الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الرغاية» الجزائرية تستعيد حقها في الحياة والفرح

«الرغاية» الجزائرية تستعيد حقها في الحياة والفرح
30 يونيو 2009 21:16
لا يمكن لأي زائر لمدينة «الرغاية»، 30 كيلومتراً شرق الجزائر العاصمة، إلا أن يستحضر تلك الصور الرهيبة التي خلفها زلزال 21 مايو 2003 ورآها عن كثب أو تابعها في التلفزيون الجزائري ومختلف فضائيات العالم؛ فقد أنزل الزلزال الخرابَ بالمدينة وأحدث أضراراً كبيرة بعماراتها وأبنيتها وكذا بنفسيات 120 ألفا من سكانها. موعد مع الموت في ذلك اليوم، آوى عددٌ كبيرٌ من السكان إلى بيوتهم لمشاهدة نهائي كأس رابطة الأبطال الأوروبية التي يعشقها الجزائريون ويتابعونها كثيراً، وحينما اقتربت ساعة المباراة المقررة على الساعة السابعة مساءً بتوقيت الجزائر، العاشرة ليلاً بتوقيت الإمارات، بدأت الشوارع تخلو من المارة والحركة تقلّْ، ولم يكن أمام العمارات سوى عدد من الأطفال يلعبون، وشيوخ ينتظرون غروب الشمس بعد نحو نصف ساعة للتحرك صوب مسجد المدينة لأداء صلاة المغرب. كان الجميع منهمكاً في متابعة المباراة، قبل أن تحدث مفاجأة مدوِّية في حدود الساعة السابعة و47 دقيقة؛ حيث بدأت الأرضُ تهتز، وبعد ثوان قليلة اشتدَّت الراجفة، فأدرك الجميع أنه الزلزال، وتعالت الصرخات والأصوات وأخذ الجميع يجرون إلى الأبواب وسلالم العمارات بغية الخروج ولسان حال كل واحد منهم: نفسي، نفسي. وكنَّا حينها في مقهى شعبي رفقة بعض الأصدقاء نرتشف الشاي، فهرعنا بسرعة إلى الخارج وأمسكنا بجذع شجرة صغيرة كانت تنتفض بدورها من هول الزلزال، وشاهدنا بأمِّ أعيننا كيف سقط محل صغير للتصوير الفوتوغرافي على طفلين صغيرين كانا قربه يبيعان الخبز، وتابعنا الزلزال على المباشر ولحظات الهلع الشعبي وكيف تصاعد الرعب وبلغت القلوبُ الحناجر. وبعد ثوان عديدة خلناها ساعات، توقفت حركة الأرض، وأسرع جمعٌ من الناس لنجدة الطفلين الجريحين وإرسالهما إلى المستشفى، وبعد دقائق تبعتها هزة أرضية ارتدادية ومررنا أيضاً بلحظات عصيبة، ثم سكنت الأرضُ مجدداً، ثم سمعنا صراخاً متعالياً من كل الأنحاء تعلن سقوط «الديس»، و«الديس» وهي عمارة ضخمة من عشرة طوابق تقع في قلب الرغاية. هرعنا إلى المكان لنقف مذهولين على المنظر؛ فالعمارة سقطت في رمشة عين على 100 عائلة تقطن طوابقَها العشرة ودفنتها تحت الأنقاض. حديث الأنقاض فوراً بدأت جهود الإنقاذ وهبَّ سكان «الرغاية» يرفعون الأنقاض والحزنُ يعتصر القلوب من هول المصيبة، وعرفنا لحظتها أن حجم الكارثة كبير لأن أغلب قاطني العمارة كانوا داخلها يتابعون المباراة الرياضية، ما يعني أن حوالي 700 شخص على الأقل هم الآن تحت أطنان أنقاض العمارة المتهاوية، عاجزون عن الحركة، وأن الذين لا يزالون على قيد الحياة منهم، لا يملكون إلا انتظار جهود الإنقاذ عسى أن «يعودوا من الموت» ويُكتب لهم عمرٌ جديد. وتواصلت طيلة الليل