الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

اقتصادات أميركا اللاتينية تنفض غبار الركود وتستعيد عصرها «الذهبي»

اقتصادات أميركا اللاتينية تنفض غبار الركود وتستعيد عصرها «الذهبي»
14 ابريل 2017 20:28
مصطفى عبد العظيم (دبي) منذ فترة غير بعيدة، سطرت أميركا اللاتينية قصة نجاح استثنائية في تحقيق النمو الاقتصادي، ففي الوقت الذي كانت فيه الاقتصادات المتقدمة تعاني ركوداً حاداً أثناء الأزمة المالية التي وقعت في الفترة 2008-2009 في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، تبعه تعاف ضعيف، كان يُنظر إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة باعتبارها الوعد المأمول لتجديد النمو الاقتصادي العالمي، وكان يُنظر إلى أميركا اللاتينية باعتبارها جزءا من ذلك الوعد. ومن وجوه كثيرة، كان العقد 2004-2014 عقدا استثنائيا من حيث النمو الاقتصادي، وبدرجة أكبر من حيث التقدم الاجتماعي، في أميركا اللاتينية، بل إن بعض المحللين أطلقوا على هذه الفترة تسمية «العقد الذهبي لأميركا اللاتينية»، وهي تسمية أريد منها بيان التعارض مع عبارة «العقد المفقود» التي أطلقت في الثمانينات، حين دخلت المنطقة في ركود حاد نتيجة لأزمة ديون ضخمة. إلا أن هذه الصورة الإيجابية تغيرت بصورة هائلة، فقد تباطأ نصيب الفرد من النمو حتى توقف في عام 2014 وأصبح ينظر مرة أخرى إلى جزء كبير من المنطقة بشعور الوعد الذي ضاع، ويدل التدهور المفاجئ في آفاق المنطقة أيضاً على التغيرات الكبيرة التي حدثت في العوامل الدولية التي تؤثر على أداء المنطقة الاقتصادي، بما في ذلك حدوث تراجع كبير في أسعار السلع الأولية، التي لا تزال الدعامة الأساسية لصادرات المنطقة «وخصوصا صادرات أميركا الجنوبية» وتراجع كلي في التجارة العالمية. وحتى يتسنى لأميركا اللاتينية أن تستعيد عقدها الذهبي، لم يكن أمام اقتصاداتها المتنوعة مفر من أن تضطلع بإصلاحات لتنويع الاقتصادات ورفع الكفاءة التكنولوجية لهيكلها الإنتاجي حتى يقل اعتمادها على سلوك السلع الأولية. واليوم وبشهادة خبراء الاقتصاد من مختلف أنحاء العالم وخلال انعقاد أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» في العاصمة الأرجنتينية «بوينس أيرس» الأسبوع الماضي، بدت هناك ملامح إيجابية ومؤشرات قوية على عودة محركات النمو الاقتصادي للعديد من بلدان المنطقة التي أخذت في نفض غبار موجة الركود والانكماش التي طالتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، والعودة للانطلاق مجدداً نحو دورة انتعاش جديدة ترتكز في محاورها على استراتيجيات للتكامل التجاري فيما بينها والانفتاح بشكل أوسع على الأسواق العالمية، وخاصة الأسواق الناشئة وسريعة النمو. وتأتي زيارة البعثة التجارية التي تقودها غرفة تجارة وصناعة دبي اليوم، إلى ثلاثة بلدان رئيسية في هذه المنطقة تشمل كل من البرازيل والأرجنتين والبارجواي، لتؤكد الأهمية المستقبلية لهذه المنطقة الواعدة التي تشكل واحة من الفرص الاستثمارية والتجارية أمام الشركات الإماراتية، والتي سيكون الفوز بها لمن يسبق إليها، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي بوجه عام والاقتصادات المتقدمة التي تقبع في دائرة الانكماش منذ الأزمة المالية العالمية. وتأتي هذه البعثة تتويجاً لزيارات سابقة لغرفة دبي إلى القارة اللاتينية