كشف الشيخ عبد العزيز بن حميد النعيمي رئيس دائرة التنمية السياحية، عن أن الدائرة بصدد إنشاء قرية تراثية تمثل مركزاً ثقافياً وتراثياً وسياحياً واقتصادياً في آن قادراً على أن يشكل نقطة جذب استثماري، واستقطاب المثقفين من خلال عدد من المرافق الثقافية من بينها مقهى تراثي وأكشاك وسوق تراثي للمشغولات القديمة والطوابع والعملات. ولفت في حوار خاص لـ”الاتحاد الثقافي” عن أن هذه المشاريع قادرة على جلب عوائد مادية تضمن استدامتها وفي الوقت ذاته تخدم هدف الهوية الوطنية، مؤكداً أن ذلك يتطلب جهداً مخلصاً لإعداد وتأهيل كوادر سياحية مواطنة تعمل في مجال الإرشاد السياحي وتكون أكثر حرصاً من العامل الأجنبي على إبراز الوجه الحضاري والجمالي للمنتجات المعروضة. وأكد على ضرورة الحفاظ على الهويّة الوطنية كجزء من الحفاظ على تراث البلاد، وألمح إلى ضرورة سنّ قوانين خاصة بالتراث والآثار والهوية الوطنية، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب تنسيقاً متكاملاً بين كل الهيئات المعنية.
وفيما يلي الحوار مع الشيخ عبد العزيز بن حميد النعيمي:
? عجمان بتاريخها الثقافي ومؤسساتها الرائدة كان لها إسهام واضح في الثقافة في دولة الإمارات.. كيف ترون هذا الدور؟
?? حضور عجمان فاعل في المشهد الثقافي الإماراتي سواء بمؤسساتها أو برموزها الإبداعية أو بما تقوم به مؤسسات فاعلة على هذا الصعيد، ولعلنا هنا نتوقف عند بعض أسس هذه المؤسسات الثقافية ومنها جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم، ولا يخفى على المثقفين والأدباء والكتاب والمفكرين أن شعراء معروفين على المستويين المحلي والإقليمي، من بينهم الشاعر الراحل راشد الخضر، وكتاب رواية وقصة قصيرة، منهم راشد عبد الله، وناصر جبران وآخرون غيرهم، أصبحوا اليوم مادة أساسية في المكتبة المحلية، ومرجعاً مهماً يعود إليه الباحثون والمتخصصون في دراسة الأجناس الأدبية، كما في الدراسات الإنسانية عموما، لاستكمال معلوماتهم أو توثيقها.
ولا يتوقف عطاء إمارة عجمان عند هذا الحد، ذلك أن لها، على أصعدة المسرح والموسيقى والنشاط النغمي الحديث والتراثي، باعا يعرفه المعنيون الثقات في مثل هذه الأنشطة البصرية والسمعية.
ولعلنا نذكر ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ المهرجان الأدبي المرموق الذي أقيم في عجمان مساء الرابع من مايو عام 1960، فقد كان من بين فعالياته عرض مسرحية وطنية حول نضال الشعب الجزائري الشقيق، قام بأداء أدوارها تلامذة الصف الأول الابتدائي، وشهدها مدير معارف البحرين في حينه الأستاذ أحمد العمران، الذي أشاد بأبناء الإمارة وهذا مسجل في بحوث ودراسات معتبرة.
كما كانت «ستوديوهات عجمان» مبادرة رائدة على صعيد منطقة الخليج العربي، والوطن العربي كله، حيث شاهد الجمهور العربي من أقصى المغرب العربي إلى أدنى المشرق العربي مسلسلات عربية ذات طابع تاريخي واجتماعي وثقافي، كانت ــ ولا تزال ــ محل إشادة وتقدير من الباحثين والنقاد والفنانين.
كما أن لعجمان دورا آخر جديرا بالإشارة إليه هو إنشاء إذاعة عجمان 1961 على يد المواطن راشد عبد الله علي حمضه.
