الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد حلمي الريشة: نعيش حالة فطام

محمد حلمي الريشة: نعيش حالة فطام
1 يوليو 2009 21:56
الحوار مع الشاعر والأديب الفلسطيني محمد حلمي الريشة نتاج لواقع ألقى بظلاله على حروفه فالتهبت في أشعاره أحاسيس واحتراقات.. في قصائده حزن وغضب... لغته تختلف وتحترق في فوضى الأشياء... هي فوضى الوعي الثقافي الذي يقول فيه: ثمة أزمة عندنا في الوعي الثقافي.. وثمة حلم لهذا الشاعر الفلسطيني الذي يقدم لنا نفسه قائلا: أنا من مواليد مدينة نابلس. حصلت على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم الإدارية (محاسبة وإدارة أعمال). يقول الريشة: عملت في عدة وظائف في مجال تخصصي حتى سنة 2000. شاركت وأشارك في عديد من الندوات والمؤتمرات المحلية والعربية والدولية. ترجمت لي العديد من النصوص الشعرية والنثرية إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والبلغارية والإيطالية والإسبانية. عملت نائب رئيس تحرير مجلة «الشعراء» التي تصدر عن (بيت الشعر الفلسطيني). أعمل رئيس تحرير «السلاسل الشعرية» التي تصدر عن (بيت الشعر الفلسطيني). صدر لي بعض الدواوين الشعرية وان كنت لازلت أعتبر نفسي في البداية. وهذا الحوار يتناول تجربته الشعرية: * هل لك أن تحدثنا عن مراحل معينة في تجربتك الشعرية؟ * * مررت كتابةً بأشكال الشعر المختلفة؛ الشعر العمودي، وشعر التفعيلة، والشعر النثري (قصيدة النثر). الشكل الشعري ليس مقياسًا للشعر. المهم كم من الشعرية في القصيدة بغض النظر عن شكل كتابتها. لمن تكتب أشعارك؟ * * لست أحدد لمن أكتب. أشعاري طيوري المريضة بالحب أُطلقها من عزلة القلب إلى فضاء الفراغ. لا أريدها أن تعود إليّ خشية أن أفسدها بوحشة الحنين. * هل كانت لديك معاناة محددة جعلت منك شاعرًا؟ * * لا أدري إن كانت معاناةٌ ما جعلتني أكتب رسالةً عُدّتْ عليّ قصيدتي الأولى. عمومًا؛ لا أكتب من ألمٍ مهما كان حجم حفرته في داخلي. لا أحب تقديس الألم أو التغني به أو تخليده. أحب أن أكتب من أمل وحب وحنين وحياة أتشهّاها لغيري ولي. * أي الشعراء والأدباء تأثرت بهم كثيرًا؟ وأين تجد نفسك بين شعراء فلسطين؟ * * الأدب عمومًا حلقات تترابط فيما بينها. لا يمكن الانفصال عن الجذور، لكن المبدع الحقيقي يزهر ثمارًا ليست مستنسخة. الثمار بعد حين تنسج لها أجنحة وتطير بعيدًا في فضاء الحياة. هنا يظهر التفرد الشخصي للمبدع. هكذا أرى الإبداع، وهكذا أراني لم أزل تلميذًا يتعلم كل يوم من أي شيء. * من أين تغرف حروف قصائدك؟ * * هل تتوقعين مني أن أقول لك من أين؟.. أنا ألمّها وأشكلها من مجهول لا أدرك كنهه.. المجهول هذا هو سر الشعر الحقيقي.. قديماً قالوا: معرفة الشيء مسبقاً تقضي على ثلاثة أرباع المتعة فيه، فكيف إذا كنت أنشد المتعة كلها منذ ربعها الأول؟ * نتغنى بالأرض ونحن بعيدون عنها.. نتغنى بالمرأة ونحن العازفين عن فهم حضورها.. هل يعيش الرجل العربي والإنسان العربي والمجتمع العربي حالة فطام مع القيم.. مع الأرض.. مع المرأة.. الحبيبة.. الزوجة.. الأم؟ * * إن حالة الفطام التي تشيرين إليها وصف بليغ للحالة؛ هناك حالة فطام وفصام معاً.. ثمة مرض عضال في نظرة الرجل العربي إلى المرأة، ليس مبعثها التراكم اللاوعيي للرجل، بل للمرأة أيضاً.. الرجل والمرأة غير قادرَين على تحديد مفهوم الحرية بشقيها التنظيري والتحليلي، وهذا تأصل من جهلٍ فكري والتباس سلوكي لطرفي القضية، ومؤخراً من استلام خطاب الآخر المزيف دون فهم فحواه، فكانت العناية بالشكل في أقصى درجاتها، رغم أن المضمون الذي لم ندركه بعد كان فارغاً، وبالتالي عاملا على تفريغ العقل العربي من وعيه النهضوي وثراء فكره الأصيل.. هذا، الآن، يشغلنا بقضايا ثانوية تحت عناوين كبيرة، لهذا نحن في حالة الانشغال بالقشور على حساب القضايا الوجودية، إذ ثمة استغلال فاحش بسبب تفقيرنا الفكري بعد حالة الاستلاب والتهميش التي كادت أن تجهز على ما تبقى من ورود حديقتنا.. لست يائساً، لأنني أؤمن بالبذور الجافة التي تحاول حتى الندى كي تطلع من جديد. * هل برأيك دخل الشعر مرحلة العولمة، وإلى أي مدى خدمت التكنولوجيا الرقمية حروف القصيدة؟ * * الشعر لا يقبل أن يدخل مرحلة العولمة لأنه أكثر براءة من قطرة ماء في السماء، لأن هذا المصطلح لم تعد نواياه خافية؛ هو مصطلح حقّ يُراد به باطل من حيث المنشأ والضمير الإنساني الغائب.. أعتقد أن ما تقصده هنا هو الانتشار خارج إطار إبداعه.. أفهم هذا من التكنولوجيا الرقمية التي تشير إليها.. الحقيقة الحلوة والمرة في آن، أن هذه التكنولوجيا فعلت فعلها في انتشار الشعر، وغيره طبعاً، دون عيون الرقيب الرسمية، لكن هذا الانفتاح المسكوب على زجاج شاشات الحاسوب أفرز، أيضاً، كماً لا شعرياً بشكل يثير الفوضى الموغلة في الإثم اللغوي وارتكاب الجهل الكتابي هذا التحديث الذي يمنح الشعر مساحة شاسعة من فضاء الحرية، لا يعني أن يتقافز به من لا يستطيع الطيران والتحليق بالأجنحة الطبيعية. * متى تخرج من ديوان الشعر إلى الواقع.. بمعنى هل ينتهي الشاعر بإصدار ديوانه؟ ولماذا لا نرى الشاعر مكسواً بنبض الواقع، بل نتلمسه فقط في مخاضات التكوين لقصائده، وينتهي دوره بانتهاء البيت الأخير من قصيدته، بمعنى متى تصل القصيدة لمرحلة البناء الفعلي للشخصية الإنسانية والحضارية في مجتمعاتنا؟ * * لا أخرج من ديواني الشعري إلى الواقع لأننا؛ الشعر والشاعر والواقع، لا نتناثر ولا نفترق عن بعضنا البعض بالمفهوم الحسّي.. صحيح أن الانتهاء من ديوانٍ ما، يشكل ولادة تتطلب قطع الحبل السُّري الذي كان متصلاً بالشاعر، لكن لا يعني هذا انتهاء الشاعر بعد تلك الولادة.. تماماً هذه الحالة لا تقتصر على ديوان شعري أو على مجموعة شعرية، بل على قصيدة ما للشاعر، فثمة بذور تنمو في باطن الشاعر لحملٍ وولادة تالية إذا كانت القدرة النوعية والتجديدية والتجريبية ما زالت تتفاعل فيه.. إذاً أنا لا أرى أن دور الشاعر ينتهي بانتهاء القصيدة.. هل يتبرأ الشاعر من قصائده وينكرها تحت أي سبب أو مسبب؟! إذا حدث هذا فإنه يعني انتهاء الشاعر نفسه.. لا انفصال بينهما أبداً.. دور الشاعر لا ينتهي لأن القصيدة خرجت منه بعد حالة عصية ونزيف شديد.. الانتهاء، كما أراه، يعني الخروج من حالة القصيدة بعد شعور الشاعر بانتهائها وليس اكتمالها طبعاً.. أما مسألة وصول القصيدة إلى مرحلة البناء الفعلي التي تشير إليها في سؤالك، فإنني أرى أن القصيدة قادرة على بلوغ بناء الشخصية الإنسانية والحضارية في مجتمعنا كما في المجتمعات الأخرى.. المسألة في مكنونها مسألة وعي ناتج عن قراءة وإدراك.. ثمة أزمة عندنا في هذا.. الوعي الثقافي، وأعني الأدبي والفني منه، مصاب بداء الصورة الفارغة والشكل الخارجي الخلّبي.. ثمة ثقافة آنية يُراد منها أن تمسح الشخصية الإنسانية والحالة الحضارية معاً.. هي الآن تفعل فعلها بكل إشراطاتها وبهدوء تام ورضا وقبول منا.. نحن غائرون في مستنقعاتها دون وعي أو إدراك لخطورة أين نحن الآن منها؟! وإلى أين ستأخذنا عيون الساحرة وأظافرها الملوثة تغور في عيوننا؟! * ما هو جديد الشاعر النابلسي المنحدر من جبل النار؟ * * صدرت لي مؤخرًا مجموعتي الشعرية الجديدة، هي الثالثة عشرة، وحملت العنوان «كأعمى تقودني قصبة النأي»، على نفقتي الخاصة، وبالتعاون مع «بيت الشعر» في فلسطين، وقد وقعت المجموعة في 144 صفحة من القطع المتوسط.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©