الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين والانفتاح الإعلامي

18 مايو 2008 02:40
توجهت مجموعة صغيرة من الأطباء والممرضين إلى ''شينجدو'' محملة بالأدوية والمساعدات العاجلة عقب الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة يوم الاثنين الماضي· والحقيقة أن مشاهد المساعدات الداخلية التي تقاطرت على المنطقة المنكوبة تكررت في جميع مناطق الصين بسبب المعلومات التي تدفقت مباشرة من مكان الحادث وشاهدها الصينيون على نطاق واسع· ومع أن ''شانتو'' التي انطلقت منها المساعدات تبعد عن مركز الزلزال بحوالي 1200 ميل ولم تتأثر بتوابعه المدمرة، إلا أن المواطنين العاديين، وإن كانوا بمنأى عن الخطر، شعروا بانخراطهم الشخصي في المأساة· وبالنسبة للصينيين كان الزلزال حدثاً وطنياً غير مسبوق في تاريخ البلاد لأنه هذه المرة نُقل بكثافة على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد وعلى الأثير وترسخ في أذهان الناس وقلوبهم· وعلى رغم أن وسائل الإعلام في الصين تابعة لملكية الحكومة، كما أن التغطية الإخبارية كانت على الدوام خاضعة لرقابة الحزب الشيوعي من خلال ما تختاره وزارة الدعاية من أخبار تراها مفيدة للشعب الصيني، إلا أن هذه المرة جاءت التغطية مختلفة بعدما واكبت الحدث الأليم عبر جميع مراحله· فتاريخياً كانت الصين تلجأ إلى حجب المعلومات عن الكوارث، أو التقليل من شأنها· وقد رأينا ذلك بوضوح قبل خمس سنوات عندما اندلع وباء ''سارس'' ولم يبالِ به المسؤولون الصينيون إلا عندما حذرت منظمة الصحة العالمية الرئيس ''هو جينتاو'' من أنه لا يمكنه إخفاء مرض بات يهدد العالم كله· وحتى قبل شهرين من الآن عندما اصطدم قطاران وخلف ذلك عدداً كبيراً من القتلى منعت السلطات الصينية وصول المراسلين الأجانب إلى مكان الحادث، وقللت وسائل الإعلام المحلية من شأن الفاجعة· لكن عندما ضرب الزلزال المناطق الصينية يوم الاثنين الماضي وصلتنا الأخبار على الفور، حيث علمنا أن رئيس الوزراء ''وين جيابو''، ومسؤولين آخرين قد توجهوا إلى محافظة ''سيشوان''، وأنه أشرف بنفسه على قيادة جهود الإغاثة وتحميس العمال بالحديث إليهم عبر مكبِّر للصور· كما رأينا مئات الآلاف من أفراد جيش التحرير الشعبي الصيني وهم يقدمون المساعدة للناس ويشاركون في جهود الإغاثة· وبالطبع كان بالإمكان للصين أن تتبع طريقتها التقليدية في التعتيم على أخبار الكوارث وضرب طوق من الصمت على ما يجري، لكن هذه المرة انتقلت فرق الصحافيين مع عمال الإغاثة إلى المنطقة المتضررة وباشروا عملهم في تغطية الحدث· فقد انخرطت المحطة الصينية الرسمية في تغطية مستمرة ومباشرة من عين المكان، ولم تمنع الصور الفظيعة من توافد أعداد كبيرة من الصحافيين الأجانب· ومع أن المنطقة فتحت في وجه وكالات الأنباء العالمية لنقل الأخبار، إلا أن الوكالة الصينية تفوقت عليهم طرّاً في إرسال التقارير الحية إلى الجميع، وبدا أن المراسلين يعملون على مدار الساعة لإشباع فضول وسائل الإعلام العالمية· لكن ما الذي جعل الصين تفتح أبوابها أمام العالم وتكشف ما جرى بعد الزلزال، والأهم من ذلك السماح بتدفق المعلومات بانسيابية إلى الصينيين أنفسهم، فيما كانت في السابق تراقب الإعلام وتحجب الأخبار؟ الواقع أن النظريات هنا كثيرة، منها رغبة المسؤولين في التغطية على الانطباعات السلبية إزاء الصين التي تولدت لدى الرأي العالم العالمي عقب قمع مظاهرات ''التبت''، وما رافق جولة الشعلة الأولمبية من احتجاجات في بعض المدن العالمية· يضاف إلى ذلك الدرس المستفاد من الطريقة التي تعامل بها النظام العسكري الحاكم في بورما وتلكؤه في السماح بدخول المساعدات الدولية· لذا يبدو أن ما يتحرك في الصين ليس فقط الطبقات الأرضية التي تتسبب في الزلازل، بل أمور أخرى مرتبطة بنمط تفكير النخبة الحاكمة· فقد جاءت الإنترنت لتفسح المجال أمام تدفق المعلومات، لاسيما وأن السلطات الصينية راهنت عليها لإتاحة المعرفة والثقافة للمواطنين الأقل حظاً في التعليم· ولم يعد بالإمكان اليوم الاحتفاظ بأسرار وحجبها عن الشعب بعدما باتت الأخبار تنتقل بسرعة عبر الإنترنت ما اضطر بقية وسائل الإعلام إلى مواكبة ذلك، بدل الرقابة والمنع· لكن هذا الانفتاح الإعلامي الصيني مازال عرضة للمقاومة من قبل بعض الجهات التقليدية داخل وزارة الدعاية التي تسعى إلى إحكام قبضتها على عملية صنع الأخبار، ومنع وصول الأنباء السيئة إلى الجمهور· فعندما زرتُ الصين قبل خمس سنوات لم يكن باستطاعتي قراءة ''واشنطن بوست'' عبر الإنترنت، فضلاً عن الحوادث العديدة التي كان يتعرض لها عمال مناجم الفحم وتبقى طي الكتمان· لكن تدريجياً بدأت ترفع تلك الحجب وصار بالإمكان متابعة اجتماعات المجالس الوطنية الشعبية في وسائل الإعلامن والحقيقة أنه إذا كان من شيء إيجابي قد كشفت عنه كارثة الزلزال فهو التدفق الحر للمعلومات بشأنها، واطلاع الصينيين والعالم على تفاصيلها، دون منغِّصا· بيتر هيرفورد أستاذ الصحافة في جامعة شانتو الصينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©