التي صنفتها الغرفة ضمن أبرز الوجهات المستهدفة في استراتيجيتها الجديدة للفترة 2017-2021، حيث يضم وفد الغرفة أكثر من 20 من كبار رجال الأعمال والمستثمرين وممثلي القطاع الخاص في دبي. ويمثل أعضاء وفد الغرفة قطاعات اقتصادية متنوعة تشمل قطاع التجارة والتجزئة والمناطق الحرة والصناعات الغذائية والخدمات اللوجستية، حيث ستكون لأعضاء الوفد لقاءات واجتماعات مع ممثلي الهيئات الاقتصادية والمهنية المتخصصة في هذه الأسواق. وتعتبر البعثة التجارية لغرفة دبي إلى القارة اللاتينية جزءاً أساسياً من جهود الغرفة لاستكشاف أسواق واعدة للقطاع الخاص في الإمارة، وتندرج في إطار خطة الغرفة الاستراتيجية للتوسع الخارجي، واستكشاف أسواق جديدة خارجية لمجتمع الأعمال. سد فجوة البعد الجغرافي ويشكل الانفتاح على اقتصادات أميركا اللاتينية أهمية كبير بالنسبة للشركات الإماراتية والخليجية خلال المرحلة المقبلة لما تمثله بلدان هذه المنطقة من واحة جديدة من الفرص الاستثمارية والتجارية أمام هذه الشركات، خاصة بعد نجاح دولة الإمارات في سد فجوة البعد الجغرافي الذي مثل العائق الأكبر أمام تعميق العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، عبر زيادة معدلات الربط الجوي بين دولة الإمارات وثلاث وجهات في أميركا اللاتينية ضمن شبكة خطوط طيران الإمارات التي تطير إلى بوينس ايرس وريو دي جانيرو وساو باولو التي تطير إليها كذلك الاتحاد للطيران. وكما أسهم التواجد الضخم لموانئ دبي العالمية في العديد من الموانئ بأميركا اللاتينية والتي كان آخرها في الاكوادور، بدوره في تعزيز العلاقات الاستثمارية بين الجانبين، وذلك في الوقت الذي تسعى فيه بلدان هذه المنطقة لجذب استثمارات تقدر بنحو 7.7 مليار دولار (28.4 مليار درهم) في قطاع الموانئ فقط، بحسب دراسة أعدتها غرفة تجارة وصناعة دبي بالتعاون مع وحدة الايكونوميست للمعلومات. ورغم أن العلاقات الاستثمارية مع أميركا اللاتينية بدأت منذ وقت طويل ولكنها لم تكن في هذا المستوى الذي هي عليه اليوم، لاسيما في ظل الاتجاهات جديدة في أميركا اللاتينية والفرص الاستثمارية الكبيرة التي تتيحها تلك الدول عبر تسهيل العلاقات التجارية، فدول أميركا اللاتينية غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط والمعادن، كما أنها غنية بالمنتجات الزراعية، ولهذا فإنه يمكن أن يكون هناك استثمار ناجح في إطار توفير القدرات اللوجستية التي تسهم في تطوير الصناعات المتعلقة بهذه المنتجات، حيث إن دولة الإمارات تمكنت وخلال السنوات الماضية من امتلاك أفضل الأنظمة في هذا المجال. دورة نمو جديدة ويرى النائب الأول لمدير صندوق النقد الدولي ديفيد ليبتون أن بلدان أميركا اللاتينية أمام فرصة لاستعادة النمو،، متوقعاً أن تسجل نموا يتراوح بين 2.5 و2.7% في المدى القصير. كما قالت اليسا بارسينا ايبارا، السكرتير التنفيذي للمفوضية الاقتصادية للأمم المتحدة في اميركا اللاتينية والكاريبي، أن المنطقة مقبلة على نمو كبير، بعد عامين من الانكماش والركود، مشيرة إلى أن أكثر من 14 دولة في المنطقة قامت بإصلاحات ضريبية هامة، لافتة إلى أن التحولات في الولايات المتحدة يمكن أن تدفع دول المنطقة إلى التوسع في بناء علاقات ورابط تجارية أكبر بين بعضهم، وإنعاش الروابط مع المناطق الأخرى من العالم خاصة في الأسواق الناشئة. إلى ذلك، قال