الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«زيلايا»: انقلاب هندوراس وصراع الأوليجارشية

«زيلايا»: انقلاب هندوراس وصراع الأوليجارشية
5 يوليو 2009 01:04
في كل مرة تقتحم فيها مجموعة من الجنود قصراً رئاسياً ويأخذوا الرئيس ويرغِمونه على اختيار المنفى، مثلما حدث في هندوراس الأحد الماضي، نكون أمام حالة «انقلاب». لكن، وخلافاً لمعظم أهداف الانقلابات التي عرفتها أميركا اللاتينية في تاريخها الجمهوري الملتوي، فإن رئيس هندوراس المخلوع «مانويل زيلايا» يتحمل النصيب الأكبر من مسؤولية الإطاحة به. لقد وصل زيلايا، العضو في الأوليجارشية التي بات يندد بها اليوم، إلى السلطة في عام 2006 كزعيم لأحد حزبي يمين الوسط اللذين يهيمنان على الحياة السياسية في هندوراس منذ عقود. ولم يكن برنامجه السياسي العام، ودعمه لاتفاقية التجارة الحرة بين بلدان أميركا اللاتينية مع الولايات المتحدة، وتحالفاته مع منظمات تجارية... تؤشر إلى حقيقة أنه في منتصف ولايته الرئاسية سيغير لونه السياسي. فعلى نحو مفاجئ، أعلن زيلايا، في عام 2007، نفسه اشتراكياً وبدأ في إقامة علاقات وثيقة مع فنزويلا. وفي ديسمبر من نفس السنة، ضم هندوراس إلى «بيتروكريبي»، وهي آلية أنشأها شافيز ليغدق الإعانات النفطية على بلدان أميركا اللاتينية والكرايبي مقابل التبعية السياسية. ولاحقاً، انضمت حكومته إلى «البديل البوليفاري لأميركا اللاتينية والكرايبي»، أو «ألبا» اختصاراً، والذي يمثل رد فنزويلا على منطقة التجارة الحرة المقترحة بين الأميركيتين، ما يعد تحالفاً تجارياً وعملياً لتوسيع الديكتاتورية الشعبوية حتى تشمل بقية أميركا اللاتينية. وفي العام الماضي، وتبعا للسيناريو الذي أعده في الأصل شافيز في فنزويلا وتبناه إيفو موراليس في بوليفيا ورفايل كوريا في الإكوادور، أعلن زيلايا اعتزامه تنظيم استفتاء من أجل تشكيل هيئة توكل إليها مهمة تعديل الدستور الذي يمنع إعادة انتخابه. غير أنه خلال الأشهر القليلة التالية، أعلنت كل الهيئات القانونية في هندوراس- المحكمة الانتخابية، المحكمة العليا، وزير العدل، مراقبو حقوق الإنسان- أن الاستفتاء غير قانوني، وذلك على اعتبار أن دستور هندوراس لا يسمح إطلاقاً بتغيير عدد المرات التي يجوز فيها للرئيس الترشح. على أن الكونجرس وحده يستطيع تعديل الدستور، والمؤسسات السياسية لا تخضع للاستفتاء. كما عبر كونجرس هندوراس وحزب زيلايا، «الحزب الليبرالي»، وأغلبية من سكان هندوراس (في عدد من استطلاعات الرأي) عن امتعاضهم من احتمال أن يخلد زيلايا نفسه في الحكم ويأخذ هندوراس إلى صف شافيز. لكن، وفي تحد لأوامر لمحكمة، أصر زيلايا، الذي اقتحم رفقة حشود من أنصاره، منشآت عسكرية حيث كان يُحتفَظ ببطاقات التصويت وأمرَ بتوزيعها. ولاحقاً، أعلنت المحاكم أن زيلايا وضع نفسه خارج القانون، فبدأ الكونجرس إجراءات عزله. هذا هو السياق الذي قام فيه الجيش بطرد الرئيس، في خطوةٍ غير حصيفة حوّلت آليةً قانونية لوقف زيلايا إلى انقلاب. لكن حقيقة أن الإجراءات الدستورية كانت متبوعة لاحقاً بقيام الكونجرس بتعيين رئيس الهيئة التشريعية، روبيرتو ميشيليتي، رئيساً للبلاد بالوكالة، وأن الانتخابات المقررة في نوفمبر لم يتم إلغاؤها، ليس كافياً لتبديد غيمة اللاشرعية التي تخيم فوق الحكومة الجديدة. وعلاوة على ذلك، فإن هذا العامل أضعف حجة منتقدي زيلايا في المجتمع الدولي أمام حملة منسقة ومنظمة يقودها شافيز من أجل إعادة زيلايا إلى منصبه والتنديد بالانقلاب باعتباره هجوماً من الأوليجارشية على الديمقراطية. بيد أن الرد الدولي، الذي يروم إعادة زيلايا إلى منصبه بدون أي إشارة إلى تصرفاته غير القانونية، لم يكن كافياً أو مناسبا؛ حيث تصرفت منظمة الدول الأميركية التي يقودها أمينها العام خوسي إينسولزا نزولا عند طلب شافيز، وذهب إينسولزا إلى نيكاراجوا حيث تحولت قمة لمجموعة «ألبا» غير الديمقراطية إلى مركز جاذبية سياسية في النصف الغربي من الكرة الأرضية. ولم يأتِ إينسولزا والرؤساء الشعبويون الآخرون على ذكر أي شيء عن الممارسات الديكتاتورية التي قام بها زيلايا والتي أفضت إلى أحداث يوم الأحد واكتفت بترديد موقف فنزويلا الذي ينشد مصلحتها الذاتية. وعلاوة على ذلك، فقد نسف العرض الذي احتضنته نيكاراجوا، ونُقل على نطاق واسع عبر العالم الناطق بالإسبانية، الجهودَ التي قامت بها بلدان أخرى، مثل الولايات المتحدة والعديد من الحكومات الأميركية اللاتينية، والرامية إلى تبني موقف يتسم بالاتزان والتوازن. وكان من المحزن حقاً رؤية إينسولزا وهو يتذكر فجأة الميثاق الديمقراطي لمنظمته بعلاقة مع هندوراس -وهي قواعد الممارسة الديمقراطية نفسها التي خرقها شافيز وموراليس وكوريا وأورتيجا في عدد من المناسبات، بينما كانت منظمة الدول الأميركية تغض بصرها. إن الأزمة في هندوراس ينبغي أن تنقل إلى الناس الحقيقة التالية عن أميركا اللاتينية اليوم: إن أكبر تهديد يواجه الحرية اليوم يأتي من الشعبويين المنتخَبين الذين يسعون إلى إخضاع مؤسسات القانون لأهوائهم ونزواتهم. غير أن رد أميركا اللاتينية على أزمة هندوراس أضعفَ الأشخاص الذين يحاولون منع الشعبوية من إعادة المنطقة إلى الزمن الذي كانت تُرغم فيه على الاختيار بين ثورة الجناح اليساري والديكتاتوريات العسكرية. ألفارو فارجاس لوسا محلل سياسي بيروفي، ومدير «مركز الرخاء العالمي» التابع لـ«المعهد المستقل» في كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©