الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

المتقاعد أمام خيارين.. إما «مت قاعداً» أو جسر خبرات لجيل المستقبل

المتقاعد أمام خيارين.. إما «مت قاعداً» أو جسر خبرات لجيل المستقبل
3 مارس 2013 14:22
رسمت وسائل الإعلام صورة قاتمة لحياة المتقاعد؛ فهو ذلك الرجل المتكرش الذي توقف عن الاهتمام بمظهره، وهو المتطفل الذي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في المنزل، وهو المكتئب الذي يتوارى عنه أهله وأصدقاؤه، فهيبته بعد نزوله عن الكرسي تضمحل، ومكانته وحضوره الاجتماعي يأفل، ورأيه لا يؤخذ به، ودائماً ما يكرر عبارة “أنا صرت مت قاعداً”. هكذا هي صورة المتقاعد، كما صورتها أفلام ومسلسلات، لكن الحقيقة أن المتقاعد، إذا ما أراد وعزم، يحظى بحياة أخرى أكثر غنى من حياته الأولى، “فالحياة تبدأ بعد الستين”، كما يقال. وفي دولة مثل الإمارات، تحتاج إلى كل مواردها البشرية للتنمية، يتقاذف المتقاعدون والمسؤولون كرة الأسباب عن عدم انخراط “أصحاب الخبرات الطويلة” في عمارة البلاد، في وقت تعكف فيه وزارة الشؤون الاجتماعية على وضع خطة لتفعيل دور المتقاعدين اجتماعياً، يبدأ العمل بها العام المقبل. الاتحاد تفتح ملف المتقاعدين على حلقتين متتابعتين، تستمع لشكاوى جيل البناء ومقترحاتهم وتعرض ردود الجهات الرسمية، علها تسهم في الوصول إلى علاج يرضي جميع الأطراف بما يخدم الوطن. دعا متقاعدون إلى الاستفادة من الخبرات المتراكمة للمتقاعدين، من خلال وضع استراتيجية بمؤشرات محددة لتفعيل دورهم، تتولى تنفيذها لجنة وطنية تضم جميع الجهات المسؤولة عن هذا الملف بالدولة. وطالب المتقاعدون بتنسيق الجهود بين الجهات المعنية لتوفير فرص العمل للراغبين وتشجيع المشروعات الفردية، مشيرين إلى أهمية قيام القطاع الخاص بدور أفضل تجاه المتقاعدين من باب المسؤولية المجتمعية. وحذرت وزارة الشؤون الاجتماعية من الأضرار الأسرية الناجمة عن عدم الاستفادة من وقت وخبرات المتقاعدين، كاشفة عن زيادة المشاكل الأسرية بنسبة 20% لدى العديد من المتقاعدين بعد ترك العمل. وأكد خبراء أن معظم الأفراد الذين يتقاعدون عن العمل يواجهون بعض المشاكل الاجتماعية والنفسانية، غير أن هذه المشاكل تكون أشد وطأة على بعض الأشخاص دون آخرين، كما أن حلولها تختلف من فرد إلى آخر؛ فهناك من ينجح في التغلب عليها، وهناك من يفشل في ذلك. وحث المسؤولون والمتقاعدون مؤسسات المجتمع المدني على القيام بدور أكبر لخدمة المتقاعدين. وأكد مسؤولون بالقطاع الحكومي الاتحادي أن المتقاعدين لديهم من الخبرة والحكمة ما يساعد الأجيال التالية، واصفين المتقاعدين بأنهم ثروة وطنية ينبغي الاستفادة منها. مفهوم خاطئ ورأى مظفر الحاج مدير هيئة المعاشات والتأمينات الاجتماعية، أن مفهوم التقاعد لدى بعض الأشخاص خاطئ، حيث يوجد خلط بين التقاعد المبكر والسن القانونية للإحالة إلى التقاعد، وهو بلوغ سن الـ 60، مشيراً إلى أن الأصل في التقاعد هو بلوغ السن القانونية للمعاش. وقال: «المشكلة الحقيقية أن هناك أشخاصاً يريدون أن يحصلوا على لقب متقاعد بعد قضاء 20 سنة فقط في الخدمة العامة، وفي أنحاء العالم من يتقاعد قبل السن القانونية للإحالة، أو ما يسمى “التقاعد المبكر”، تفرض عليها شروط جزائية تتضمن نوعاً من الحسم يختلف من دولة إلى أخرى». وأشار إلى أن معظم النقابات العاملة في الكثير من دول العالم لا تعطي راتباً تقاعدياً، إلا عند بلوغ سن الـ 60 أو الـ 65 حسب سن التقاعد في الدولة. دوافع التقاعد وعن أسباب التقاعد، قال هاشم البيرق من مدينة كلباء بالشارقة، يبلغ من العمر 55 عاماً وتقاعد قبل 3 سنوات «إن هناك أسباباً عدة وقفت وراء اتخاذي قرار التقاعد، من أهمها إحساسي أنني أعطيت ما يجب علي، وقمت بواجبي، وأيضاً ظهور جيل جديد ينتظر دوره للعمل والإنتاج». بينما قالت فاطمة المغني التي عملت 32 عاماً، وشغلت سابقاً منصب مديرة مركز التنمية الاجتماعية في خورفكان «يذهب البعض