الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أبو رواش» قرية مصرية تكسب قوتها من سم الثعابين والعقارب

«أبو رواش» قرية مصرية تكسب قوتها من سم الثعابين والعقارب
6 مارس 2011 21:06
على بعد بضعة كيلومترات غرب نيل القاهرة تقع قرية «أبو رواش» بمركز كرداسة في محافظة السادس من أكتوبر، التي اكتسبت شهرة واسعة بين المصريين وطافت شهرتها معظم دول العالم بعد أن احترف معظم سكانها مهنة صيد الثعابين والزواحف السامة التي توارثوها أباً عن جد، ولم يكتفوا بذلك بل اتجهوا إلى بيعها وتصديرها لمراكز الأبحاث المصرية والعربية والأجنبية حتى أصبحت المهنة مصدر الرزق الوحيد لمعظم سكان القرية. ورث صلاح طلبة «43 سنة» مهنة صيد الثعابين عن أجداده الذين ارتبطوا بها منذ قرنين، وكانت البداية تعبيراً عن الشجاعة والتباهي بقوة القلب، وتحولت فيما بعد إلى رزق، فمنذ ما يقارب مائتي عام جاءت عائلته للعيش في قرية «أبو رواش»، ولم تكن تمتلك أراضي زراعية أو مراعي، كما لم تستهويها المهن التقليدية، فاتجهت إلى الصحراء المحيطة بالقرية، ولاحظ الأجداد كثرة وجود الثعابين والحيات بها فعملوا على اصطيادها وبيعها للهواة ومحبي اقتنائها، وبعدها توارث الأبناء والأحفاد مهنة اصطياد الثعابين والعقارب لتحترفها بمرور الوقت، ولتصبح معظم مراكز الأبحاث في جامعات مصر والدول العربية والأجنبية معتمدة في أبحاثها ودراساتها على ما تصطاده العائلة من حيات وعقارب وثعابين وقوارض، كما تعتمد عليها هيئة المصل واللقاح بشكل أساسي لإمدادها بالأمصال، وكذلك حدائق الحيوانات حتى أصبحت هذه المهنة العمود الفقري لاقتصاد القرية. طرق الصيد يقول طلبة «مع بداية فصل الصيف نبدأ رحلة الصيد التي تبدأ عادة من أبريل وحتى أكتوبر، ونقيم في معسكرات بالجبال والصحاري والأماكن المهجورة والأراضي الزراعية، ويمتد نشاطنا من سيناء شرقاً حتى توشكي وشلاتين جنوباً للحصول على مختلف أنواع الثعابين والزواحف والحيوانات التي تخرج خلال هذه الفترة من جحورها بعد انتهاء فترة البيات الشتوي». ويضيف «هناك طرق معروفة لصيد الثعابين، حيث نتتبع أثر الثعبان على الأرض ومن خلاله نستطيع التعرف إلى نوعه وشكله وهل هو سام أم لا وعندما نصل إلى جحره نقوم بالحفر حوله حتى يخرج الثعبان، ونقوم بصيده ولكل نوع من الثعابين طريقة معينة للامساك به تفادياً للدغه، فالكوبرا المصرية على سبيل المثال يجب أن يتم إمساكها من رأسها». وعن الثعابين الموجودة في مصر وأنواعها وأعمارها وطعامها، يقول طلبة «تصل أنواع الثعابين المصرية إلى 36 نوعاً، منها 9 أنواع سامة مثل الكوبرا والمقرنة والقوعة والغريبة، و27 نوعاً غير سام مثل الأرقم وأبو السيود وأبو العون والعزرون والجداري». ويضيف «هناك فارق بين الثعابين والأفاعي والحيات، فالأفعى هي الكوبرا وتعد أخطر الأنواع في العالم لأنها سامة جداً وتؤدي إلى الموت في دقائق بينما الثعبان هو أحد أنواع الزواحف، وهو غير سام أما الحية فهي نوع من الأفاعي وهي سامة أيضاً والأفعي رأسها بيضاوي أو دائري وكذلك الحية، وهما سامتان بينما رأس الثعبان غير السام منبسط». ويؤكد طلبة أن الثعبان لا يهاجم الإنسان إلا في حالة الدفاع عن نفسه أو في حالة إحساسه بالجوع، أما