الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة أوكرانيا.. والاستثمار في روسيا

أزمة أوكرانيا.. والاستثمار في روسيا
11 مارس 2014 00:26
يتصاعد احتدام الأزمة الأوكرانية بعد أن وافق برلمان شبه جزيرة القرم على الانضمام إلى روسيا، في الوقت الذي يناقش فيه زعماء الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات محتملة على روسيا. ولكن ماذا سيقع لو لم يكن الاستيلاء الروسي المحتمل على أراض، بل على حقول غاز تابعة لشركة إكسون موبيل النفطية أو مصانع تابعة لشركة فولكسفاجن للسيارات مثلاً؟ والراهن أن مجلس الاتحاد وهو الغرفة العليا في البرلمان الروسي يبحث مسودة مجموعة من الإجراءات قد تسمح بمصادرة عقارات وأصول تابعة لشركات أميركية وأوروبية في حال فرض عقوبات على روسيا. وفي هذه المرحلة المبكرة من غير المحتمل أن تصبح مثل هذه الإجراءات سياسة رسمية قيد التنفيذ بالفعل. ولكن يتعين أيضاً أن ينظر إليها باعتبارها مسألة بالغة الحساسية والأهمية. ويظهر زعماء روسيا أمام الغرب أنهم يمتلكون القدرة على إلحاق الضرر بالآخرين أيضاً كرد فعل محتمل على أي عقوبات قد تفرض عليهم في المستقبل. وبهذا ربما يأملون في أن تكثف الشركات الأميركية والأوروبية التي لها مصالح اقتصادية كبيرة في روسيا ضغطها للمساعدة في تخفيف حدة أي عمل قد يتخذ ضد روسيا. وعلى رغم هذا فالسؤال مطروح عما إذا ما كانت روسيا ستكون قادرة على توجيه تهديد يعتد به بمصادرة أصول أجنبية باعتبارها سلاحاً ضد الغرب. ومن أجل تقييم ما إذا كان يمكن استخدام سلاح كهذا بحال من الأحوال، فمن الضروري الإجابة على ثلاثة أسئلة مرتبطة ببعضها بعضاً. أولاً، ما حجم الدور التي يلعبه المستثمرون الأجانب حالياً في الاقتصاد الروسي؟ ثانياً، هل يكتسي وجودهم أهمية في تطوير الصناعات الروسية الأساسية؟ وأخيراً، في المقابل، ما التأثيرات المحتملة لأي عمليات مصادرة لأصول أجنبية في روسيا؟ على امتداد العقدين الماضيين تصاعد الحضور الأجنبي في الاقتصاد الروسي من لا شيء في واقع الحال. وبعد ما يقرب من عقد من الركود الاقتصادي في فترة تسعينيات القرن الماضي جذب النمو القوي وارتفاع مستوى دخول استثمارات أجنبية في قطاعات واسعة من الاقتصاد. ومن بين المستثمرين الكبار شركات مثل «إكسون موبيل» «وبريتش بتروليوم»، و«شتات أويل» وجميعها نشطة في صناعة النفط الروسية المهمة استراتيجياً. ولكن المستثمرين الأجانب ليسوا أيضاً حاضرين في صناعة الطاقة وحدها. فشركات مثل «فولكسفاجن» و«جنرال موتورز» و«رينو» من بين الشركات الأجنبية التي تنتج سيارات في روسيا وهي أكبر سوق سيارات في أوروبا. وهناك شركات أصغر تشارك أيضاً في خدمات الأعمال مثل خدمات المحاسبة والاستشارات القانونية والتصنيع وقطاعات أخرى. وإن كان القسط الأجنبي من الاستثمارات في الاقتصاد الروسي ليس أيضاً بنفس الحجم الكبير كما هي الحال في كثير من دول وسط وشرق أوروبا ذات الاقتصاد الأصغر. ولكن المساهمة الأجنبية في روسيا تقارن بالكثير من الاقتصادات الكبيرة الأخرى ذات التعداد السكاني الكبير مثل البرازيل والهند. ويأتي أقل بقليل من ثلثي الاستثمارات الأجنبية في روسيا من الدول الأوروبية، وألمانيا وفرنسا من بين أكبرها. وعلى رغم أن دور الاستثمارات الأميركية في روسيا ظل منخفضاً في معظم الفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي فإن هذا الدور تزايد بسرعة في السنوات القليلة الماضية، وقد أصبحت الولايات المتحدة هي أكبر مستثمر أجنبي في روسيا في عامي 2011 و2012. والمستثمرون الأجانب يجلبون المعرفة التي لا تستطيع روسيا إنتاجها بنفسها فيما يتعلق بكيفية إدارة الشركات والتكنولوجيا. ولنأخذ قطاع السيارات على سبيل المثال، فهو يمثل 21 في المئة من مشروعات الاستثمار الأجنبية ويخلق أكثر من ثلث الوظائف. وقد نقل المستثمرون الأجانب معهم أيضاً التكنولوجيا الحيوية في صناعات الكيماويات والطيران. وفي صناعة الطاقة، تعتبر التكنولوجيا والمعرفة الأجنبية حيوية لاستكشاف حقول النفط والغاز التي تقع على عمق بعيد في المحيط المتجمد الشمالي أو تحت الجليد الدائم في شرق سيبيريا. وهذا رهان مهم بشكل خاص في وقت تنضب فيه حقول النفط الأقدم في غرب سيبيريا والحوض الأدنى من الفولجا. ودون مشاركة شركات مثل «إكسون موبيل» و«بريتش بتروليوم» و«شتات أويل» و«توتال» في استكشاف المخزونات التي تتطلب جهداً جيولوجياً كبيراً لاكتشافها فقد تتراجع تدفقات عائدات الطاقة في المستقبل وهي ما يبقي النظام السياسي الذي أقامة الرئيس بوتين صامداً. وبينما تلعب الشركات الأجنبية مثل هذا الدور المحوري في روسيا فإن أي شيء قد يقلص الاستثمار سيكون مدمراً للغاية للاقتصاد الروسي. وبدون التكنولوجيا والخبرة فمن المرجح أن تفشل جهود التحديث. ومجرد وضع أي أساس قانوني لمصادرة أصول أجنبية، سواء على أساس كونه رد فعل للتطورات على المستوى العالمي أو بسبب صراعات سياسية داخلية، سيعتبر مؤشراً يثير قلق الشركات الأجنبية بشكل كبير. ومثل هذا التطور من المرجح جداً أن يجعل رأس المال الأجنبي والروسي يفران من البلاد. وفي ظل هذه الظروف سيكون من الصعب الحفاظ على معدل إنتاج الطاقة الحالي ناهيك عن زيادة هذا الإنتاج. وسيتقلص الاستثمار وهو أساسي لعملية التحول الهيكلي طويلة الأمد. وبذلك ينهار أي أمل لروسيا في الحصول على القدرات الإنتاجية المتقدمة تكنولوجياً التي تدعم ما تراه في نفسها من كونها قوة عظمى. وعلى رغم أنه من الممكن دوماً أن تقود السياسة الداخلية إلى تبني تشريع غير مثمر، فإن الدمار الاقتصادي الهائل الذي قد يلحق بالبلاد سيجبر بالتأكيد القيادة الروسية على التفكير طويلاً وبتمعن أكبر قبل اتباع هذا النهج الذي قد يعود عليها بأضرار أكثر مما سيعود عليه بمنافع. ‎ريتشارد كونولي أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة برمنجهام البريطانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©