جهودُ المواطنين وكذا إسعافات الدولة، وتمكَّنتْ من إنقاذ بعض سكان الطابق العلوي المجروحين، بينما تضاءلت الآمال في العثور على أحياء بالنظر إلى بطء عملية رفع أطنان الأنقاض. وعلمنا حينها من الإذاعة الجزائرية أن الزلزال بلغت قوته 6.8 درجة على سلمِّ ريختر وأن مركزه منطقة زموري، 59 كلم شرق الجزائر العاصمة، وأنه أحدث خراباً كبيراً بالمناطق المجاورة وبخاصة القريبة من مركزه، وأن عدد القتلى وفق الحصيلة الأولية، يُعدُّون بالمئات. وبعد أيام استقرت الحصيلة في حدود 2600 قتيل، ومنهم أكثر من 600 من سكان العمارة رقم 10 بالرغاية، فضلاً عن الآلاف من الجرحى. كنا نقضي ليالينا خارج البيوت طبعاً لأن الهزات الزلزالية الارتدادية لم تتوقف أبداً لأسابيع عديدة، وكانت عنيفة بدورها، وقد أحدثت تصدعاتٍ وتشققات بالكثير من العمارات والبيوت، بل إن إحدى الهزات أسقطت، بعد أسبوع، عمارة أخرى من 15 طابقاً، ومن حسن الحظ أن سكانها كانوا خارجها بسبب الأضرار الشديدة التي ألحقها بها زلزال 21 مايو، حيث كانت معرضة للسقوط في أية لحظة وهو ما حدث فعلاً، ومع ذلك قُتل داخلها 4 إلى 5 شبان كانوا يُخرِجون بعض المتاع والفراش لأهاليهم لقضاء ليال أطول في الهواء الطلق. السيطرة على الموقف بعد أيام، بدأت السلطات تتحكم في الوضع ورحَّلت العائلات إلى خيمٍ مؤقتة وشرعت في بناء «شاليهات» لهم في انتظار ترحيلهم إلى سكنات أخرى قيد الإنجاز. وبعد سنوات، تم ترحيل مئات العائلات التي تضررت بيوتها إلى سكنات أخرى، وقامت السلطات ببناء ملاعب رياضية صغيرة لكرة اليد والسلة والقدم في مكان العمارة رقم 15، بينما تركت مكان العمارة 10 فارغاً وأضافته إلى الساحة العامة وجهزتها بأماكن للاستراحة ولعب للأطفال. واليوم وقد مرت ست سنوات على الذكرى المؤلمة، فإن سكان «الرغاية» بدأوا يتأقلمون مع حياتهم الجديدة ويتجاوزون أحزانهم ويتركون مساحاتٍ أكبر للفرح ومباهج الحياة في قلوبهم؛ الملاعب المُشيَّدة في مكان العمارة 15 تحظى بمتابعة «جمهور غفير» لمبارياتها، والساحة العامة قرب العمارة 10 المنهارة تجلب إليها بدورها الكثير من العائلات والشباب والكبار، بعضهم يأوي إليها للجلوس وتأمُّل حركة الناس، وآخرون لمراقبة أطفالهم وهم يلعبون، ولم يعد زلزال 21 مايو 2003 سوى ذكرى تُستحضر للترحم على الضحايا واستخلاص العبر منه. إحياء الذكرى في 21 مايو الماضي أحيى السكان الذكرى بخشوع وتألم وقرأوا الفاتحة على أرواح شهداء الزلزال أمام النصب التذكاري الصغير الذي أقيم في مدخل الساحة، ثم انصرفوا بعدها إلى حياتهم اليومية. ويقول أحد الذين عايشوا هول المأساة قبل 6 سنوات «الذكرى مؤلمة وتذكِّرنا بالأحبة الذين فقدناهم واللحظات العصيبة التي عشناها حيث زُلزلنا زلزالاً عظيماً، ولكن قدَّر الله وما شاء فعل ويجب أن نرضى بقضاء الله ونصبر عليه، والحياة يجب أن تستمر».
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©