جوليرمو أورتيز رئيس مؤسسة بي تي جي باكتشوال، أن هناك شيئاً كبيراً يحدث في البرازيل، فالبلاد تخرج من أسوأ ركود اقتصادي شهدته في السنوات الأخيرة، وأن القيادة الجديدة تعهدت بتحقيق استقرار اقتصادي، لكن الشيء الأكثر أهمية هو تحقيق الاستقرار للمالية العامة، فهناك نطاق محدد لإجمالي الإنفاق، وتركيز أوسع على الأمان الاجتماعي، وتراجع في التضخم بشكل كبير. بدوره، قال نيكولاس دوجيفيني وزير الخزانة الارجنتيني خلال جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي، إن سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تقوم بها حكومة الأرجنتين منذ العام 2015 حققت نتائج إيجابية ملموسة، مشيراً إلى تركيز الإدارة على الإصلاح الضريبي بعد الانتخابات النصفية المقبلة، لافتاً إلى أن الحكومة نجحت في مواجهة وضع اقتصادي ومالي صعب مرت به الأرجنتين في السنوات الماضية، لكنها انتهجت المسار الصحيح للعودة لطريق النمو. الأرجنتين تستعيد مجدها يرى الخبراء أنه مع الإصلاحات الاقتصادية السريعة التي تشهدها، تعتبر الأرجنتين إحدى النجوم العائدة إلى المجتمع المالي الدولي، وهو الأمر الذي أهلها لاختيار بيونس آيرس لاستضافة المنتدى الاقتصادي العالمي، فبعد إثني عشر سنة من السياسات الاقتصادية الحمائية تحت قيادة كريستينا كولومبو، فتح الرئيس موريسيو ماكري صفحة جديدة في الاقتصاد الأرجنتيني وأنهى المنتدى الاقتصادي العالمي في أميركا اللاتينية أعماله على نبرة من التفاؤل للمنطقة، داعيا إلى«تعزيز التعاون» بين القطاعين العام والخاص وتعزيز المبادرات لمعالجة الاضطراب الاقتصادي العالمي، مشدداً على أن أميركا اللاتينية الآن مصدر للحلول في ظل الأزمة العالمية. وقال خوان مانويل فاكر، رئيس شركة«دوبونت» في الأرجنتين، هناك الكثير من التغييرات التي سوف تشهدها الأرجنتين خلال الفترة المقبلة، وسوف تترافق معها تحولات اقتصادية، وبما يسهم في توفير فرص استثمارية كبيرة، إلا أن المشكلة هي في البينة التحتية والخدمات اللوجستية والتي تسهم في تطوير الاستثمارات وتحقيق التطور الاقتصادي المطلوب». البارجواي القلب الصناعي الجديد لمنطقة أميركا الجنوبية دبي (الاتحاد) سجل اقتصاد جمهورية الباراجواي وهي الوجهة الثالثة لبعثة غرفة تجارة وصناعة دبي إلى أميركا اللاتينية تحسناً لافتاً في السنوات الأخيرة نتيجة لزيادة الصادرات الزراعية، وتحسن الإصلاحات في السياسات المالية والنقدية والتي أدت إلى تراجع معدلات التضخم، في الوقت الذي ارتفعت قيمة العملة تدريجياً. وتتمتع باراجواي بالعديد من مزايا الاقتصادية وقدرات وإمكانيات واعدة، تسمح بتطوير شراكات تنموية ضخمة بين دولة الإمارات والباراجوي خلال الفترة المقبلة، خاصة في ثلاثة قطاعات الاستثمارات الزراعية والمنتجات الغذائية، والطاقة، والاستثمار الصناعي ومجالات البنى التحتية والسياحة وقطاع الطيران. وتعمل جمهورية الباراجواي على استقطاب استثمارات نوعية في ثلاثة قطاعات رئيسية تمتلك الدولة فيها ميزات تنافسية، وهي الزراعة والمحاصيل الغذائية، وأيضا قطاع البحث والتنقيب عن النفط والغاز، والقطاع الصناعي الذي يمتلك مقومات تؤهل الباراجواي لتكون القلب الصناعي الجديد لمنطقة أميركا الجنوبية في ظل توافر عدد من الميزات التنافسية من طاقة وعمالة مؤهلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©