للتقاعد لبدء مرحلة جديدة تتيح له التعمق والاهتمام بجوانب أخرى لم يتسن له فعلها أيام الوظيفة». وأضافت المغني: «بالنسبة لي فقد عاودت بعد التقاعد السفر وممارسة الرياضة وتعزيز العلاقات الأسرية بشكل أفضل من ذي قبل». ورصدت أول دراسة ميدانية رسمية خصصت لبحث تفعيل دور المتقاعدين في الدولة، العديد من الدوافع الأخرى، منها اعتقاد البعض أن التقاعد مبكراً سيؤدي إلى التخلص من ثقل المسؤوليات والتحرر من متطلبات العمل وضغطه وروتين الأداء اليومي. وأشارت الدراسة، التي أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية تحت عنوان «المتقاعدون في دولة الإمارات .. طاقات وإمكانات»، وأعلنت نتائجها نهاية عام 2011، إلى أن من أهم الأسباب المؤدية إلى التقاعد، بلوغ السن القانونية. ما بعد التقاعد وعن التغيرات التي تطرأ على حياة المتقاعد، لفت الدكتور إبراهيم بن طاهر، الذي تقاعد منذ أيام عدة بعد فترة عمل دامت 35 عاماً، إلى أن بعض المتقاعدين قد يتأثر اجتماعياً ونفسانياً. وقال ابن طاهر الذي عمل قبل التقاعد مديراً للعلاقات الحكومية والعلاقات العامة بالمركز الدولي للزراعة الملحية بدبي «أخطر فترة للمتقاعدين هي تلك التي تلي التقاعد، لأنه ترك أصدقاء تعود على رؤيتهم يومياً، وفقد صداقات وزمالات دامت سنوات طوال، وتوقف عن أمور اعتاد عليها سنوات ممتدة». وأضاف: «سمعت أن بعض أصدقائي المتقاعدين تحولوا إلى سائقين لأسرهم، واقتصر دورهم على ذلك، والسبب أنهم لم يؤسسوا لمرحلة ما بعد التقاعد». وقالت فوزية طارش مديرة إدارة التنمية الأسرية بوزارة الشؤون الاجتماعية، المشرف على مبادرة “هب ريح” لتفعيل دور المتقاعدين «إن بقاعد المتقاعد في المنزل لفترات طوال يؤدي إلى تدخله في كل الشؤون المنزلية، ما يتسبب في حدوث خلافات تصل أحياناً إلى الطلاق، بعد عمر طويل من الارتباط، وهذا ما اكتشفناه من خلال جلسات الأحياء الشعبية التي تنظمها وزارة الشؤون الاجتماعية». وأضافت طارش: «أظهرت تلك المجالس زيادة حجم المشاكل الأسرية بنسبة 20% في أسر المتقاعدين حديثاً، فضلاً عن إصابة البعض بحالات اكتئاب». ولفتت فاطمة المغني، التي تقاعدت في شهر أكتوبر من عام 2010 وتحصل على معاش تقاعدي بنسبة 100%، إلى أن أهم متغير يواجه المتقاعدين بعد ترك العمل، هو الجانب المالي، حيث تتناقص قدرة الإنفاق لدى الشخص أو الأسرة في حالة الاعتماد عل الراتب فقط، وعدم وجود موارد دخل أخرى. وتابعت: «المتقاعد وأسرته عليهم التزامات كثيرة لا تقل عن الآخرين، وهيئة المعاشات لا تسأل عنّا ولا نعرف حقوقنا ومالنا». وأضافت المغني «أحياناً انظر إلى التقاعد على أنه سلب مني بعض الحقوق، حيث توقفت بعض العلاوات التي كنت أحصل عليها وقت العمل». وألقت المغني باللائمة على ما يعانيه بعض المتقاعدين من عدم كفاية رواتبهم إلى “جشع” التجار والزيادة المستمرة للأسعار. وأشارت دراسة الشؤون الاجتماعية عن المتقاعدين، إلى أن (86%) من أفراد العينة ليسوا بحاجة إلى مساعدة اجتماعية بعد التقاعد، في حين أن (14%) يحصلون على مساعدة اجتماعية من الضمان الاجتماعي بالوزارة. وتشمل النسبة الحاصلة على الضمان الاجتماعي، متقاعدين مصنفين ضمن فئات العجز المادي والعجز الصحي والمسنين والطلاق والأرمل والمعاقين. خطة لتفعيل دور المتقاعدين العام المقبل كشف ناجي الحاي أن وزارة الشؤون الاجتماعية تعكف على وضع خطة لتفعيل دور المتقاعدين اجتماعياً، يبدأ العمل بها العام المقبل 2014، لافتاً إلى أن الخطة العشرية للمسنين التي يبدأ العمل بها اعتباراً من العام المقبل أيضاً تتضمن جوانب تتعلق بالاستفادة من المتقاعدين مثل برامج تهيئة للأشخاص المقبلين على التقاعد للتأكيد على ضرورة استمرار العطاء والبذل. ويذكر أن مراكز التنمية الاجتماعية في عجمان وأم القيوين والفجيرة التي ستفتتح قريباً، ستقدم خدمات للمتقاعدين، منها ورش تدريب وتأهيل. وأشار إلى أن هذه المراكز تعمل على تجهيز أندية للمسنين