الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراقيون··· أولويات غائبة في إعادة الإعمار

العراقيون··· أولويات غائبة في إعادة الإعمار
19 مايو 2008 03:53
''الأمهات العراقيات يردن الشيء نفسه الذي تريده الأمهات الأميركيات لأبنائهن، إنهن يردن مكاناً لتربية أطفالهن وتعليماً جيداً لهم كي يحققوا أحلامهم''، كانت تلك كلمات الرئيس بوش في إحدى خطبه، وهو محق في ذلك إلى حد كبير· فبالنسبة للعراقيين هناك مؤسستان تحظيان بقدر كبير من الاحترام؛ هما الأسرة والتعليم، لكن الاحتلال الأميركي والتمرد العنيف أديا معاً إلى إفلاس تام لتينك المؤسستين· فهل يستطيع العراقيون العودة إلى وضع اجتماعي طبيعي في ظل الاشتباكات المستمرة بين القوات الأميركية وأعدائها من المتمردين؟ ولكي نكتشف التداعيات السلبية لعدم الذهاب إلى المدرسة ما علينا سوى النظر إلى الأراضي الفلسطينية، حيث أنشأ الاحتلال الإسرائيلي والحصار الخانق المضروب على الفلسطينيين، جيلاً جديداً غير متعلم يسعى إلى الخلاص بالانضمام إلى حركات الإسلام الراديكالي· ويبدو أن التأثير نفسه ينسحب على العراق بعد تعطيل عملية التعليم وتراجع دور الأسرة عما كان عليه في السابق· وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى تقرير للأمم المتحدة ينبه إلى أن الجماعات المسلحة العراقية تكثف جهودها لتجنيد الأطفال، وقد أكد وزير الداخلية العراقي، وجود المشكلة وعبر عن أمله في أن يؤدي برنامج كبير لخلق الوظائف، يقدر بحوالي 5 مليارات دولار، إلى تقديم بديل آخر للشباب العراقي· ولا شك أن من سيدعم الجانب الاجتماعي لحياة العراقيين ويعزز حبهم للتعليم والأسرة، سواء كان الأميركيون أو الفصائل المسلحة، سينجح في استمالة العراقيين· لكن الحقيقة المؤسفة أن الجهود الأميركية المبذولة لإعادة إعمار العراق تتعرض لضغوط كبيرة بسبب استهداف المتمردين للمتعاقدين وعمال البناء· هذا العنف المستشري دفع بالولايات المتحدة إلى تبني خطة تستخدم أولاً القبضة الحديدية، ثم بعدها تلتفت إلى إعمار البلاد· وصحيح أن أميركا ضخت مليارات الدولارات لإعادة إعمار العراق، إلا أن العراقيين يسخرون من ذلك بقولهم إن شركة أميركية واحدة تحصل على عقد بقيمة عشرة مليارات دولار، ثم بعد ذلك تتعاقد بالباطن مع شركة كويتية، وهذه بدورها تستعين بشركة عراقية لينتهي الأمر في الأخير باستئجار أربعة فتية عراقيين يقومون بصباغة إحدى المدارس· ويتندر العراقيون على الوضع بقولهم ''تأكد أن الفتية الأربعة لن يروا شيئاً من العشرة مليارات دولار''· والواقع أن هذا التشكك العراقي إزاء الجهود الأميركية، فضلاً عن الفساد المستشري أيام صدام حسين يعيق المساعي الأميركية لإعادة إعمار العراق· وبدلاً من التركيز فقط على المشروعات الكبرى وبرامج الإعمار الضخمة في بلد متعدد الأعراق، يمكن للولايات المتحدة الاهتمام أكثر بالأمور البسيطة التي تهم العراقيين وتؤثر في وجدانهم· والبداية تكون بإنشاء نظام تعليمي علماني، وهو ما يستدعي توجيه الجهود نحو بناء المدارس والجامعات وتزويدها بمراجع لائقة· فحسب تقرير الأمم المتحدة لا يذهب إلى المدرسة سوى نصف الأطفال العراقيين فيما يظل النصف الآخر خارجها دون تعليم، مقارنة مع 80% في عام ·2005 وعلينا ألا ننسى بأن العراقيين يقارنون الوضع التعليمي المتدهور اليوم تحت الاحتلال الأميركي بالنظام التعليمي المجاني والمتطور الذي كان أيام صدام حسين· وفيما تمكن العراق في الثمانينيات من القضاء شبة التام على الأمية، بات ثلث العراقيين اليوم لا يعرفون القراءة· ولا بد من عودة نوع من الحياة الاجتماعية إلى العراق الذي يشعر أهله بأنهم لم يعد لديهم ما يفخرون به· ولنأخذ المقاهي الشعبية على سبيل المثال، فهذه الأماكن المنتشرة في الأحياء ترادف ما تمثله الحانة مثلاً بالنسبة للبريطانيين باعتبارها ملاذاً لممارسة حياة اجتماعية طبيعية· لكن عندما يخشى الناس التوجه إلى المقاهي لاحتساء فنجان من الشاي وتدخين الشيشة، فإن الحياة الاجتماعية تنعدم بين العراقيين وتتراجع· فقدح الشاي اليوم هو أحد الضروريات اليومية بالنسبة للعراقيين الذين لم يتوقفوا فقط عن شربه في المقاهي بسبب الوضع الأمني الخطر، بل أصبح متعذراً حتى في البيت بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي· وفيما كانت قاعات السينما والعروض الموسيقية جزءاً أساسياً من الثقافة الشعبية العراقية ومتنفساً للشباب في أوقات الراحة، فهي لم تعد موجودة اليوم بعدما تم إغلاقها، إما بسبب الاحتلال الأميركي أو التشريعات الجديدة المحافظة· في عهد صدام حسين عندما كانت تسري شائعة بين الناس بأنه مريض، كان الجميع يتضرع إلى الله بتعجيل هلاكه، لكن اليوم هناك من العراقيين من يتذكر صدام بنوع من الحنين، حيث كثيراً ما تتردد على ألسنة العراقيين عبارة ''على الأقل كان واحداً منا''· فبالنسبة للعديد من العراقيين استبدلت أجواء الرعب التي كانوا يعيشونها في عهد نظام صدام حسين بخوف آخر وفوضى أشد في ظل الاحتلال الأميركي· ومع أنه لا يمكن إرجاع المأساة العراقية بكاملها إلى الاحتلال، لكن بعد خمس سنوات من الوجود الأميركي وإنفاق أكثر من تريليون دولار، يصعب تجنب الاستنتاج بأن أميركا خلقت المشكلة وفشلت في معالجتها لاحقاً· وإذا كان العراقيون هم وحدهم القادرون على إعادة إعمار بلادهم، بواسطة الموارد النفطية المتوفرة لديهم، فإن السؤال هو ما إذا كانوا سيتحملون مسؤولية بلادهم فعلاً في ظل استمرار الوجود الأميركي؟ والحقيقة أنه منذ بدء الحرب في العراق والمؤشرات تتوالى عن احتمالات أخرى لمستقبل البلاد ليست كلها مأساوية· ولعل آخر تلك المؤشرات وأكثرها أهمية هي فوز المنتخب العراقي لكرة القدم بكأس آسيا في العام الماضي، حينها ابتهج العراقيون وشعروا أنه مازال لديهم ما يفخرون به· وولتر رودجرز المراسل الدولي السابق لمحطة ''سي إن إن'' ياسمين العامري صحفية عراقية- أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©