الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هو المسؤول

هو المسؤول
18 مايو 2008 01:56
حكايتي بسيطة، ولكنها صعبة بنفس الوقت، فلا أحد يتصور ما مررت به، ولا كيف تغيرت الأمور في حياتي بشكل عجيب لا يصدق· تزوجت قبل ثمانية عشر عاماً، أنجبت خلالها طفلة واحدة، ولم أعرف سبباً لانقطاعي عن الإنجاب لأنني كنت سليمة ولا أشكو من شيء، ولكنها إرادة الله· زوجي هو ابن عمي، كان شاباً رائعاً لديه طموح كبير لا يتوقف عند حد، كان مشغولاً عني طوال الوقت، ولم أكن أشكو يوماً من غيابه طوال النهار، وحتى ساعة متأخرة من الليل، لأنه عندما يعود أشعر باطمئنان كبير، فتمتلئ نفسي بالدفء والأمان· كنت أعلم جيداً أنه يتعامل مع أصناف من النساء، وانه محط إعجابهن، لأنه وسيم ونشيط اجتماعياً، إلا ان ذلك لم يثر بداخلي الغيرة، وكنت مطمئنة إلى حبه وأنه لن يفكر بالزواج من أخرى، بصراحة كانت تلك الفكرة تخيفني، أن يتزوج ويصبح له بيت آخر، عندها سيضطر لتقسيم الليالي بين البيتين فيحرمني من تلك الساعات التي ينام فيها يومياً في بيتي· يوماً بعد يوم أصبح زوجي محطاً للأنظار بعد أن حقق بذكائه وشخصيته الجذابة ما يحسد عليه، فالكل صار يتحدث عنه وعن حظه في كسب المال· وصارت الفتيات اللواتي يعملن في شركته يتهافتن عليه، كل واحدة تريد أن تستأثر بقلبه وجيبه، ولكنه كان ذكياَ، فلم يورط نفسه بعلاقة مع إحداهن وبقي يردد أمامهن جميعاً، بأنه رجل متزوج وهو مرتاح مع زوجته ولا يريد سواها· كانت هذه الأنباء تصلني ممن يعملون معه، فأشعر بسعادة لا توصف، فزوجي وابن عمي يعتز بي ولن يستبدلني مهما تغيرت ظروفه· شيء من التناقض أحياناً كنت أستغرب من التناقض العجيب في تصرفاته، فهو على الرغم من تصريحاته، إلا انه لم يفكر بنقلي إلى الشقة الفخمة التي استأجرها، وقد أخبرني بأنها ستكون مجرد استراحة له لقربها من عمله، ومكانا لاستقبال ضيوفه، فهو لا يريد أن يقحم عمله مع بيته· وعندما طلبت منه أن يشتري لنا بيتاً جديداً يليق بمركزه، أخبرني بأنه يعتز بهذا البيت القديم لأن فيه ذكريات طفولته، فلم أكن أفكر وقتها بأنني أنا والبيت ضمن الأشياء التراثية التي يريد أن يبقيها جانباً في حياته· كنت أقول في نفسي دائماً: ما دام لم ينقطع يوماً عن المجيء ولو لساعات قليلة، فأنا قانعة وراضية، وما دام يتحدث مع ابنته في الهاتف وهو يشتري لها الهدايا، فكل شيء يهون، وما دام لا يقصر في الإنفاق علينا، فهذا أيضاً يساعد في غض النظر عن ابتعاده وانشغاله عنا· طلبت منه يوماً أن يقوم بتعمير المنزل وتجديده لأنه صار قديماً، ولكنه لم يفعل ووعدني بأنه سيقوم بتنفيذ كل طلباتي عندما يتحسن وضعه المادي بشكل أفضل، ثم حدثني عن أفكاره ومشاريعه المتعددة للمستقبل، فشعرت بالاطمئنان والراحة، ولم أكرر شكواي، على الرغم من علمي بأن دخله أصبح كبيراً وانه جمع مبلغاً كبيراً من المال· ما كان يشفع له دائماً هو انه حسن الصفات، طيب المعشر، كلامه حلو، وتصرفاته لا إساءة فيها، هذا ما جعلني أخجل من الإلحاح عليه في الطلبات واكتفي دائماً بالقليل· كنت أفكر بأنني إن ضغطت عليه أكثر فربما سيفكر بالزواج من أخرى لأنه وبإشارة من إصبعه سيجد المئات· صار يستقبل أصدقاءه وضيوفه في شقته، وقد خصص خادماً للتنظيف والطبخ، ولم يقلقني ذلك لأنه أعطاني نسخة من مفاتيح الشقة· بداية التغيير مرت فترة بدأ فيها بالانقطاع عن المجيء إلى البيت، في البداية كنت اتصل لأسأل عنه فأجده نائماً في شقته، ثم يعتذر لانشغاله وأن التعب قد غلبه فنام هناك، ثم بعد أن تكرر الأمر مراراً، توقفت عن الاتصال به وسؤاله كيلا أسبب له الضيق والحرج، ولكنه صار يتمادى بالانقطاع عنا حتى بدأ الخوف يتسرب إلى نفسي، وقد كنت محقة في شكوكي لأنه جاءني يوماً وبعد انقطاع طويل ليخبرني بأنه سيتزوج، ومن هي تلك المرأة؟ أخبرني بأنه تعرف عليها بحكم العمل وقرر أن يتزوجها، وأين ستسكنها؟ أجابني بأنها ستسكن معه في الشقة· لا أدري من أين جاءتني الفكرة عندما طلبت منه أن يكتب هذا البيت باسمي خوفاً من تقلبات الزمن، فلست من النوع المادي، ولكن الله ألهمني فعل الصواب، فنفذ زوجي طلبي وانصرف لحياته، لا يسأل عنا ولا يزورنا ولا يرد على اتصالاتنا أنا وابنته، بل كان يكتفي بإرسال مبلغ كل أول شهر· كنت أتصور أنه في حال زواجه سيقسم الليالي بين البيتين، ولكن ما حدث في الحقيقة هو أسوأ من ذلك بكثير لأنه تركني معلقة أشكو بعده، وأعيش في دائرة من الخوف، على الرغم من أن بيتي صغير، إلا إنه أصبح موحشاً جداً بعد أن غادره الرجل· في النهار أشعر بالاطمئنان أكثر، أما في الليل، فأبقى متوترة تفزعني الأصوات والكوابيس وتبقيني يقظة حتى يأتي النهار، فأكون مرهقة تماماً· ابنتي لم تيأس من عدم رد والدها وبقيت ترسل له المسجات وتحدد له مواعيد اللقاء وتلف له الهدايا وتجمع له الزهور وتبقى تنتظره ولكنه لا يأتي ولا يرد عليها، يبدو أن زوجته الثانية إنسانة لا تخاف الله، استخدمت كل أسلحتها لتسحبه نهائياً من حياتنا، هذا ما كنت أفكر فيه· مرت السنين وكبرت البنت وأصبحت شابة جميلة تلفت الأنظار، تقدم شخص مناسب لخطبتها، ففعلت المستحيل حتى حضر والدها، فوجئت به يدخل علينا بلا موعد، صدمت من رؤيته، فهل هذا المخلوق هو نفسه زوجي الذي أعرفه؟ غير معقول، لقد كبر عشرين عاماً، ذهبت وسامته وازداد وزنه وبهتت ملامحه وظهرت الخطوط السوداء وعلامات الإجهاد على وجهه، ماذا فعلت به تلك المرأة؟ ''يستاهل''، هو الذي ألقى بنفسه في تلك البئر المظلمة· لم أسأله عن شيء، فقط طلبت منه القيام بواجب ابنته في مراسيم خطبتها وزواجها، ففعل كل ذلك حتى تم الأمر كله على خير، بعدها بفترة جاءني ليطلب مني إحضار زوجته وبناته ليسكنوا معي في بيتي، أخبرني عن وضعه المالي الصعب، وانه غير قادر على دفع إيجار الشقة الذي ارتفع بشكل مضاعف· لم أمانع في إحضارهن، فالبيت بيته ومن حقه أن يفعل به ما يشاء، حتى وإن كان قد سجله باسمي، إلا انه بيته وقد ورثه عن والده· هذا بالإضافة إلى أنني كنت خائفة من الوحدة التي سأعيشها بعد انتقال ابنتي إلى بيت زوجها، وحاجتي الفعلية لوجود زوجي في بيتي، لأنني كبرت وأصبحت لدي أمراض كثيرة، فلا أريد أن أموت وحيدة· أسرة جديدة أحضر زوجته وبناته، كانت المرأة لطيفة معي، خدعتني برقتها المصطنعة، تصورت بأنني ظلمتها في حكمي عليها، وقررت أن أتعامل معها بالطيب· كانت خادمتي مندهشة لتصرفي، وقد طلبت مني تسفيرها لأنها لا تريد أن تتحمل مسؤولية هذا الأسرة الكبيرة، فسافرت بعد أن خدمت في بيتي سنين طويلة·اضطررت للاعتماد على نفسي في الطبخ والتنظيف، فشريكتي كانت حاملا في شهرها الأخير وهي تشتكي طوال الوقت من التعب فلم أفرض عليها مشاركتي في العمل· عندما اقترب موعد ولادتها أخبرتني بأنها ستحضر والدتها لتشرف على رعايتها، فلم اعترض ولكني سألتها: أين ستنام؟ في البيت غرفتان فقط، قالت بأنها ستنام في الصالة مع البنات· جاءت أمها وهي امرأة سليطة اللسان جبارة، حاولت أن تبدو طيبة ولكنها لم تستطع السيطرة على نفسها وانفعالاتها، فوجدت نفسي وقد تحولت إلى مجرد خادمة في بيتي· ظهرت شريكتي على حقيقتها، فصارت تعاملني باحتقار هي ووالدتها، فصرت أغلق باب غرفتي وأبقى لوحدي معظم الوقت، وجدت زوجي ضعيف الشخصية أمام زوجته وأمها، فقلت بداخلي: يا خسارة، أين ذلك الإنسان المثالي الذي كنته يا زوجي وابن عمي؟ أين أوصلتك هذه الزيجة الفاشلة؟ فوجئت يوماً بشريكتي ووالدتها وهما تفتعلان مشكلة كبيرة، ثم حملتا أغراضي وألقتاها خارج البيت بهدف طردي منه، فهي لا تدري بأن البيت مسجل باسمي، فذهبت إلى مركز الشرطة ورفعت شكوى ضد زوجي وامرأته، وطالبتهم بإخلاء بيتي· كان قلبي يتمزق وأنا أفعل ذلك، ولكن تخاذله وجبنه وعدم دفاعه عني هو الذي دفعني لهذا الأسلوب· أخرجتهم الشرطة من البيت وعدت إليه، ولكني لم أذق طعم الراحة، فقد بدأت اسمع أصواتا مخيفة وأشياء غريبة تحدث، فقمت بتأجيره واستأجرت شقة صغيرة قريبة من سكن ابنتي، وأعدت خادمتي السابقة لتبقى معي· بصراحة لم أعد أكترث لزوجي ولما سيحصل له، فهو المسؤول عن كل ما حدث لنا جميعاً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©