الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البيت الشعبي.. عِمارتُنا إذ تشبهُنا

البيت الشعبي.. عِمارتُنا إذ تشبهُنا
25 مايو 2016 21:37
ياسر الششتاوي * البيت الشعبي يقدم مثالاً ناجحاً على الهندسة المعمارية التي تأخذ الجوانب الاجتماعية والثقافية بعين الاعتبار استطاعت الإمارات أن تتحول في فترة زمنية وجيزة إلى دولة تحتضن مدناً تعج بناطحات سحاب برّاقة وأبنية ذات طابع مميز، وهذا يؤكد تطور المجتمع الإماراتي عمرانياً بوتيرة متسارعة، كما يفصح عن رؤية تنظر إلى المستقبل بعين كلها ثقة وتفاؤل، ورغم كل هذا التطور إلا أنه على أطراف هذه المدن العصرية وتحديداً في المناطق الشعبية تقع أحياء البيوت الوطنية المعروفة أيضاً باسم البيوت الشعبية، التي لا تزال تشهد تحديثات معمارية بما يتلاءم مع احتياجات المقيمين فيها. ويشكل الثراء التاريخي والحياة المعاصرة في البيوت الشعبية محور اهتمام معرض «تحولات: البيت الوطني الإماراتي» المقام ضمن مشاركة الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في الدورة الـ15 للمعرض الدولي للعمارة في بينالي البندقية خلال الفترة من 28 مايو حتى 27 نوفمبر. ويستكشف هذا المعرض، الذي تولّيت مهام الإشراف عليه بصفتي القيّم على الجناح الوطني لدولة الإمارات، جوانب البيوت الشعبية وما تشكله من تجربة معمارية فريدة من نوعها، إضافة إلى المكانة المميّزة التي تشغلها في المشهد المعماري في دولة الإمارات. أصل الفكرة جاءت فكرة هذا المعرض مستوحاة من الدعوة التي وجّهها المهندس المعماري أليخاندرو أرافينا، قيّم «المعرض الدولي للعمارة الـ15» والحائز على جائزة بريتزكر المعمارية لعام 2016، إلى جميع أجنحة الدول المشاركة لإقامة معرض يرصد العلاقة الممتدة بين البيئة المبنية وتفاعلات الحياة اليومية للأفراد والمجتمعات وكذلك عرض حلول معمارية للمشاكل التي تواجه المدن في القرن الحادي والعشرين. وتعود جذور بينالي البندقية إلى عام 1895، وهو يصنّف كواحدة من أعرق الفعاليات التي تقام تحت مظلتها مجموعة متنوعة من المعارض الثرية بأعمال الفنون والعمارة. وفي إطار كل نسخة جديدة من البينالي، تسنح لنا الفرصة كي نعرض أمام الجمهور العالمي أحد الجوانب الخلابة التي يزخر بها التراث الثقافي الأصيل لهذه الأمة جنباً إلى جنب مع الممارسات الفنية والمعمارية المعاصرة، مما يعبر بدقة عن الوجه المشرق لدولة الإمارات العربية المتحدة على مر السنين، وإن لمن دواعي فخري أن أتحمل هذه المسؤولية الكبيرة بصفتي قيِّماً على معرض 2016. إماراتياً؛ شهدت أوائل فترة السبعينيات من القرن العشرين التخطيط لإنشاء الأحياء الشعبية في مختلف ربوع دولة الإمارات، وقد جاء ذلك في إطار رؤية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه) الرامية إلى تطوير المشهد المعماري للبلاد وإضفاء طابع الحداثة والعصرية عليه، وانطلاقاً من هذه الرؤية، عكف المهندسون المعماريون بالتعاون مع صنّاع القرار بالدولة على تصميم نموذج للبيوت يسهل تنفيذه على نطاقات واسعة، حيث يتألف البيت الواحد من سلسلة من الغرف المطلة على فناء مركزي داخلي مشيَّد على قطعة أرض صغيرة بدأت بمساحة 24 x24 متراً. وجاء إنشاء هذه المساكن لتحقيق الاستقرار الدائم للمجتمع الذي كان يغلب على طبيعته الترحال آنذاك، وكذلك الذين آنسوا