والمتقاعدين تحتوي على أماكن ترفيهية تتوافر فيها الرعاية والعناية الطبية للرجال والنساء بشكل منعزل، كما تضم هذه النوادي قاعات للتدريب الحركي والفيزيائي للمسنين وقسماً خاصاً بالعلاج الطبيعي قيد التجهيز الآن، إضافة إلى إعداد برامج اجتماعية وترفيهية لهم. ويعرف المتقاعدون لغوياً بأنهم من بلغوا سن التقاعد، وتعني كلمة التقاعد (ترك وظيفته)، فكلمة التقاعد بمعنى التوقف عن العمل لم يكن لها هذا المفهوم في حياتنا أو معاجمنا القديمة، وهى كلمة (محدثة) كما ورد في (المعجم الوسيط). وقانونياً، هو ترك العمل في كثير من البلدان إجبارياً عند سن الستين أو قد يمتد إلى الخامسة والستين، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة حُدد سن التقاعد للرجال عند بلوغ سن 60 عاماً وللنساء عن بلوغ 55 عاماً. احصائيات وأرقام ووفقاً لعينة دراسة الشؤون الاجتماعية، يعاني 83,84% من المتقاعدين من تفاقم المشكلات العائلية بعد التقاعد. وأكدت الدراسة أن 58,37% من المتقاعدين يعانون من توتر عصبي بعد التقاعد بسبب الفراغ. ويشعر 64,57% أن العمل يحقق لهم ذاتهم بعد التقاعد، ويعتقد 62,79% أن ذهابه للعمل فرصة للخروج من العزلة والوحدة. ويتقبل 52,42% من المتقاعدين وضعه كمتقاعد. وكشفت استجابات أفراد عينة دراسة الشؤون الاجتماعية من المتقاعدين أن 91% منهم يطالبون بإنشاء جمعية للمتقاعدين لخدمتهم والاستفادة من خبراتهم. ويسعى 89,33% من المتقاعدين إلى إيجاد فرص عمل مناسبة لهم. ويؤكد 89% من عينة دراسة المتقاعدين ضرورة وجود دورات وبرامج تدريبية وتأهيلية، وترى نفس النسبة (89?) تقريباً أهمية العمل على تفعيل دور المتقاعدين في المجتمع والاستفادة من خبراتهم. 28 ألف مسجل في «المعاشات» كشفت إحصائيات هيئة المعاشات والتأمينات الاجتماعية، التي حصلت عليها "الاتحاد" أن إجمالي المتقاعدين المسجلين بالهيئة 28379 متقاعداً، مشيرة إلى أن العام الماضي 2012 شهد تقاعد 1083 مواطناً ومواطنة منهم 442 تقاعدوا قبل السن القانوني للتقاعد وهو 60 عاماً بنسبة تصل إلى 40,8%، في حين بلغ عدد المتقاعدين في العام الذي سبقه 1279 مواطناً ومواطنة منهم 614 تقاعد مبكر "قبل السن القانوني"، بنسبة تصل إلى 48% من الإجمالي المذكور. أما بالنسبة للعام 2010، فوصل إجمالي المتقاعدين 972 شخصاً منهم 502 تقاعدوا مبكراً بنسبة مقدارها 51%. وأوضحت الهيئة أنه لا يمكن رصد نسبة المتقاعدين قبل السن القانوني من إجمال عدد المتقاعدين المسجلين في الهيئة، نظراً لعدم توافر تواريخ ميلاد بعض المتقاعدين، مؤكدة في الوقت نفسه أن الهيئة ستشغل في خلال الشهر الحالي النظام الالكتروني الجديد الذي ينظم عمل الهيئة في الكثير من المجالات بما فيها موضوع البيانات الإحصائية. وتظهر إحصائيات الهيئة أن عدد المشتركين في الهيئة "المؤمن عليهم" 78 ألف مشترك، وبلغت الاشتراكات في العام الماضي أكثر من 3,069 مليار درهم، فيما تصل المدفوعات شاملة المعاشات والمكافآت 2,178 مليار درهم للعام الماضي، منها ما يتجاوز 1,539 مليار درهم معاشات و638,246 مليون درهم مكافآت، وتصرف الهيئة كمتوسط شهري 135 مليون درهم على المعاشات للمتقاعدين والمستحقين. وتبلغ أصول الهيئة وما تملكه من أصول نقدية وعينية 38,8 مليار درهم، منها 19 مليار درهم أصول نقدية. مطالبة بالاقتداء بنموذج المتقاعدين العسكريين طالب المتقاعد الدكتور إبراهيم بن طاهر بالاقتداء بالنموذج الذي أسسه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بالنسبة للمتقاعدين العسكريين، حيث أوجد سموه لهم برامج متعددة لاستيعابهم في هياكل وميادين القوات المسلحة والاستفادة منهم، وفي الوقت نفسه إفادتهم. وأكد ابن طاهر أن ذلك أدى إلى مواصلة العطاء وتحسين أوضاع المتقاعدين العسكريين. واقترح المتقاعد هاشم البيرق وجود جمعية للمتقاعدين المدنيين على غرار جمعية المتقاعدين العسكريين، لتتولى الاهتمام بهم والعمل على التواصل مع الجهات المعنية