الكوبرا وهي من أخطر الزواحف، فتنتصب واقفة محذرة الشخص القادم تجاهها، وإذا أصر على المواجهة والمضي تجاهها تهاجمه بضراوة، وإذا عاد أدراجه تعود إلى حالتها الطبيعية. آليات الدفاع عن كيفية معرفة الثعبان السام من غير السام، يقول طلبة «الثعبان السام يتميز برأس مستدير ومسحوب ويكون لونه قاتماً يميل إلى السواد، ويعيش أغلبه في الصحاري والجبال أما غير السامة فيميل لونها إلى الاصفرار، ويعيش أغلبها في المنازل ولا خوف منها على عكس الثعبان السام الذي يجب التعامل معه بذكاء وحكمة وحذر خاصة الكوبرا التي أتعامل معها بحرص؛ لأن أي خطأ في طريقة صيدها يكلفني عمري». وعن طرق الدفاع عند الثعابين، يقول «يدافع الثعبان عن نفـسه أسوة بغيره من الحيوانات، فكل حيوان عند تعرضه للخطر يظهر شراسة لم تعهد فيه وضراوة لم تشاهد من قبل، وطرق الدفاع لدى الثعابين متنوعة وكثيرة تختلف من ثعبان لآخر. وهذه الطرق قد يستخدمها الثعبان، بحسب ما سخر له فمن الثعابين من يملك طرق عديدة، ومنها ما لا يملك سوى طريقة أو طريقتين يستخدمها بحسب حاجته؛ فإن لم تفلح واحدة استخدم الأخرى أو قد يستخدم بعضها مجتمعة ليكون وقعها أكبر وتأثيرها أشد وأكثر هذه الطرق العض وقذف السم والعصر والقفز والطيران والتخفي والتظاهر بالموت والتفلطح وبصق الدم وفتح الفم والتلون وإصدار روائح كريهة والتبرز والتبول على العدو وفرد منطقة الرقبة ورفع الذيل ونفخ الجسم وتشابه الذيل والرأس». وعن كيفية تعلم الأبناء هذه المهنة الخطيرة والمثيرة، يقول طلبة «أول شيء أفعله عند قدومي من رحلة الصيد هو أن أقدم للأطفال ثعباناً حياً غير سام يلعبون به، ثم اصطحبهم معي في رحلات الصيد فيتولد لديهم حب لهذا الجو الممتع المثير وعندما يصل أبناؤنا إلى سن الدراسة نصطحبهم معنا في رحلات الصيد». موقف صعب تحدث أسامة طلبة (48 سنة) الابن الأكبر لعائلة طلبة عن كيفية التعامل مع الثعابين والحيات بعد صيدها، قائلاً «بعد اصطياد الثعابين، يتم وضعها في المزرعة التي نملكها ليتم تفريخها ونوفر للثعابين والزواحف بيئة مماثلة للبيئة التي كانت تعيش فيها في الطبيعة لخلق مناخ يساعدها على التزاوج للاستفادة من الإنتاج في تلبية الطلب المتزايد على الثعابين سواء من الجهات الداخلية أو الخارجية». وعن أعمار الثعابين وطعامها، يقول «تعيش معظم الثعابين لفترة تتراوح ما بين 15 إلى 25 عاماً تقريباً. أما طعام الثعابين والزواحف، فيختلف من بلد إلى آخر، حيث يأكل الثعبان المصري مرة كل ثلاثة أو أربعة أشهر، ولكن الثعبان الأميركي لا يصبر على الجوع أكثر من أسبوع واحد، ويأكل الفئران دائماً وطعام الثعبان ومعظم الزواحف المصرية الفئران والضفادع والسحالي والكتاكيت». وعن أخطر المواقف التي تعرض لها، يقول «كنت في رحلة صيد في محافظة البحيرة عندما هبت رياح عاتية، ووجدت أثراً لثعبان غير سام، وقد دخل شق فأر ولثقتي وبما أنه غير سام وضعت يدي بسرعة داخل الحفرة للإمساك به، فشعرت بعضة قوية فأخرجت يدي بسرعة، ووجدت أن الحية القرعاء، وهي سامة جداً قد عضتني في الإصبع، وبالطبع كانت قد دخلت قبل هبوب الريح وعند قدومها أزالت الأثر تماماً فأسرعت بقطع جلد إصبعي لإخراج الدم المسمم وربطت إصبعي حتى لا يتسرب الدم السام إلى