الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

العلماء: الإصلاح بين المتخـاصمين.. من مكارم الأخلاق

العلماء: الإصلاح بين المتخـاصمين.. من مكارم الأخلاق
14 ابريل 2017 15:58
حسام محمد (القاهرة) الخلافات بين الناس أمر طبيعي، ولهذا نرى حولنا الكثير منها بين الأصدقاء وزملاء العمل وبين الزوج وزوجته، بل وبين المرء واخوته، والجار وجاره، ويعقب ذلك الخصام والقطيعة، وهذا أمر نراه، وفي الغالب تكون الخلافات مجرد اختلاف بسيط في بدايته يمكن تلافيه لو أحسن الناس التصرف أو لو تواجد الإنسان القادر على الإصلاح والتدخل لمنع الخلاف من التفاقم، ولكن الشيطان يجد في ذلك الخلاف البسيط مرتعاً ونشر البغضاء والعداوة بين الناس، وقد يؤدي ذلك إلى تحويل الشرارة إلى فتنة عظيمة، فيقع الإثم ويفرق الشمل. الخصام مرفوض يقول الدكتور حامد أبو طالب العميد السابق لكلية الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء: لقد علمتنا الشريعة أن الإسلام هو دين الرحمة والتعاون والترابط والأخوة والعون، ولهذا نجد في القرآن والسنة النبوية الكثير من الآيات والأحاديث التي تدعو المسلمين للوحدة وعدم التنافر وعدم التخاصم، حيث يقول الله عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، «سورة الحجرات: الآية 10»، ويقول سبحانه وتعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا...)، «سورة آل عمران: الآية 103»، وهكذا يدعو الشارع الحكيم إلى عدم الخصام والعمل على التواد والتراحم دائماً، ولكننا نرى اليوم الكثير من الخلافات التي يعقبها خصام وعندما نبحث عن السبب نجده تافها والبعض منا قد خاصم ووصلت الخصومة إلى الهجر مع أقاربه من أخ وأخت وخال وعم وصديق، بل نجد من قاطع والديه رغم أن هذا من العقوق والعياذ بالله لهذا، فعلى كل مسلم أن يتحلى بالصدر الرحب، وهو يتعامل مع كل من حوله حتى يتصدى لكيد الشيطان ولا يحّول أي خلاف بسيط إلى خصام ولا يظن في من حوله السوء حتى لو اختلف معهم في الرأي، ففي الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله عز وجل، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه، ولا تنافسوا، ولا تهاجروا، ولا تقاطعوا، إن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم». ويضيف: نؤكد أن الإسلام يرفض الخصام بأي حال من الأحوال، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»، لهذا فعلى كل من يخاصم أن يسعى لمصالحة من يخاصمه ويثق أنه يقوم بخلق من أفضل مكارم الأخلاق التي دعها لها الإسلام وحث عليها فيقول تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)، «سورة الشورى: الآية 31»، وقال المفسرون في معنى الأية إن من عفا عمن ظلمه فلم يقابل السيئة بمثلها وأصلح بالعفو بينه وبين ظالمه فسيكسب بذلك أجراً عند الله وقالوا إن المراد بمن عفا أنه هو من لم يأخذ بحقه ممن ظلمه فتركه ابتغاء وجه الله وأن المراد بمن أصلح من أسقط حقه وزاد على ذلك بأنه قابل السيئة بالحسنة وأهدى إلى ظالمه هدية أو دفع عنه مضرة فلنا أن نعمل بهذه الآية الكريمة ولا نفتح بابا للشيطان كي يخرب علاقاتنا بمن حولنا. عبادة كريمة ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ السنة النبوية بجامعة الأزهر: صار الخصام بين الناس أمراً معتاداً وأصبحنا نكتفي بمشاهدة المتخاصمين وهما يعرضان عن بعضهما دون أن نسعى للإصلاح بينهما رغم الفضل العظيم الذي حددته الشريعة الإسلامية لمن يصلح بين الناس لدرجة أن الإسلام أكد على أن هذا العمل الجليل كان وظيفة الأنبياء والعلماء والصالحين لهذا لا بد أن يكون الإصلاح هدفاً ومقصداً لكل صالح مصلح محب للخير بين الناس، هذا العمل الذي يقطع النزاع وينهي العداوة والبغضاء ويجلب المودة والتآلف بين القلوب، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة»، أي درجة الصيام النافلة وصدقة نافلة والصلاة النافلة، فقال أبو الدرداء: قلنا بلى يا رسول الله، قال: «إصلاح ذات البين»، فالإصلاح بين الناس سنة عظيمة وعبادة كريمة لأن المصلح يبذل الجهد ويستغل علاقته الطيبة بكلا الطرفين كي يصلح بينهما، بل وفي بعض الأحيان يبذل ماله في سبيل هذا الأمر ونحن في حياتنا العملية نرى الكثير من البيوت والأسر كادت أن تتعرض للهدم والانفصال بين الزوجين لولا تدخل المصلحين الأمناء ولعل هذا أهم أسباب قوله صلى الله عليه وسلم: «الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين»، فالله تعالى يعصم بالمسلمين دماء الناس وأعراضهم ويوقف فتن الشيطان التي تزيد في حالة عدم وجود المصلح الراغب في الإصلاح. وأوضح أنه يجب أن يتسلح بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والنصيحة الصادقة لأن هذه الأمور تساهم في تلطيف الأجواء وتصفية القلوب وإزالة أسباب الخصام وبالتالي يستطيع بسهولة أن يوفق بين الآراء حتى يكون الاتفاق ويحل الوفاق ويتم التراضي وينتهي الخصام ويكف كيد الشيطان وليتذكر كل مسلم قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَي أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، «سورة الحجرات: الآيات 9-10». الكذب المباح وتقول الدكتورة عفاف النجار العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر: أباحت الشريعة الكذب في الإصلاح بين الناس، حيث منحت للمصلح الكذب لتقريب وجهات النظر، ففي الصحيح من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: «لم أسمع يُرَخَّصُ في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها»، وهكذا يجوز للمصلح أن ينقل للطرفين المتخاصمين مدح الطرف الآخر وثنائه عليه رغبةً في الإصلاح. وتضيف: عن أنس رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ فقال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، قال الله تعالى: أعط أخاك مظلمته قال: يا رب لم يبق من حسناتي شيء قال: رب فليحمل عني أوزاري قال: ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك وانظر في الجنان فرفع رأسه، فقال: يا رب أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ لأي صدّيق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى ثمنه قال: يا رب ومن يملك ثمنه؟ قال: أنت تملكه، قال: ماذا يا رب؟ قال: تعفو عن أخيك، قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال تعالى: خذ بيد أخيك فادخلا الجنة»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©