بشؤون وخدمات المتقاعدين. تجارب عالمية للاستفادة من خبرات المتقاعدين عند البحث عن أفضل التجارب الدولية في مجال المتقاعدين والاستفادة من خبراتهم، تبين أن التجربة الألمانية تعد مميزة، حيث توجد هيئة تسمى “هيئة الخبراء المتقاعدين الألمان” مقرها مدينة بون، وأسست عام 2003، تضم أكثر من 5000 خبير ألماني يعملون للصالح العام. وتعد المؤسسة واحدة من أكبر البرامج في ألمانيا لتقديم المساعدة للشركات والمؤسسات والإدارات الرسمية في العالم الثالث في 93 دولة. ويشارك في تنفيذ البرنامج متقاعدون ألمان يقدمون خبراتهم بشكل طوعي دون مقابل يذكر. أما في الولايات المتحدة، فتعد الجمعية الأميركية للمتقاعدين أشهر جهة لرعاية المتقاعدين في الولايات المتحدة الأمريكية، وتهتم بكل أمور المتقاعدين وتجري الكثير من الدراسات والأبحاث حول التقاعد والعمل، كما توجد في كل ولاية أميركية وكالة للمتقاعدين تحظى بدعم من الحكومة الاتحادية، بحيث تقدم خدمات للمتقاعدين من أبناء الولاية باعتبار ذلك نوعاً من التعويض لافتقادهم العمل. أما اليابان، فقد أدركت أن التقاعد الذي يعتبره بعض الأشخاص نهاية الحياة، قد يكون عند البعض الآخر بداية حياة جديدة، وفرصة لاكتشاف الذات، والجلوس مع النفس وتقييم إمكاناتها، بعد سنوات طويلة من العمل في معترك الحياة، يتفرغ فيها الشخص إلى حياته الخاصة، وممارسة أوجه الحياة التي كان ازدحام العمل يعيقه عنها. لذا عكست اليابان اهتمامها بشريحة المتقاعدين المهمة ببرامج اجتماعية واقتصادية تعتمد إضافتهم إلى المعادلة التنموية الشاملة في مواقع متنوعة بإعادة تعيينهم مستشارين في مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني والجمعيات الأهلية، مع تغيير طفيف في مواعيد دوامهم يتماشى مع المرحلة العمرية، بجانب شمولهم بمظلة الأمان الاجتماعي والاقتصادي. وتوجد عدد من الجمعيات الخيرية في العالم العربي متخصصة في شؤون المتقاعدين، تقدم برامج ولقاءات سنوية وتقوم بإصدار الدوريات والمجلات الخاصة بشؤون المتقاعدين منها: الجمعية العامة للمسنين في جمهورية مصر العربية، جمعية للمتقاعدين في المملكة العربية السعودية، رابطة الأجيال في تونس، جمعية للمتقاعدين في المغرب. وجميع هذه الجمعيات هدفت إلى مساع تكاد تكون واحدة، وهي تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والأدبية والترفيهية والحقوق في حدود إمكانات كل متقاعد، والاهتمام بالأوضاع الصحية والاجتماعية والاقتصادية للمتقاعدين، إضافة إلى إنشاء مركز لجمع المعلومات عن مؤهلات وخبرات المتقاعدين بغرض الاستفادة منها لما فيه مصلحتهم. تحديات عديدة أمام الاستفادة من المتقاعدين يبقى التساؤل حول أسباب فشل جهود المتقاعدين للعودة للعمل أو دمجهم مجتمعياً مطروحاً، حيث أجابت ليلى الزرعوني مديرة دار رعاية المسنين بعجمان، مديرة مبادرة “هب ريح” لتفعيل دور المتقاعدين، أن هناك العديد من التحديات التي تواجه الاستفادة من المتقاعدين، معتبرة أن الإشكالية بالدرجة الأولى هي المتقاعد ذاته واستعداده للعودة للعمل والانخراط في المجتمع. وأضافت: «أيضاً نجد عدم رغبة بعض المتقاعدين في المشاركة بالبرامج التأهيلية والتوعية، فعندما ندعو المتقاعدين إلى هذه البرامج يعتقدون أننا سنوفر لهم وظائف». ولفتت الزرعوني إلى أنه لا يوجد جهة معنية بتوظيف المتقاعدين والاستفادة منهم اجتماعياً، مطالبة بوجود جهة تتابع أمور المتقاعدين، وعلى رأسها توفير وظائف تناسب قدراتهم وأعمارهم. وقالت: «من خلال احتكاكنا بالمتقاعدين، وجدنا أن لديهم خبرات رائعة وقدرات يمكن للدولة أن تستفيد منها». ولفتت إلى عدم قيام كثير من الجهات الحكومية والخاصة ببرامج لخدمة متقاعديها الذين كانوا يعملون لديها. وحول مدى قيام الجهات الحكومية بدور كاف لخدمة المتقاعدين، اعتبر ناجي الحاي وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية بالإنابة، أن الجهات الحكومية تؤثر عليها النظرة