بقية جسدي وأموت، وذهبت بعدها إلى المستشفى لاستكمال العلاج، لكن حتى الآن إصبعي مصاب بالعجز، ولا أستطيع تحريكه بحرية تامة، فحمدت الله على أنني مازلت على قيد الحياة». ملك الموت يقول طلبة «تعلمت من هذه المهنة أنه لا غرور مع الثعابين، وأن من الضروري الحذر منها في كل الأوقات والثعبان السام يجب التعامل معه بذكاء وحكمة وحذر خاصة الكوبرا والتي يطلق عليها (ملك الموت)؛ لأن أي خطأ في طريقة صيدها قد يكلفني حياتي، ومن يعمل في هذه المهنة يجب أن يتمتع بالجرأة والشجاعة، وأن يكون مسلحاً بعصا طويلة وأكياس جيدة التهوية وملاقط وأقنعة وجاروف وشبكة يدوية لاستخدامها في صيد مختلف الزواحف والحيوانات البرية». وعن الشهرة التي تتمتع بها العائلة في العالم الخارجي، يقول إن معظم دول العالم تعرف العائلة عن ظهر قلب مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وغيرها، مشيراً إلى أن هناك طلباً متزايداً على الضفادع المصرية في السوق الأوروبية خاصة فرنسا التي تتسابق مطاعمها وفنادقها على شرائها؛ لأنهم يعتبرونها من أشهى الأطباق ويطلقون عليها «مزة» المائدة الأوروبية. ويضيف أن العائلة طورت أداءها ونقلت سوقها من مجرد التعامل مع كليات الطب والعلوم والزراعة والمراكز البحثية إلى تصدير حيواناتها إلى مراكز بحثية في الغرب وآسيا حتى صارت العائلة تتمتع بسمعة عالمية طيبة في هذا المجال. وينصح أسامة من تعرض إلى لدغة ثعبان أو عقرب بالقيام بربط مكان السم فوراً حتى لا يسري مع الدم إلى القلب، ثم يسرع إلى أقرب مستشفى لعمل التحليلات، وأخذ المصل المناسب وألا يحاول شفط الدم من مكان اللدغ بفمه كما يفعل الكثيرون في مثل هذه الحالة حتى لا تصاب اللثة بأمراض خطيرة، ولكن يبقى لهذه المهنة مخاطرها ورغم كل الاحتياطات والخبرة التي اكتسبناها من خبايا وأسرار هذه المهنة، فإن العائلة فقدت عدداً من أبنائها بسبب غدر الثعابين إذ لقي أربعة أشقاء حتفهم في عام 1986 نتيجة إصابتهم بلدغات ثعابين وعقارب سامة. وشكا أسامة من حظر تصدير بعض أنواع من الزواحف والحيوانات البرية بحجة حمايتها من الانقراض مثل الثعالب والضب وثعبان الدساس والحرباء والتمساح والورل والسلحفاة رغم توافرها بأعداد كبيرة في مصر، كما يتم فرض رسوم وجمارك باهظة على تصدير الأنواع المسموح بتصديرها رغم أن هذا النشاط يمكن أن يدر حوالي 10 ملايين دولار سنوياً على الدولة مطالباً بضرورة رفع الحظر خصوصاً أن هذه المهنة تمثل مصدر الرزق الوحيد لأكثر من 2000 من أفراد العائلة. أسعار البيع حول أسعار بيع الثعابين والزواحف، يوضح أسامة طلبة «يختلف سعر أي زاحف في مصر عن أي دولة أخرى ففي مصر نبيع الكوبرا بـ 50 جنيهاً، في حين نوردها للخارج بسعر لا يقل عن 100 دولار أما التمساح فيصل سعره إلى نحو 50 جنيهاً في حين نبيعه للخارج بسعر لا يقل عن 450 دولاراً، كما يصل ثعبان البرجيل الأسود القاتل إلى نحو 950 جنيهاً، في حين يصل سعره في الخارج إلى 2000 دولار تقريباً أما العقرب في مصر فلا يتجاوز سعرها 5 جنيهات، في حين تباع في الخارج بنحو 5 دولارات وضفادع الأبحاث العلمية الواحدة منها بدولارين فقط خارج مصر وبجنيه واحد داخلها».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©