الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تاريخ العملات بالعالم.. من «البدائيات» إلى الذهب والنقد.. فإلى أين يتجه المستقبل؟

تاريخ العملات بالعالم.. من «البدائيات» إلى الذهب والنقد.. فإلى أين يتجه المستقبل؟
25 مارس 2018 02:17
يرى خبراء أن فهم ظاهرة العملات الافتراضية يتطلب بداية وضعها في إطار التطور التاريخي للعملات وأدوات قياس القيمة والدفع، باعتبار العملة من حيث المبدأ سلعة تستخدم كأداة للدفع ولقياس القيمة، من خلال السعر. وتمثل العملة أداة لتسهيل التبادل التجاري، مقارنةً بالأسلوب القديم القائم على المقايضة؛ أي تبادل السلع مباشرة، حيث يمكن تداول العملة مقابل عملات أخرى في سوق الصرف حتى تكون للعملة قيمة أمام نظيراتها، وعموماً فإن العملة، أي وسيلة أو أداة مقبولة قبولاً عاماً للدفع من أجل الحصول على السلع أو الخدمات، أو من أجل إعادة دفع الديون، أو من أجل الادخار. ويوجد في العالم عملات مختلفة منها القوي؛ أي الأكثر قبولاً على مستوى العالم، ومنها الضعيف الذي لا يقبل التعامل به إلا في الحدود الجغرافية لمنطقة واحدة أو سوق محدد، كما أن هناك عملات خاصة بكل دولة، أو عملات اتحادية خاصة بعدة دول ضمن الاتحادات الاقتصادية. وقبل ظهور العملات الورقية والمعدنية المعروفة حالياً، كانت أدوات التبادل تشمل استخدام الأحجار الكريمة وبعض السلع كالقمح والسكر والملح، وفي المجتمعات القديمة كان يتم التداول بأنياب الفيلة والفراء وجلود الحيوانات والزواحف والطيور والأسماك والدواجن، وظل الأفارقة يستعملون لفترة طويلة الودع أو الصدف الأحمر وكذلك الهنود واليابانيون، وكانت المعادن أول وسيط في عمليات البيع والشراء، حيث استعملت على شكل سبائك، ثم تدخلت السلطات فيما بعد ووحدت الأوزان والمعايير وصادقت عليها بعلامة رسمية، ثم تحولت بعد ذلك إلى قطع نقدية، ويعتقد أن هذه المرحلة بدأت في القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد، وهكذا لقيت العملة المعدنية رواجاً لدى شعوب العالم القديم، وذلك لسهولة حملها وقابليتها للتجزئة وحفظها للثروة وعدم قابليتها للتلف، حتى أن قيمتها تعتبر ثابتة نسبياً، وظلت الأمور هكذا حتى بدء صدور العملة الورقية. العملة الورقية وظهرت الأوراق النقدية بسبب المشاكل المتعلقة بتكلفة تخزين ونقل النقود السلعية (التي كان من أهمها معدنا الذهب والفضة)، والتي كانت تستخدم لأغراض التبادل السلعي، ومن هنا تم ابتكار العملة الورقية لتكون بمثابة وعد من الجهة المصدرة بتحويلها إلى نقود سلعية متى ما أراد حاملها ذلك. وبعد ذلك تطورت الأوراق النقدية بتطور النقد، فأصبحت قيمتها ليست نابعة من القدرة على تحويلها إلى نقود سلعية، إنما أصبحت تستمد قيمتها من ضمان الحكومات المصدرة لها، وبهذا أصبحت تدعى (النقود القانونية). وتشير الدراسات التاريخية إلى أن الصين كانت أول بلد طبع العملة الورقية وذلك في عهد سلالة تانغ (618 - 907 للميلاد)، وولدت الفكرة الأولى لنشوء العملة الورقية بين التجار الذين يتنقلون من بلد إلى بلد ويحملون نقودهم الذهبية والفضية معهم، فكانت عرضة للضياع والسرقة فاستعاضوا عنها بوثائق خطية تُثبت مقدار ملكيتهم، فكانت تمثل البديل الورقي البدائي للعملة المعدنية (الذهب والفضة) وشهادة بقدرة حاملها على دفع المقدار المثبت على متنها.