المجتمعية بأن المتقاعد عليه أن يستريح، ولذلك يجب أن تأتي المبادرة من المتقاعد نفسه. ووصف الحاي دور القطاع الخاص أنه «بسيط جداً» ويقتصر على تشغيل عدد محدود من المتقاعدين، ولا يقوم بدور في تقديم الخدمات، لافتاً إلى أن من ضمن المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص، قيامه بدور تجاه المتقاعدين عن طريق تقديم خدمات لهم. وطالبت فوزية طارش مديرة إدارة التنمية الأسرية في وزارة الشؤون الاجتماعية، والمسؤولة عن مبادرة “هب ريح” المعنية بتفعيل دور المتقاعدين، القطاع الخاص بأن يشارك في تفعيل دور المتقاعدين وتقديم خدمات وتسهيلات لهم من خلال بطاقة متقاعد تضم حزمة خدمات. وحول دور مؤسسات المجتمع المدني في المشاركة في حل المشكلات التي تواجه المتقاعدين وتفعيل دورهم، رأى ناجي الحاي وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية بالإنابة، أن المجتمع لا يفكر بشكل كاف في هذا الجانب، مشيراً إلى أنه توجد كيانات داخل المجتمع مثل جمعيات النفع العام تقوم باستقطاب هؤلاء المتقاعدين. ووصف الحاي جهود الاستفادة من طاقات المتقاعدين بأنها «قليلة»، بسبب ثقافة المجتمع التي تنعكس على المتقاعد نفسه التي ترى أن التقاعد يعني الراحة والسكون وعدم العمل. وقال الحاي: «هذه الثقافة بدأت تتغير، لكن بشكل بطيء، لأنه لم يتم استشعار الخطر في الفترة الماضية من مخاطر سكون المتقاعد، ولكن الآن لا بد من التدخل لتغيير هذه الثقافة». ووصفت فوزية طارش المشاركة المجتمعية لتفعيل دور المتقاعدين، بأنها «ضعيفة جداً»، عازية ذلك إلى عدم وجود من يستثمرهم، وأن جهود الجهات المعنية بالمتقاعدين «مبعثرة ومشتتة». متقاعدون: لماذا لا تكون لدينا جهة متخصصة لتفعيل دورنا؟ لكن هل نحن في حاجة إلى وجود جهة متخصصة لتفعيل دور المتقاعدين؟ بالتأكيد نعم، بحسب ما قال المتقاعد هاشم البيرق، الذي تمنى أن يكون هناك كيان خاص بالمتقاعدين، سواء نادياً أو جمعية أو حتى هيئة. في المقابل، رأى ناجي الحاي وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية بالإنابة، أننا بحاجة إلى برامج، «فنحن لا نحتاج إلى مظلة اتحادية بقدر ما نحتاج إلى تغير ثقافة المجتمع نفسه بأن المتقاعد طاقة كبيرة يمكن الاستفادة منها، وليس عليه أن يذهب بنفسه إلى زاوية النسيان». ورأت فوزية طارش مديرة إدارة التنمية الأسرية بوزارة الشؤون الاجتماعية، المسؤولة المباشرة عن مبادرة “ هب ريح” لتفعيل دور المتقاعدين، أن وجود هيئة أو جهة معنية بالاستفادة من خبرات المتقاعدين أمر نحتاج إليه. وقالت «هناك تزايد في أعداد المسنين في الدولة، وبالتالي عدد المتقاعدين، وتحديداً المحالين للتقاعد عند بلوغ سن الستين، وهو أمر يحتاج إلى نظرة مستقبلية طويلة المدى للتعامل معه، ففي حالة وجود هيئة سيكون لدينا “المتقاعد المنتج المشارك”». ووفقاً للإحصاء السكاني الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1993، فإن النسبة المئوية لعمر 60 سنة (سن التقاعد) في دولة الإمارات، سيكون 16,3% من إجمالي عدد السكان المواطنين، والمتوقع أن يصل إلى 2,641 مليون نسمة في عام 2015، لترتفع النسبة إلى 18,2% من إجمالي 2,827 مليون نسمة، بعد أن كانت نسبة من في سن التقاعد 4,2% في عام 1995، وهو ما يدلل على الارتفاع المستمر في معدلات التوقعات العمرية للحياة وبالتالي المتقاعدين. وأشارت إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن هناك زيادة في أعداد المتقاعدين والمسنين في الإمارات، حيث سيصل متوسط الأعمار في دولة الإمارات إلى 76,5 عام 2025. وشددت فوزية طارش على الحاجة إلى تأهيل وتدريب المتقاعدين على المستجدات في المجالات التي تجعلهم قادرين على المشاركة في المجتمع، مشيرة إلى أن ذلك يمكن أن يكون أهم أدوار هذه الهيئة. وأكدت ليلى الزرعوني مديرة دار رعاية المسنين بعجمان، أننا بحاجة إلى إنشاء جهة مستقلة تعنى بشؤون المتقاعدين وتتولى كل ما من شأنه توفير الدعم المجتمعي والوظيفي والاقتصادي لهم. واتفق مظفر الحاج مدير هيئة المعاشات والتأمينات الاجتماعية، مع الرأي المطالب بإنشاء كيان لتفعيل دور المتقاعدين، مشيراً إلى أنه مع مرور الوقت يتزايد عددهم ويتنامى دورهم. العائدون إلى العمل وقالت فوزية طارش «نحتاج إلى تركيز على المتقاعد القادر على العطاء»، مشيرة إلى وجود عدد كبير من المتقاعدين القادرين على العمل، خصوصاً في المرحلة العمرية من 45 إلى 55 سنة. ولكن ما هي نسبة الذين يعودون للوظيفة بعد التقاعد؟ هيئة المعاشات والتأمينات الاجتماعية أشارت إلى أنه لا يوجد لديها بيانات “دقيقة” في هذا الشأن، ولذلك كان المستند الوحيد للرد على هذا السؤال الدراسة التي أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية عن المتقاعدين. وتظهر هذه الدراسة، أن (14%) من أفراد عينة الدراسة هم «يعملون» بعد إحالتهم على التقاعد، وأن النسبة الباقية من أفراد عينة الدراسة من المتقاعدين الذين «لا يعملون». وكشفت الدراسة عن أن المتقاعدين الذين لا يعملون (45%) منهم يرغبون في العمل بعد التقاعد بطبيعة عملهم السابق نفسها، و(51%) يرغبون في العمل بأعمال تختلف عن عملهم السابق، و(4%) يرغبون في العمل بأي عمل يتاح لهم. حلول ومقترحات وطالب المتقاعد الدكتور إبراهيم بن طاهر بوضع خطة استراتيجية من قبل الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية والخاصة للاستفادة القصوى من هؤلاء المتقاعدين، خاصة من خبراتهم المتراكمة وإبداعاتهم. فيما طالبت فوزية طارش بوضع قاعدة بيانات «غير تقليدية» عن المتقاعدين على مستوى الدولة، تتضمن تحليلاً تفصيلياً وكاملاً عن هذه الفئة المجتمعية. وقالت طارش: «بعد وضع قاعدة البيانات يتم وضع خطة وطنية تضم جميع المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة، ويتم رصد احتياجات المتقاعدين ووضع خطة استراتيجية بمؤشرات معينة لتفعيل دورهم». واقترحت طارش أن تتم الاستفادة من خبرات المتقاعدين في مجالات عدة، منها العمل التطوعي، مفضّلة أن يتم صرف مكافآت لهم نظير تلك الخدمات، لتحقيق الهدف المطلوب وهو الاستفادة من خبرات هؤلاء المواطنين. وحثت مديرة التنمية الأسرية بوزارة الشؤون الاجتماعية على تكريم المتقاعدين الذين يعاودون العمل مرة أخرى، لتحفيز الآخرين على العودة للعطاء. وأوصت دراسة الشؤون الاجتماعية بإنشاء جمعيات لرعاية المتقاعدين والاستماع لآرائهم وتوفير بعض الامتيازات والعروض الخاصة بهم، بالتعاون من الجمعيات الاستهلاكية والهيئات الخدمية المختلفة والمراكز الطبية، وغيرها من الخدمات. وأكدت التوصيات الصادرة عن الدراسة، أهمية إنشاء نوادٍ خاصة بالمتقاعدين، تنظم لهم فعاليات وأنشطة ثقافية ورياضية وترفيهية، وغيرها، للمحافظة على صحتهم النفسانية والذهنية والجسدية. كما أوصت الدراسة بإنشاء جمعيات تضم أصدقاء للمتقاعدين من إدارات ومؤسسات، سواء كانت حكومية أو محلية أو خاصة، تطرح ما لديها من عروض وبرامج تُشرك بها المتقاعدين بشكل إيجابي في فعاليات ومشاريع مجتمعية، والاستفادة من خبراتهم وتفعيل دورهم المجتمعي وإتاحة فرص عمل لمن يرغب منهم في الاستمرار بمجالات العمل المختلفة. إمكانية الاستفادة من خبراتهم؟ وعن أهم المجالات الأخرى التي يمكن أن يستفاد من خبرات المتقاعدين فيها، أكد المتقاعد الدكتور إبراهيم بن طاهر أن هناك شريحة من المتقاعدين يمكن الاستفادة منهم في العمل، وتحديداً الذين تقاعدوا مبكراً. وشدد على أن خبرات المتقاعدين تحتاج إليها العديد من الجهات، حيث يمكن أن يعملوا مستشارين أو العمل الجزئي. واقترح مظفر الحاج أن تكون الشريحة العمرية التي يمكن أن تعاود العمل مرة أخرى، هي الواقعة بين 45 و55 سنة، مشيراً إلى أنه يمكن أن يعينوا في وظائف استشارية. وأشارت فوزية طارش إلى أنه يوجد الكثير من المجالات، مثل برامج التوعية وتفعيل مجالس الأحياء والتربية والتعليم والعمل الخيري. وبين ناجي الحاي أنه يمكن للمتقاعد