الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كريم سهر: الإسقاط «حيلة» لتبرير الفشل

كريم سهر: الإسقاط «حيلة» لتبرير الفشل
17 ابريل 2010 21:43
الإسقاط هو حيلة من الحيل الدفاعية، يلجأ إليها الفرد للتخلص من تأثير التوتر الناشئ في داخله، وهو عملية نقل، يدرك الفرد خلالها دوافعه وعيوبه وأخطاءه، وصفاته المعيبة في الغير بقصد وقاية نفسه من القلق الذي ينشأ من إدراكها في نفسه، حيث ينكر وجود النواقص في نفسه وقد ظهرت كلمة إسقاط لأول مرة في علم النفس عام 1894 عندما كتب فرويد مقالةً له عن عصاب القلق، ومنذ ذلك الحين اتسع استخدامها ليشمل العديد من ألوان السلوك. هناك الكثير من البشر تداهمه نوبة انفعال شديد سببها ردود أفعال غير مسيطر عليها تحتقن في النفس لحين من الزمن، وانفجرت كتلة واحدة أمام أقرب الناس مشحوناً بانفعالات سببها له شخص ما، وتلقى منه التعنيف أو الكلمات الجارحة أو التوبيخ، وظلت هذه الانفعالات تشحن في داخله لحين وصوله إلى بيته أو إلى عيادة العلاج، حيث ينفجر ويسقط مشاعر التعنيف والاحتقان الشديدة بوجه الناس، وهو النصر الأضعف في دائرة حياته، وهكذا نجد أن هذه الآلية الدفاعية «الميكانزم» لها أثرها في حياتنا وهي حيلة دفاعية، هذا ما يقوله الدكتور كريم سهر، استشاري الصحة النفسية والباراسيكولوجي، رئيس المعهد الكندي للعلوم الصحية بتورنتو، وهو سيناتور ووزير مفوض في البرلمان العالمي للأمن والسلام، نائب الرئيس والمسجل العام بجامعة وستن ريزيرف بفانكوفر، وعميد دراسات العلوم الصحية في الشرق الأوسط، كلية لندن للدراسات العليا بالمملكة المتحدة، حيث أصدر عدة كتب منها كتاب هندسة المشاعر الإنسانية، وكتاب أجمل لحظات فشلي. آلية نفسية شائعة يبدأ الدكتور كريم سهر حديثه عن الإسقاط النفسي ويبدأ بقصة امرأة العزيز، حيث يعرف الإسقاط، ويعطي بعض المخارج للتخلص من هذه الحالة ويقول: ما فعلته امرأة عزيز مصر مع يوسف عليه السلام حين راودته عن نفسه، لما رأت زوجها عند الباب قذفت يوسف عليه السلام بدائها، وانسلت من قبيح صنيعها، مع استنكار وتحريض على معاقبة يوسف عليه السلام، إذن الإسقاط آلية نفسية شائعة يعزو الشخص بوساطتها أو عن طريقها للآخرين، أحاسيس وعواطف ومشاعر يكون قد كبتها بداخله، ويضيف سهر في نفس السياق: نلاحظ أن هناك العديد من الأمثلة في حياتنا اليومية ونعايشها وندرك من خلالها سلوك الآخرين، ومن أمثلة ذلك أن الرجل الذي يخون زوجته كثيراً ما يتهم زوجته بالخيانة، ويشك فيها كثيراً أو الزوجة الخائنة التي دأبت على كبت ميولها إلى اقتراف الزنا، تصبح على درجة مبالغ فيها من الغيرة بحيث تتهم زوجها بالخيانة، ويمكن أن تحدث أوهام الاضطهاد من خلال الشعور بالذنب الذي يحمل الشخص على تخيل الآخرين وكأنهم يتكلمون عنه ويلقون بالاتهامات عليه. ويضيف سهر: يشير الإسقاط أولاً إلى حيلة لا شعورية من حيل دفاع الأنا بمقتضاها ينسب الشخص إلى غيره ميولاً وأفكاراً مستمدة من خبرته الذاتية يرفض الاعتراف بها لما تسببه من ألم وما تثيره من مشاعر الذنب، فالإسقاط بمثابة وسيلة للكبت، أي أسلوب لاستبعاد العناصر النفسية المؤلمة عن حيز الشعور، إن العناصر التي يتناولها الإسقاط يدركها الشخص ثانية بوصفها موضوعات خارجية منقطعة الصلة بالخبرة الذاتية الصادرة عنها أصلاً، فالإدراك الداخلي