشآت بحرية في القرن السادس قبل الميلاد، ثم تعرضت للاحتلال الروماني الذي بدأ يقيم عدة مباني إلى غاية حدود مسجد “كتشاوة” كما تُظهر الآثار الآن. ويقول إنه بعد انحسار العهد الروماني ثم الوندالي والبيزنطي، قامت عدة ممالك إسلامية فبدأ بولوجين بن زيري في عهد قبائل بني مزغنة يشيد معالم مدينة جديدة في “القصبة” على أنقاض المباني الرومانية منذ القرن الـ11 ميلادي. وتمتد من المسجد الكبير إلى مسجد سيدي رمضان، وأقاموا بيوتاً عديدة مغطاة بالقرميد الأحمر، ولما حل العثمانيون بالجزائر العاصمة سنة 1516، شرعوا في بناء “القصبة” ليتخذوها عاصمة لحكامهم، وامتدت بيوت عائلاتهم وحاشيتهم وجنودهم من مسجد سيدي رمضان إلى أعالي القصبة، كما غيروا الكثير من معالم بيوت بني مزغنة وأعطوها طابعاً عثمانياً بحتاً. ويتابع بن مدور “ثم جاء المستعمرون الفرنسيون في عام 1830 وهدّموا نحو 1800 بيت من بيوت “القصبة السفلى” وبنوا على أنقاضها مباني عصرية على الطراز الأوربي بذريعة توسيع المنطقة وشق الطرقات، ولم يتركوا سوى “القصبة العليا” على حالها، وحينما رحلت فرنسا في 5 يوليو 1930، تركت نحو 6 آلاف مسكن أصْلي بالقصبة”. المتاجرة بالآثار يقول بن مدور إن أغلب البنايات التي تهدمت الآن هي تلك التي تعود إلى فترة قبائل بني مزغنة، حيث إن عمرَها يبلغ 9 قرون. وقد تهدمت بفعل عوامل الطبيعة والقِدم، فهي مشيدة بالطوب والرمل وسقوفها من الحطب، كما أترث فيها الرطوبة العالية وصعود المياه الجوفية، فضلاً عن العامل البشري أيضاً، حيث “أحدث بعض سكان القصبة أضراراً عمدية بها لترحيلهم، ثم استثمار أماكن سكناهم”. ويوضح هذه النقطة بالتأكيد على أن الكثير من سكان “القصبة” أصبحوا يتاجرون بمساكنهم ويعيدون بيعها في كل مرة، وبعقودٍ عديدة لنفس السكنات، ما يطرح علامات استفهام كبرى حول المسألة؟ ونفس النقطة أثارت حيرة الرئيس الشرفي لـ”مؤسسة القصبة” علي مبتوش الذي استغرب “منح الإدارة تراخيص لبناء بيوت عصرية مكان البيوت الأصلية بعد هدمها مع أنها تراث تاريخي”، وتساءل عمن يمنح التراخيص لهؤلاء؟ داعيا وزارة الثقافة إلى التدخل العاجل قصد وضع حد لـ”سماسرة العمران” بالقصبة. من جهته، يتحدث رئيس “مؤسسة القصبة” بلقاسم باباسي بكثير من الأسى عن آفة المتاجرة بسكنات “القصبة” ووجود الكثير من السكان الجدد فيها “هؤلاء قاموا بترميمات عديدة بعد شرائها، لم يراعوا فيها هوية القصبة وتصميمها العمراني، ما افقدها هويتها العثمانية”. وتؤكد دراسة حديثة عرضت على مكتب مجلس الوزراء مؤخراً أن 10 بالمائة من بنايات القصبة المتبقية؛ أي التي لم تنهر بعد، قد أغلقت تماماً لاستحالة العيش فيها، بينما بلغت 40 بالمائة منها مرحلة متقدمة من التآكل وأصبحت مهددة بالانهيار، ولم تبق سوى نحو 50 بالمائة من البنايات التي مستها تشققات أو انهيارات سطحية. وقررت الحكومة الشروع في ترميم هذه البنايات التي يبلغ عددها 394 بناية وهي مكونة من عدة طوابق يفصل بينها سقوف من الحطب منذ العهد العثماني، لا سيما وأنها تأوي ما بين 36 إلى 50 ألف ساكن، ويبدأ المخطط الاستعجالي بإسناد البنايات بشبكة من الأعمدة الخشبية للحؤول دون انهيارها، قبل الشروع في ترميمها بشكل عميق يحفظ طابعها المعماري العثماني ويبعد عنها خطر الانهيار. تفاؤل حذر يؤكد الباحث في التراث محمد بن مدّور أن عملية الترميم تتطلب وقتاً طويلاً نسبياً وتفهما من السكان حيث سيتم إخلاء البنايات بالتدريج لترميمها قبل عودة السكان إليها، ذلك أنه “يستحيل ترحيلُهم بالقوة؛ هذه أملاكهُم ولا يمكن ترحيلهم منها إلى بيوت أخرى عصرية إلا برضاهم التام”. وتراهن الجزائر على نجاح عملية ترميم البنايات السكنية بـ”القصبة” ومحالها التجارية التي تضم صناعات تقليدية عريقة، كما نجحت عملية ترميم قصور الحكام العثمانيين بالمنطقة نفسها، ما يجعلها مستقبلاً مركز جذب سياحي جيد. إلى ذلك، يُبدي رئيس “مؤسسة القصبة” بلقاسم باباسي تفاؤله بنجاح مخطط وزارة الثقافة في إنقاذ “ما تبقى من القصبة” على نحو “تستعيد فيه طابعَها العمراني العتيق وتتحول إلى قطبٍ سياحي مهم”، بينما يقول بن مدور”القصبة هي هوية الجزائر العاصمة ومتحف كبيرٌ مفتوح على الهواء الطلق، ولذلك تحظى عملية ترميمها بأهمية قصوى”.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©