الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائر تستنفر جهودها لمكافحة تهريب المخدرات وإنقاذ شبابها من الإدمان

الجزائر تستنفر جهودها لمكافحة تهريب المخدرات وإنقاذ شبابها من الإدمان
17 ابريل 2010 21:27
أخذ تهريب واستهلاك المخدرات بالجزائر أبعاداً خطيرة في السنوات الأخيرة، حيث تضاعف بشكل ملفت وأضحى يشكل عاملاً مهدِّدا للنسيج الاجتماعي ولكيان الدولة، وعلى الرغم من كل الجهود التي تبذلها السلطات الأمنية لمكافحة الآفة إلا أنها لم تنجح في تحجيمها، بل بالعكس فهي آخذة في الاتساع بمرور الوقت. كشفت إحصائيات حديثة نشرها الديوان الجزائري لمكافحة المخدِّرات أن تهريب هذه السموم، تضاعف بعشرات المرات في السنوات القليلة الماضية مقارنة بفترة التسعينات؛ إذ لم تتعدَّ الكمية التي ضبطتها مصالح الأمن والدرك في عام 1992 طناً واحداً، ما يعني أن الكميات المهربة لم تكن كبيرة. أرقام مخيفة في بداية الألفية الجديدة بدأت الكميات المحجوزة تتضاعف عن فترة التسعينات؛ إذ بلغت 6 أطنان في سنة 2006؛ أي أنها تضاعفت بنسبة 600 بالمائة عن عام 1992، ثم بلغت 18 طناً في عام 2003، قبل أن تنتقل في 2008 إلى 38 طناً، وفي عام 2009 بلغت مستوى قياسياً بحجز 74 طناً؛ أي أنها تضاعفت بـ74 مرة مقارنة بعام 1992، والمخيف في الأمر أن الكميات غير المحجوزة التي تسربت إلى السوق ووصلت إلى المستهلكين قد تكون ضِعف الكمِّيات المحجوزة. ولعل هذه الأرقام المهولة تعدّ مؤشراً واضحاً على مدى تفاقم هذه الآفة الخطيرة في الجزائر، سواءً تعلق الأمرُ بالتهريب أو الاستهلاك، حيث كلما ازداد حجم التهريب تضاعف حجم الاستهلاك وبلغ الخطرُ الاجتماعي أقصاه بزيادة عدد المدمنين الذين يشكِّلون متاعب جمَّة للمجتمع والسلطات، حيث أكدت الوقائع والدلائل، ومنها سجلاَّت المحاكم المحلية، أن تفشي الجريمة بمختلف مظاهرها وأنواعها في الجزائر مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بتفشي استهلاك المخدرات وإدمانها. وهو ما يقود إلى طرح سؤال كبير وهو: ما هي أسباب هذا الانتشار المذهل للتهريب والاستهلاك معاً؟ أسباب عديدة عادة ما يجيب المختصون الاجتماعيون في مختلف الندوات والمؤتمرات التي تُعقد لدراسة هذه المعضلة وتشخيص أسبابها واقتراح الحلول لها بأن الأسباب العامة تتمثل في ضعف الوازع الديني وتفشي الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي للشباب الذي يشكِّل نسبة 80 بالمائة من المستهلكين لهذه السموم، وكذا الآثار النفسية للإرهاب الذي ضرب الجزائر بقوة في التسعينات وخلَّف قرابة 200 ألف قتيل، وتُضاف إليها أسبابٌ أخرى كالطلاق والتفكك الأسري وتشرُّد الأبناء، ما يسهِّل التغرير بهم وتزيين المخدرات لهم على أساس أنها «تساعدهم على نسيان همومهم». يقدم عبد المالك السايح مدير ديوان مكافحة المخدرات مقاربة أخرى لأسباب الانتشار ويوعزها إلى نجاح أوروبا في إحكام الخناق على المهرِّبين للقنب الهندي الذي يُنتج 60 بالمائة منه في أرياف المغرب، وكانت كمياتٌ كبيرة منه تُهرَّب إليها عبر البحر المتوسط، وحينما نجحت مختلفُ الدول الأوروبية في مكافحة الآفة وغلق المنافذ أمامهم، فضلاً