يلغى ويصل مضمونه إلى الشعور عوضاً عنه في شكل إدراك صادر عن الخارج، بعد أن يكون قد لحقه بعض التشويه. إسقاط المشاعر عملية هجومية يتساءل سهر عن إسقاط المشاعر ويقول: هل إسقاط المشاعر تعيد التوازن إلى النفس، أم تكشف أسرار وخفايا وحقيقة الشخصية، فالفرد الذي يخاف من نزعاته العدوانية والجنسية يصيبه شيئاً من التخفف من قلقه حين ينسب هذه النزعات العدوانية والجنسية إلى غيره من الناس، ولا شعوريا يقول إنهم هم الذين يميلون إلى العدوان وهم الذين يفكرون بالاعتداء على الناس لا أنا، كما يعتقد، وهي حيلة دفاعية تقلل من القلق الناتج من مواجهة سمات شخصية مهددة، وتظهر هنا مرة أخرى آلية القمع أو الكبت، إن الأفراد العدوانيين الذين لا يدركون مدى شرههم يلاحظون ذلك في الآخرين، إن آلية الإسقاط هي آلية نفسية لا شعورية بحتة، وهي عملية هجوم لاشعوري يحمي الفرد بها نفسه بإلصاق عيوبه ونقائصه ورغباته المحرمة أو المستهجنة بالآخرين، كما أنها عملية لوم الآخرين على ما فشل هو فيه بسبب ما يضعونه أمامه من عقبات وما يوقعونه فيه من زلات أو أخطاء، فيقول الشخص في لا شعوره: أنا أكره شخصاً ما، ولكني أقول هو يكرهني، هنا أريد أن أخفف من أثمي ومشاعري الدفينة تجاه ذلك الشخص، إذا ما قارنا الإسقاط بالتبرير، وكلاهما حيل دفاعية يلجأ إليها الفرد فإننا نجد أن الإسقاط عملية دفاع ضد الآخرين في الخارج، أما التبرير فهي عملية كذب على النفس، إن الإسقاط إذا كان قائماً على شعور عنيف بالذنب أدى إلى حالة اضطراب البارانويا أو ما يصاحبه من هذيان وهلوسة، ففي المرض العقلي «الذهان» يسقط المريض رغباته ومخاوفه على العالم الخارجي، وفي الهذاءات يعتقد المريض أن جميع الناس ضده ويريدون أن ينالوا منه، وهي مشاعر إسقاطيه لا أساس لها في الواقع. الإسقاط تبرير للفشل يفسر كريم سهر الإسقاط النفسي بأنه حالة من حالات الفشل، ويعطي أمثلة على ذلك بالقول: الإسقاط هي حيلة دفاعية ينسب فيها الفرد عيوبه ورغباته المحرمة والعدوانية أو الجنسية للناس حتى يبرأ نفسه ويبعد الشبهات عنها، فالكاذب يتهم معظم الناس بالكذب، والإسقاط هو إعطاء الآخرين صفات سلبية توجد في الشخص الذي يتقول عليهم، والإسقاط قد يؤدي إلى عدوان مادي في صورة جرائم، فمثلا الموظف الذي يحمل مشاعر عدوانية نحو رئيسه قد يسقط هذه المشاعر عليه، ويتصور أن رئيسه يكيد له ويتربص به لكي يؤذيه، ومن ثم يبادر بالهجوم والاعتداء عليه، وهكذا تدفع هذه الحيلة المضربين إلى نسبة ما في أنفسهم إلى الناس والتعامل معهم على هذا الأساس، ومن ثم يقومون بارتكاب جرائم فعلية. ويضيف سهر: الإسقاط هي العملية التي ينبذ فيها الشخص من ذاته بعض الصفات والمشاعر والرغبات، وحتى بعض الموضوعات التي يتنكر لها أو يرفضها في نفسه، كي يلصقها في الآخر، سواء أكان هذا الآخر شخصا أم شيئا، فالشخص الذي يقوم بهذه الحيلة النفسية يرمي علته من عيب أو خطأ أو تقصير أو رغبات غير مقبولة أو مخاوف أو غير ذلك، فيسقطها على غيره من الناس أو الأشياء، ويتملص من تبعات الاعتراف بالخلل الذي فيه شعور بالنقص أو الخزي أو المهانة أو القلق أو التوتر والفضيحة. وقد يفسر أعمال الآخرين وتصرفاتهم بحسب ما يجري في نفسه من سوء ظن وريبة في غيره فيلصق بهم سوء ظنه ويتهم نياتهم ويلتمس عثراتهم ويفتش عن عوراتهم، وأحياناً يبالغ في