وكانت تلك كالورقة تدفع إلى التاجر الذي تشترى منه البضاعة، وهو بدوره يستطيع أن يتسلم المبلغ المثبت على هذه الورقة من الشخص المودع عنده مال التاجر المشتري، ثم تطور استعمال هذه الأوراق فصار بالإمكان دفعها إلى أي بائع أو مشترٍ بشكل متداول، ليكون المرجع النهائي في القبض هو المركز المودع فيه المال. لم تصل النقود إلى أوروبا سوى في القرن الرابع عشر، ولم تتطور إلى ما يشبه وظيفتها الحالية سوى في القرن السابع عشر، فكان أول مصرف أوروبي يصدر العملة الورقية هو مصرف ستوكهولم في عام 1660 إلا أنه فشل في عام 1664 بالإيفاء لدفع قيمة كل ما أصدره من عملات ورقية بالذهب، فأعلن إفلاسه في ذلك العام. وفي عام 1669 بدأ مصرف أسكتلندا بإصدار العملات الورقية، ولا يزال حتى الآن - بعد أكثر من 300 عام - يقوم بهذه المهمة بنجاح، ليصبح بذلك المصرف الذي أصدر عملات ورقية لأطول وقت دون توقف. في عام 1776 (مباشرة بعد الاستقلال عن بريطانيا) بدأ المصرف المركزي الأميركي بإصدار عملة الدولار، إلا أن هذه العملة لم تكن مغطاة بالذهب، وأدى التضخم الهائل آنذاك إلى فقد الدولار قيمته، إلى أن ربط بالذهب والفضة في عام 1789. واستمر هذا الوضع حتى عام 1860، وكانت العملات المطبوعة في ذلك الوقت هي أول عملة اكتسبت اللون الأخضر الذي يشتهر به الدولار الأميركي حالياً، وحينذاك تم فك ربط الدولار بالذهب ما أدى إلى تضخم هائل أجبر الحكومة الأميركية على إعادة ربط الدولار بالذهب في عام 1879. ثم أعيد فك الربط بشكل مؤقت في عام 1933 للتخلص من آثار الكساد العظيم، وأعيد ربطه من جديد في العام الذي تلاه ولكن بتعديل كبير في سعر الدولار، وفي عام 1971 قام الرئيس نيكسون بإعادة فك ارتباط الدولار بالذهب وبقي الدولار على هذا الوضع حتى الآن. صدمة نكسون تعرض النظام الاقتصادي الدولي إلى صدمة كبيرة عام 1971، نتيجة سلسلة من التدابير الاقتصادية التي قام بها رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون، وأهمها كان إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار الأميركي إلى الذهب. ففي حين أن إجراءات نيكسون لم تلغِ نظام بريتون وودز للصرف المالي الدولي بشكلٍ رسمي، فإن تعليق واحد من مكوناته الرئيسية المقدمة على نحو فعال جعلت نظام وودز غير قابل للتنفيذ، على الرغم من أن الرئيس الأميركي أعلن عزمه على استئناف التحويل المباشر للدولار بعد الإصلاحات التي طبقت على نظام وودز، فإن جميع محاولات الإصلاح هذه أثبتت أنها فاشلة. وبحلول عام 1973 تم استبدال نظام وودز بحكم الأمر الواقع إلى نظام تعويم العملات الورقية الذي لا يزال العمل به قائماً حتى الآن. وفي عام 1944 في منطقة بريتون وودز بولاية نيوهامبشير الأميركية، اجتمع ممثلون من 44 دولة لتطوير النظام النقدي الدولي الجديد الذي أصبح يعرف باسم نظام بريتون وودز. وكان أعضاء المؤتمر يأملون أن هذا النظام الجديد من شأنه ضمان استقرار سعر الصرف، ومنع التخفيضات التنافسية، وتعزيز النمو الاقتصادي. وحتى عام 1958 أصبح نظام وودز يعمل بكامل طاقته، حيث استقرت الحسابات الدولية للدول العاملة بالدولار الذي يمكن تحويله إلى الذهب بسعر صرف ثابت هو 35 دولاراً للأونصة، والتي كانت قابلة للاسترداد من قبل حكومة الولايات المتحدة. وهكذا كانت الولايات المتحدة ملتزمة بدعم كل دولار في الخارج مع الذهب، مما جعل سعر صرف العملات الأجنبية ثابتاً، مقارنةً بالدولار. وخلال السنوات الأولى بعد الحرب العالمية الثانية عمل نظام وودز بشكل جيد، ومع مشروع مارشال الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضعه الجنرال جورج مارشال بعد أن أصبح وزيراً للخارجية