العيش في بيوت العريش (المصنوعة من سعف النخيل) أو الخيام، فقد تم تشييد بيوت جديدة في جميع أنحاء الإمارات، لتستوعب بذلك أنماط الحياة والأماكن المفضلة لسكن جماعات البدو الرحل وقاطني المدن الساحلية. منحة عظيمة أدركت جموع الشعب الإماراتي أن هذه الأحياء الشعبية الجديدة بمثابة منحة عظيمة إلى الأمة، لذا دأب السكان على تطويرها وإكسابها ملامح عصرية يوماً بعد يوم، لتقف بيوتها متفردة حتى اليوم تنبض بالحياة من خلال ذلك النسيج المترابط من التعديلات الذي يعبر عن نمط حياة السكان وبالتالي ثقافتهم. وبالمقارنة بمشاريع الإسكان المعاصرة فإنها على الرغم من تمتعها بوسائل الراحة والرفاهية العصرية، فإنها تفتقر إلى التنوع الجمالي الذي يميز الأحياء الشعبية، فضلاً عن وجود فراغ عام ناتج عن تصميم البيت نفسه الذي أعطى على سبيل المثال فرصة لزراعة حدائق خارجية. ويأتي هذا التنوع العمراني نتيجة لقدرة التصميم الأصلي على مواكبة المتغيرات والتكيف مع روح العصر، فعلى مر السنين، تغيرت أنماط الحياة والأذواق لدى الإماراتيين بدرجة كبيرة، فقد لجأ كثير من السكان إلى إجراء تعديلات خاصة على النماذج الأصلية للبيوت تنوعت ما بين تشييد الغرف الإضافية وإضفاء اللمسات الزخرفية، وبناء المداخل، وتغيير الألوان ودرجاتها، وتنسيق الحدائق. وقد اختلفت درجة التغيير من مدينة إلى أخرى، بل ومن حي إلى آخر بجواره، إلا أن الفكرة الرئيسية ظلت كما هي متمثلة في تصميم معماري يمكن لكل أسرة تعديله بما يتوافق مع نمط حياتها. لذلك، يبرز هنا دور مرونة العناصر سابقة التجهيز في البيوت الشعبية كما لو كانت لوحة بيضاء يرسم عليها السكان احتياجاتهم بمنتهى الإتقان سواء من ناحية الاستخدام أو الناحية الجمالية، وكان ثمرة ذلك بيئة مثالية للمعيشة بجوانبها العملية وفي نفس الوقت تخطف الأبصار بمظهرها الجمالي وتنوعها المعماري. ومن خلال هذا المنظور الهندسي القائم على التحول وسهولة التغيير، تطورت البيوت الشعبية لتصبح مرادفاً للثقافات وأنماط الحياة المحلية ومكوناً في غاية الأهمية ضمن النسيج المعماري لدولة الإمارات، وإن كان يغفل عنه الكثير. مثال ناجح يقدم البيت الشعبي مثالاً ناجحاً على الهندسة المعمارية التي تأخذ الجوانب الاجتماعية والثقافية بعين الاعتبار، والتي لا ينصب تركيزها على التصميم المبهر أو المظهر المتفرِّد، ولكنها عوضاً عن ذلك تمثل حزمة من الأفكار المعمارية المرنة التي تسعى إلى تلبية احتياجات السكان، وتبسط مساحة للتغيير والتطوير، وتتيح إضفاء الطابع الشخصي والفروق الجمالية. ويكرِّس الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة جهوده لدعم الفنون والممارسات المعمارية النابعة من التراث الإماراتي الأصيل والترويج لها في حضور الجماهير العالمية، ولأننا أخذنا على عاتقنا تنفيذ هذا الالتزام، فقد وضعت تصوراً لمعرض ينصب التركيز فيما يتناوله على البيئات الحضرية في الخليج بعيداً عن الانشغال بالإنجازات التي حطمت الأرقام القياسية في المشاريع المعمارية الحديثة، وتوجيه الأنظار بدلاً من ذلك نحو مساحات أماكن الحياة اليومية البسيطة، ورغم أنه موضوع ربما لا يستحوذ على اهتمام الكثيرين، فإنه ذو أهمية كبيرة وجدير بالملاحظة. إن عراقة العمران الإماراتي لا تخطئه عين بما يميزه من الفراغات المفتوحة والأحياء