أن يستثمر طاقاته في مجالات أخرى، مثل استكمال التعليم والتعرف إلى العالم من خلال السفر والعمل التطوعي. وشدد الحاي على أن المحاضرات ليست كافية لتوعية المجتمع بأهمية ودور المتقاعدين، مشيراً إلى ضرورة تأهيل وتدريب المتقاعدين أنفسهم على استغلال طاقاتهم. وأكد الحاي أهمية الحاجة إلى دورات تأهيل للصحة النفسانية للمتقاعدين. وأوصت دراسة وزارة الشؤون الاجتماعية بتصميم برنامج وطني لتشجيع الشيخوخة المنتجة والعمل على توفير الفرص والمشروعات الفردية التي تدعمها المؤسسات لمصلحة المتقاعدين. وشددت على أهمية وجود أنشطة لتوفير حياة وظيفية ثانية لهم وإيجاد الوظائف على أساس عدم التفرغ التام، منها مجالات العمل كمدربين، ومدرسين، ومتطوعين. وأكدت الدراسة أن الاهتمام بهم في هذا الجانب له فوائد اقتصادية وأمنية تعود بالنفع على المجتمع، مشيرة إلى أن الاهتمام بالمتقاعدين يعزز الولاء والانتماء الوظيفي في المؤسسات ذاتها والمجتمع ككل، حتى لا يشعر الإنسان بأنه مجرد آلة تنتهي مدتها بانتهاء مفعولها وعملها. متطلبات التفعيل أما الاحتياجات التي يجب توفيرها للمتقاعدين حتى يتسنى الاستفادة منهم، فاقترحت ليلى الزرعوني أن يكون في كل مؤسسة وجهة على مستوى الدولة. وقالت إن “إنشاء إدارات وأقسام للمتقاعدين في مختلف المؤسسات والأجهزة التي ترعى حقوقهم وتنظم برامجهم وتقدم مختلف الخدمات لهم، وتكون بمثابة وسيلة الاتصال ما بين الإدارة أو المؤسسة والمتقاعدين، دليل على أهمية هذه الفئة واستمرار اتصالهم بالمجتمع ككل”. وأوضحت أن هذا القسم أو الإدارة يكون معنياً أيضاً بتقديم مكافآت وحوافز للمتقاعدين الذين يستفاد من خبراتهم وأن يمنحوا حرية في الدوام ويعملوا لبعض الوقت في حالة العودة للعمل. وطالبت الزرعوني أن تعامل كل جهة متقاعديها معاملة خاصة، وتتواصل معهم وتستفيد من خبراتهم، ليحصل نوع من تواصل الأجيال والدمج بين الخبرة والشباب، مؤكدة أن المتقاعدين بخبرتهم يمثلون جسراً تعبر عليه الأجيال الجديدة من الموظفين لتحقيق الارتقاء بالأداء. هجران العودة وعن أسباب عدم عودته إلى العمل مرة أخرى، اعتبر المتقاعد هاشم البيرق أن هناك نوعاً من التضييق القانوني على المتقاعدين من قبل هيئة “المعاشات”، حيث تمنع الهيئة عودة المتقاعد إلى العمل بشكل غير مباشر، من خلال عدم السماح بالجمع بين راتبين. ودعا البيرق إلى تعديل قانون المعاشات ليفتح الفرصة للعمل مرة أخرى مع استمرار حصوله على الراتب التقاعدي. ورأى البيرق أن هناك نوعاً من العزوف لدى بعض المسؤولين عن عودة المتقاعد مرة أخرى للعمل، لاعتقادهم أنه غير قادر على العطاء، واصفاً هذه النظرة بـ “الخاطئة”. وقال البيرق: «يجب أن ننظر إلى المتقاعد على أنه كان ولا يزال صاحب عطاء، وأيضاً لا بد أن ننظر لهذه الفئة أن عليها التزامات هي الالتزامات نفسها الموجودة لدى الآخرين، بما في ذلك الغلاء وارتفاع الأسعار». ولكن هل إذا أتيح للمتقاعد فرصة للعمل مرة أخرى سيلتحق بها؟، رحب هاشم البيرق مشترطاً تقدير خبرات وإمكانات المتقاعد. ووجه البيرق كلمة إلى زملائه المتقاعدين بقوله: «لا تمت وأنت قاعداً، استمر بالعطاء وخدمة الوطن، واكب العصر، فالمتقاعد انتماء، أثبت ذاتك في وطنك”. ولكن هل يندم المتقاعد مبكراً على تركه للعمل، يجيب هاشم البيرق: «نادم وغير نادم، نادم بسبب الناحية المادية، حيث أحصل على 70% من راتب حساب الاشتراك، ويخصم مني بعض البدلات مثل بدل المواصلات». وأضاف: «وفي المقابل غير نادم، لأني ما زلت أعطي وأخدم الوطن والمجتمع ونفسي». وأكدت المتقاعدة فاطمة المغني أنها لن توافق على العودة للعمل الوظيفي مرة أخرى، مشيرة إلى أنها تمتلك وتدير شركة خاصة تستحوذ على جانب من وقتها. آثار نفسانية للتقاعد أهمها الانزواء الاجتماعي لفتت المتقاعدة فاطمة المغني إلى أن بعض زملائها أصيبوا بعد تقاعدهم بما يطلق عليه “الانزواء المجتمعي”، وهو ما أكده الدكتور محمد المطوع، وهو أستاذ علم اجتماع