الأميركية، أصبح هناك طلب على الدولار للإنفاق على السلع الأميركية - السيارات والصلب والآلات وغيرها، ولأن الولايات المتحدة التي تملك نصف احتياطيات الذهب الرسمية في العالم - 574 مليون أوقية في نهاية الحرب العالمية الثانية - بقي النظام آمناً. وفي ذلك الوقت كان لدى الولايات المتحدة معدل بطالة 6.1% (أغسطس 1971)، حيث بلغ معدل التضخم المالي 5.84% (1971). ولمكافحة هذه القضايا، تشاور الرئيس نيكسون مع رئيس الاحتياطي الفيدرالي آرثر بيرنز، ووزير الخزانة جون كونالي، وبعد ذلك مع وكيل الوزارة لشؤون النقد الدولي ورئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي في المستقبل بول فولكر. وفي يوم الجمعة الموافق 13 أغسطس 1971، التقى هؤلاء جنباً إلى جنب مع اثني عشر مستشاراً رفيعي المستوى في البيت الأبيض ووزير الخزانة مع نيكسون في كامب ديفيد. وكان هناك نقاش كبير حول ما ينبغي القيام به، ولكن في النهاية قام الرئيس نيكسون بالاعتماد على هذه المشورات خاصة من وزير الخزانة كونالي، حيث قرر كسر نظام بريتون وودز من خلال تعليقه قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، وتجميد الأجور والأسعار لمدة 90 يوماً لمكافحة الآثار التضخمية المحتملة، وفرض رسوم استيراد 10%، لمنع التكالب على الدولار واستقرار الاقتصاد الأميركي والحد من معدلات البطالة والتضخم في الولايات المتحدة. أصدر نيكسون الأمر التنفيذي 11615 (وفقاً لقانون الاستقرار الاقتصادي لعام 1970)، فرض تجميد الأجور والأسعار من أجل مواجهة التضخم لمدة 90 يوماً. وكانت هذه هي المرة الأولى التي سنت الحكومة الأميركية تجميد الأجور ومراقبة الأسعار منذ الحرب العالمية الثانية، وفي حينه، اعتبرت هذه الخطوة صدمة للاقتصاد العالمي ونظام التداول التجاري الدولي، ووجهت ضربة قاسمة للثقة بالعملات الورقية عامة، لكن سياسة الأمر الواقع فرضت نفسها على النظام الدولي، رغم المخاطر. مفاجأة العملة الأميركية لمعرفة مستوى الانخفاض في القيمة الحقيقية للدولار الأميركي فلا بد من مقارنته مع سعر الذهب، الذي وصل في البورصات العالمية اليوم لنحو 45 دولاراً أميركياً لكل غرام، ما يعني أن القيمة الحقيقية لكل دولار أميركي واحد، في شهر مايو عام 1973 تعادل 33 دولاراً تقريباً اليوم، أي أن قيمة الدولار انخفضت بنسبة 97% خلال الفترة. ولتوضيح الأمر فإنه من أجل الحصول على نفس قيمة برميل النفط الذي كان يباع بسعر دولارين في مطلع 1973 يجب أن لا يقل سعره اليوم عن 66 دولاراً تقريباً، ليحصل على نفس القيمة الحقيقة التي كان يحصل عليها في عام 1973، والفرق بين السعرين في حقيقة الأمر هو نتيجة الانخفاض في سعر صرف الدولار. وزادت الكتلة النقدية المعروضة من الدولار الأميركي في الأسواق العالمية بهذا الحجم الضخم، نتيجة تعويم الدولار؛ أي عندما أعلنت الولايات المتحدة أنها لم تعد ملتزمة بتوفير الذهب لقاء الدولار وفقاً للسعر المحدد، وأن سعر الدولار مقابل الذهب يتحدد وفقاً لآليات السوق التي تعتمد على حجم العرض والطلب في السوق العالمي. ورغم ذلك فإن العامل الحاسم الذي دعم الدولار، هو اعتماده كعملة رئيسية للتجارة الدولية وكعملة للاحتياطي لدى البنوك المركزية بالعالم، ولذا فإن الثقة بالدولار بعد ذلك التاريخ، جاءت أساساً من السوق العالمي نتيجة توجه دول العالم لامتلاك هذه الورقة النقدية والاعتراف بقيمتها، الأمر الذي سمح للولايات المتحدة بضخ مزيد من الأوراق النقدية الدولارية في الأسواق العالمية، حيث