التقليدية، تتخللها الحدائق والزخارف واللمسات الشخصية المتراكمة التي تجسد التاريخ الثري والمتنوع لمن يعيشون في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتلك هي العناصر التي تشكل موطن المجتمعات المفعمة بالنشاط والحيوية والإبداع. ومن خلال إلقاء نظرة أكثر عمقاً على المنازل الشعبية، يطمح هذا المعرض أن يقدم إلى جمهوره القادم من شتى بقاع المعمورة وجهة نظر غير متوقعة تتناول تنوّع البيئة المعمارية في دولة الإمارات وقدرة سكانها في إضفاء طابع خاص عليها. ونحن نأمل بدورنا أن هذا سوف يثري الحوار المعماري المتعلق بالإسكان الشعبي ويسلط الضوء على دور المهندسين المعماريين في تحسين الأحوال المعيشية لسكان المدن والمستوطنات الريفية في جميع أنحاء العالم. ........................................ * القيّم على مشاركة الدولة في الدورة الـ15 للمعرض الدولي للعمارة في بينالي البندقية وأستاذ مشارك في قسم الهندسة المعمارية بجامعة الإمارات العربية المتحدة. رؤية شاملة تشارك دولة الإمارات العربية المتحدة في بينالي البندقية الذي ينطلق في الثامن والعشرين من مايو الجاري ويستمر لغاية 27 نوفمبر المقبل، ويفتتح الجناح الإماراتي رسمياً في 26 مايو الجاري، وتتولى مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان مهام المفوّض الرسمي للجناح الوطني لدولة الإمارات، بدعم من وزارة الثقافة وتنمية المعرفة. ويتضمن الجناح معرضاً بعنوان: «تحولات: البيت الوطني الإماراتي» يعرض مجموعة متنوعة من المواد الأرشيفية والصور والمخططات المعمارية والنماذج المعمارية، ومن خلالها يلقي الضوء على التحوّلات التي مرّت بها البيوت الوطنية الإماراتية، التي تعرف أيضاً بالبيوت الشعبية. و«يقدم المعرض رؤية شاملة عن البيت الوطني باعتباره تجربة معمارية جديرة بالاهتمام، حيث يشارك أفراد المجتمع مشاركةً فعّالةً في بناء وتعديل بيئتهم الحضرية، وهذا المعرض يسلّط الضوء على الأحياء الشعبية باعتبارها شاهداً حيّاً ومستمراً على عزم أهل الإمارات وقدرتهم في التأقلم على الرغم من التطورات والتحولات التي شهدها البيت الوطني». تاريخ البيوت يضم معرض «تحوّلات البيت الوطني الإماراتي» أربعة أقسام متصلة ببضعها، فيعرض في القسم الأول «التاريخ» صوراً ووثائق ومقاطع فيديو أرشيفية توثّق بدايات مشروع البيوت الوطنية خلال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، منها صور جوّية التقطتها الشركة البريطانية «بريتيش بتروليوم» والمصور جيرارد كلاين وشركة أبوظبي للعمليات البترولية البرية المحدودة (أدكو)، وقصاصات صحفية أرشيفية. ويرصد قسم «الحي» تطورات النسيج العمراني للبيوت الوطنية على نطاق واسع، في حين ستقدم الخريطة التفاعلية لمحةً عن المشهد المعماري وتطورات الأحياء السكنية والشعبية. أما قسم «البيت» فيقدم تحليلاً تفصيلياً متطوراً عن البيوت الوطنية على مستوى فردي، من خلال النماذج المصغرة المجمّعة والرسومات الأفقية والمخططات. وسيشكل قسم «المركزي» محور المعرض الذي تعرض فيه دراسة حالة مفصّلة عن أحد البيوت الوطنية لعائلة إماراتية ما تزال تعيش فيه، من خلال عرض تحليل معماري شامل وصور تذكارية للعائلة، كما يضم صور المصورة ريم فلكناز التي وثقت أحد الأحياء بعدستها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©