عن تحوُّل المستهلكين الأوروبيين إلى الكوكايين وعزوفهم عن القنب الهندي، فحوَّل المهرِّبون نشاطاتهم إلى الجزائر لتصبح مركز استهلاك واسع بعد أن كانت مركز عبور للقنب المهرَّب من المغرب. ويُعد القنب الهندي هو المخدِّر الأول الذي يستهلكه المدمنون في الجزائر، ويطلقون عليه عدة أسماء أشهرها «الكيف» و»الشيرة» والزطلة» وهو يُلف في أوراق سجائر رقيقة ويُدخن. وتضاف إليه أيضاً المؤثراتُ العقلية حيث كشفت إحصائيات الديوان ضبط 90630 قرصاً في عام 2009، ما يعني تورُّط بعض الأطباء والصيادلة في التسويق غير القانوني لهذه المواد المخدرة الموجهة لمعالجة المرضى عقلياً. ويستعمل المهربون الجزائريون حيلاً عديدة لتهريب القنب الهندي، من المغرب إلى الجزائر عبر الحدود الواسعة بين البلدين بالاستعانة بالمهربين المغاربة. وتجد قوات حرس الحدود والأمن الجزائرية صعوبات كبيرة في مكافحة التهريب وضبط هؤلاء المهربين بالرغم من غلق الحدود مع المغرب في أغسطس من عام 1994، حيث عادة ما يسلك هؤلاء مسالك وعرة في الجبال مستعينين ببعض الحيوانات لنقل سمومهم وتبادلها. ويبدو أن غياب التنسيق الأمني بين البلدين قد حدَّ من فعالية إجراءاتهما الانفرادية لمكافحة تهريب القنب الهندي الذي يجني منه المهربون ثروات خيالية على حساب استقرار المجتمع وصحة آلاف الضحايا من الشباب. جهودٌ كبيرة وتدرك السلطات الجزائرية مدى حجم الخطر الذي يشكِّله تفشي هذه الآفة، وهي لا تدخر جهداً لمكافحتها وتحجيمها وتحاول إشراك المجتمع في ذلك عبر الاستعانة بالآباء لمراقبة أبنائهم ولاسيما بعد أن اتضح من خلال دراسات محدودة في عدد من متوسطات وثانويات الجزائر العاصمة أن ما لا يقل عن 35 بالمائة من التلاميذ تناولوا المخدرات بأصنافها ولو مرة واحدة من باب الاكتشاف وأن عُشُر هؤلاء مدمنون، كما تستعين السلطات بالجمعيات الأهلية والأئمة ووسائل الإعلام العمومية والخاصة، للقيام بحملات توعية وتنبيه مستمرة إلى أخطار المخدرات على الصحة والمجتمع والتنبيه إلى تحريمها ومنافاتها للدين، كما تقوم مصالح الأمن المختلفة بجهود متواصلة للتصدي للآفة، سواءً على الحدود أو في الداخل من خلال مداهمة أوكار الباعة المروِّجين لها والقبض عليهم وتحويلهم إلى العدالة التي تنزل عليهم أحكاماً طويلة بالسجن تتضاعف في حال التكرار. أما المدمنون الضحايا فعادة ما تكتفي بعقوبات خفيفة بحقهم وتحويلهم إلى مراكز مكافحة الإدمان لمعالجتهم. ويبدو أن كثرة المدمنين في السنوات الأخيرة واتساع نطاق تهريب واستهلاك المخدرات بالجزائر قد جعل أقسام معالجة الإدمان القليلة المتوافرة بالمستشفيات العمومية عاجزة عن استقبالهم كلهم، مما دفع السلطات إلى الإعلان مؤخراً عن مشروع لإقامة 15 مصحَّة جديدة لمكافحة الإدمان في مختلف أنحاء البلد، إضافة إلى 83 خلية استماع وتوجيه يشرف عليها نفسانيون. إلا أن الحل الجذري يكمن في مكافحة الآفة من جذورها وتحجيمها ونجاح حملات التوعية في إقناع الشبان بالامتناع الطوعي عن تناولها، وهو ما يتطلب جهوداً جبارة تشارك فيها مختلف فعاليات المجتمع لفترةٍ طويلة من الوقت.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©