لم يعد مهماً للعالم إن كان الدولار محمياً باحتياطي كافٍ من الذهب أم لا، وإنما كم حصته من إجمالي احتياطيات البنوك المركزية بالعالم، ومن القيمة الإجمالية للتجارة العالمية. خلاصة القول، إن مستوى الثقة بأي عملة بالعالم اليوم أصبح يتوقف على حجم التعامل بها، ومدى قبولها كوسيلة للدفع في الأسواق العالمية، ويبدو هذا العامل حاسماً في موضوع العملات الافتراضية التي تجاوزت قيمتها السوقية حاجز الـ 875 مليار دولار، وهو مبلغ يعادل الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من 30 دولة من دول العالم الثالث، بما في ذلك قيمة عملاتها الوطنية واحتياطياتها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من بين نحو 200 دولة معظمها لديها عملتها الوطنية، فإن صندوق النقد الدولي يعتمد 5 عملات فقط ضمن السلة المكونة لوحدة السحب الخاصة، وذلك بناء على حجم قبولها في الأسواق العالمية، معبراً عنه بقيمة التجارة الدولية بتلك العملة، وليس بحجم الدولة أو مستوى الثقة بالدولة التي أصدرت تلك العملة. إن هذا المبدأ شكل حجر الأساس الذي اعتمدت عليه العملات الافتراضية لأخذ مكان لها في السوق الدولي، رغم أن الكثير من العملات الافتراضية لا تعرف أبداً هوية الجهة التي أطلقتها، ولا تبدو هوية تلك الجهات ذات أهمية، ما دامت تلك العملات أصبحت مملوكة لشركات وبنوك ومؤسسات استثمار ومحافظ استثمارية وأشخاص موزعين على مستوى العالم، ويقبلون التعامل بها. النقد الورقي في أوروبا زاد التجارة العالمية بدأت البنوك باستخدام أوراق نقدية للمودعين والمقترضين لحملها بدلاً من القطع النقدية المعدنية، هذه الأوراق النقدية كان من الممكن أخذها إلى البنك في أي وقت وتبديلها بقيمة تقابلها من القطع النقدية الذهبية أو الفضية، وكانت الأوراق المالية تستخدم لشراء البضائع وتشغيلها مثل كثير من العملات اليوم، لكنها صدرت من قبل البنوك والمؤسسات الخاصة، وليس من قبل الحكومة التي هي الآن مسؤولة عن إصدار العملة في معظم البلدان. وتشير مصادر تاريخية مختلفة إلى أن الانتقال إلى النقد الورقي في أوروبا زاد من كمية التجارة العالمية، وبدأت البنوك والطبقات الحاكمة بشراء العملات من بلدان أخرى وأنشأت أول سوق للعملات، وبالتالي كان استقرار دولة أو حكومة ما يؤثر على قيمة العملة في ذلك البلد وقدرة هذه الدولة على التجارة في الأسواق العالمية. كما أن المنافسة بين الدول غالباً ما كانت تقود إلى حرب عملات بين بعضها البعض، حيث تقوم الدول المتنافسة بمحاولة التأثير على عملة المنافسين، من خلال رفع قيمتها وجعل بضائع العدو باهظة الثمن، أو من خلال خفض قيمتها وخفض القيمة الشرائية للعدو، وبالتالي خفض القدرة على الدفع أو عن طريق القضاء على العملة بالكامل. ونتيجة لتطور ونمو التبادل التجاري السلعي والخدماتي بين أسواق العالم البعيدة والمترامية الأطراف، والحاجة الضرورية لوسائل دفع أكثر فاعلية تسمح باختصار الوقت اللازم لتنفيذ الصفقات وتخفض التكلفة، بدأت تتبلور أشكال جديدة للنقود منها النقود البلاستيكية، ثم العملات الإلكترونية والرقمية، إلى أن أصبح العالم اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تبدو بوادرها فيما يسمى العملات الافتراضية، التي هي عبارة عن شيفرة «كود» على الإنترنت، مرتبط عامة بنظام البلوك تشين، يمكن تدويره بعمليات تبادل وبيع وشراء عدة مرات حول الكرة الأرضية خلال عدة ثوانٍ فقط.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©