تضخيم صورة العيوب التي يسقطها على غيره فيصورها صورة مكبرة دقيقة التفاصيل مملوءة بالتنفير والاستهجان وتحريض الآخرين على كرهها واستنكارها، فهو يسعى بهذا الإسقاط النفسي إلى تبرئة نفسه من العيب الذي يقلل من شأنها وينقص من قدرها، بينها وبين ذاتها وأمام الناس، كما يوجد الإسقاط عذراً للشخص كي يفرغ غيظه على غيره ولا سيما الأشخاص الذين يواجهونه بعيوبه حيث يبادر بقوة طرد إسقاطية شديدة تلقي بتلك المواجهات على مصدرها الذي جاءت منه، وعملية الإسقاط النفسي هذه تشبه إلى حد كبير عمل الفانوس التعليمي (البروجكتر) الذي توضع عليه الشفافيات البلاستيكية وما فيها من معلومات فيقوم بتسليط الضوء عليها وتكبيرها وإسقاطها على الحائط المقابل، وكأن الصورة تنتمي إلى الحائط بينما هي في هذا الجهاز الذي يخرج ما بداخله يسقطه على غيره، فكم في الناس اليوم من فانوس وفانوس مابين مقل ومستكثر من الإسقاط النفسي. فاقدو الثقة المكثرون من الإسقاطات هم ضعاف الثقة في النفس، الثقة الحقيقة الداخلية لا الثقة الخارجية المصطنعة، وإن أوهموا من حولهم أنهم واثقون بأنفسهم، ويكثر الإسقاط في هؤلاء كلما ضعفت المعنويات وزاد الإحباط، المتصفون بالاعتداد بالرأي والأنفة الزائدة، الميالون للجدل والمراء والعناد والتحدي والخصومة، المتصفون بالشك والريبة والحذر الزائد من الناس. أما الإسقاط اليسير وغير المتكرر فقلما يسلم منه أحد، وليست له دلالة على شخصية معينة وأكثر ما يكون في حالات خيبة الأمل، وفي الإسقاط على الزمن والظروف المحيطة بالشخص، يتبين لنا إذن أن الإسقاط النفسي هو مجموعة من التبريرات والأعذار التي تُلقى من الشخص المريض على من حوله سواءً كانوا أشخاصاً بعينهم أو على أحوال وظروف تجري من حوله، ومقصده من إلقاء هذه التبريرات والأعذار هو التهرب من المسؤولية والفشل أو الخلل الذي وقع به في ناحية من نواحي حياته. من خلال يوميات مهنتك قد تكون ممن يقع في هذه الآفة، وقد تكون ممن يتعرض لخطرها وتصبح كبش الفداء. فلمعرفة الإنسان الذي يعاني من الإسقاطات النفسية كل ما عليك فعله هو النظرة بتأمل في جزئيات تصرفاته لتكتشف فيها تناقضات ليست بالسهلة، أضف إلى هذا أنه يحذر بشكل واضح من سلوكيات يقع فيها هو نفسه. الطفل الجبان دائما ما تراه يتكلم عن جبن زملائه، كل هذا ليحاول إسقاط حالته على الآخرين، ويكون الأمر في النهاية كلنا في الهواء سواء. عثرات نفسية ليس عيبا أن يكون الإنسان ضعيفا في سلوك من سلوكياته، قد يقع في معصية، وربما يكون فيه خصلة سيئة كالجبن والكذب، العيب هو أن يسقطها على غيره ظلما وعدوانا، ويظهر نفسه بالضحية ذات الأخلاق الحميدة. عيوب الإنسان إذا كانت تضره دون سواه فالأمر هين، المشكلة أن ينقل الإنسان أزماته ومشاكله التي يعانيها وظروفه النفسية وحالة الاضطراب النفسي التي يعانيها إلى الخارج، وبخاصة إلى المحيط الذي يشعر بأنه يخنقه، بينما هو لا يدري أنه يحاول بنفسه خنق كل من حوله لاعتقاده أن إسقاط أمراضه النفسية أو فشله أو سلوكياته السيئة على غيره يفتح له آفاق الراحة النفسية. فالإسقاط في الاختبار النفسي يختلف عنه في التحليل النفسي أو في غيره من المدارس. فما هو إلا مجرد أداة لاستشفاف الشخصية، وليس مفهوما متكاملا كما في التحليل النفسي.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©