متقاعد، موضحاً أن الانزواء أو الانطواء والبعد عن المجتمع يرجع لطبيعة الشخص نفسه، فإذا قرر المرء ألا يجعل التقاعد «مقبرة» له، واصل العطاء. وزاد: «بعض المتقاعدين يجعل التقاعد بمثابة “الموت البطيء”، لأنه لم يضع برنامجاً له يشغل حياته ويمتعه بحياته بعد ترك العمل». وأكد أن الغربيين بعد التقاعد يبدأون حياة جميلة ويستمعون بكل أوقاتهم. وأشار المطوع إلى أن وجود وقت فراغ طويل لدى بعض المتقاعدين يحدث تغيراً نفسانياً، وهذا يكون خطراً على حياة المتقاعد وأسرته. ونبه المطوع، الذي سينضم إلى الهيئة التدريسية في إحدى الجامعات قريباً، إلى أن الانعزال المجتمعي يكون بداية لكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسانية للمتقاعد وأسرته. ويشير المطوع، إلى أنه لا توجد دراسات ميدانية أو بحثية ترصد نسبة الانزواء المجتمعي بين صفوف المتقاعدين وأسبابها، منوهاً بأن هناك نوعاً من الانعزال يحدث لحالات فردية وليس ظاهرة. ويرجع قلة حالات الانزواء في الإمارات، إلى أن المجتمع الإماراتي ما زال متماسكاً وتغلب عليه سمة «العائلة الممتدة» التي تجعل للمتقاعد أصدقاء وأسرة كبيرة وأبناء وتجعله يعيش في كنف المجتمع. وأكدت فوزية طارش مديرة إدارة التنمية الأسرية بوزارة الشؤون الاجتماعية أن إشغال وقت المتقاعد يقيه من الأمراض، خاصة الاكتئاب والأمراض المزمنة، ويقلل الخلافات الأسرية. وحول أهم التغيرات التي قد تطرأ على الصحة النفسانية للمتقاعد بعد ترك العمل، ذكر الدكتور عادل الكراني استشاري طب نفساني بمستشفى راشد التابع لهيئة الصحة بدبي، رئيس اتحاد الأطباء النفسانيين العرب، أن الدراسات العلمية اختلفت في نتائجها، فبعضها ربط التدهور في الصحة النفسانية مع التقاعد، ودراسات أخرى أكدت أن الصحة النفسانية للذين أعمارهم فوق الستين قد تتحسن بعد التقاعد. وعزا الباحثون هذا التباين إلى أن الدراسات لم تفرق بين التقاعد الطبيعي المرتبط بالعمر، والتقاعد المبكر أو “القصري”، كما لم تفرق بين المتقاعدين ذوي الدرجات العالية والدخل المرتفع، وأولئك الذين يتقاعدون بدرجات متدنية ينتج عنها دخل منخفض. وأشار الكراني أيضاً إلى أن وجود فارق بين التقاعد من الأعمال التي ترتبط بضغوطات نفسانية كبيرة، والأعمال الأكثر راحة. وبالنسبة لأكثر الأمراض النفسانية انتشاراً بين المتقاعدين ونسب الإصابة بها، قال الدكتور عادل الكراني إن «أكثر الدراسات تشاؤماً أظهرت أن المتقاعدين الذين لا يملأون أوقات فراغهم بأي عمل أو ممارسة الرياضة أو هوايات، تزيد نسبة الاضطرابات النفسانية لديهم بمعدل 6 إلى 9%». وأضاف: «يرتبط هذا التدهور، وفقاً للدراسات، بفقدان الدعم الاجتماعي والأصدقاء والتوقف عن النشاطات المعرفية بعد التقاعد من العمل». وأشار إلى أن من صور هذه الاضطرابات - إن وجدت - اضطرابات التأقلم والاكتئاب والقلق. ورأى الدكتور الكراني أن المعدل العام للإصابة بهذه الاضطرابات لا يتغير مقارنة ببقية فئات المجتمع، وتكون نسب الإصابة كما هي نسب الإصابة بهذه الأمراض في المجتمع من 5 إلى 10%. وأكد الكراني ضرورة التفريق بين الحالات النفسانية المصاحبة للتقاعد والحالات النفسانية المصاحبة للزيادة في العمر. وحول الحلول والمقترحات الواجب الأخذ بها لتفادي إصابة المتقاعد بأي اضطراب نفساني أو ضمان عدم حصول تغير سلبي على حالته النفسانية، أكد الدكتور عادل الكراني أن أهم شيء الجاهزية للتقاعد، ناصحاً الأشخاص الذين تقترب أعمارهم من سن التقاعد بالبدء في عمل خطة تقاعدية محكمة، ومنها الاستمرار في العمل الجزئي إن سنحت لهم الفرصة. ولفت الكراني إلى ضرورة ممارسة الهوايات والحفاظ على الدائرة الاجتماعية والاستثمار المادي وتنظيم مصروفاته حسب مداخيله التي ستتغير قريباً، وعادة تكون أقل من معدلاتها. وأشار إلى أنه كلما استعد مبكراً لنتائج التقاعد كلما كانت حظوظه أكبر في تفادي سلبيات التقاعد.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©