مسرح له تاريخ
? المسرح في عجمان له تاريخ عريق، حدثنا عن ماضي وحاضر هذا الفن، وماذا قدم للساحة الثقافية في الإمارات؟
?? جذور الحركة المسرحية في عجمان تعود إلى العام 1969 عندما تأسست بنادي الشعلة فرقة مسرحية ضمت مجموعة من الشباب المتحمسين وقدمت العديد من (الاسكتشات) التي غلب عليها في السنوات الأولى الطابع الارتجالي، ومنذ العام 1978 أصبحت جزءا من النادي الوطني للثقافة والفنون، وتجاوزت جملة الأعمال التي قدمتها أكثر من عشر مسرحيات من أشهرها: مسرحية «الغريب» عام 1988، ومسرحية «الصدى» عام 1989، ومسرحية «طار وطاح» عام 1990، ومسرحية «بوعسكر» عام 1991، ومسرحية «قهوة مرزوق» عام 1983.. وبعد انطلاق مسرح عجمان الوطني وجد في أيام الشارقة المسرحية فرصة مواتية وجميلة لتقديم نفسه في هذه التظاهرة من واقع إيماننا بأن المسرح أداة عظيمة للتغيير والتطوير والتبشير بكل قيم الخير والحق والجمال.
وجاءت مشاركات مسرح عجمان الوطني في أيام الشارقة بمسرحية «النقرس» في الدورة الخامسة عشرة، ومسرحية «الصلامة» في الدورة السادسة عشرة، التي حازت جائزتين، ثم مسرحية «شوَّاق» في الدورة السابعة عشرة ثم مسرحية «صرخة» حيث فازت بأربع جوائز، ومسرحية «التريلا» التي فازت بأفضل عرض مسرحي متكامل في 2013.
دور وزارة الثقافة
? كيف تنظرون إلى دور وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في العمل الثقافي بالإمارة؟
?? أصبحت الثقافة عنوانا كبيرا في دولة الاتحاد، وتجد اهتماما خاصا لدى كل إدارة محلية، كما أن الدوائر الاتحادية والمحلية لا تدخر جهدا في سبيل إنضاج هذه الثقافة، لتطل منها على المستقبل القريب المنظور، والأهداف الاستراتيجية أيضا، ونحن في إمارة عجمان ومن خلال مركز عجمان الثقافي ترعى وزارة الثقافة وتنمية المجتمع وتنظم العديد من الأنشطة الدورية وفي المناسبات المختلفة بجانب الدورات والورش الثقافية والمسابقات وأصبح المركز بوابةً للموهوبين والمبتكرين من الشباب، وساحة لتأهيل المواهب والمبدعين، بما يحمله من أهداف أكثر عمقا وطموحا، فتنوع فعاليات المركز، يأتي ملبياً لتطلعات جميع شرائح المجتمع وتطبيقا للاستراتيجية العليا التي تسعى الوزارة لترسيخها، وهي المحافظة على الهوية الوطنية وتعزيز مقوماتها وتحقيق مبادئ التلاحم المجتمعي لدى فئات المجتمع كافة، فضلا على تعزيز التكامل والتنسيق مع القطاعين العام والخاص، وبناء شراكات فعالة بينهما.
بجانب ذلك كله هناك القوافل الثقافية التي تنظمها الوزارة الاتحادية إلى مختلف أنحاء إمارة عجمان والتي تعد ترجمة واقعية تهدف إلى تعزيز التلاحم الوطني والمجتمعي إضافة للهدف الاستراتيجي منها وهو المحافظة على الهوية الوطنية وتعزيز مقوماتها.
يوم العلم
? ما هي أبرز الأنشطة الثقافية التي تقام بإمارة عجمان؟
? ? درجت عجمان منذ عام 1983 على تنظيم احتفال يوم العلم الذي يهدف إلى تكريم بعض الفئات الفاعلة والمتميزة من أفراد ومؤسسات لها الريادة والتميز في عمل الخير على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي. ويشكل يوم العلم أحد أهم الفعاليات التي تزين فضاءات إمارة عجمان ويصاحب الاحتفال بيوم العلم تكريم الفائزين بجائزة راشد بن حميد النعيمي للثقافة والعلوم.
وتشهد إمارة عجمان سنويا إقامة معرض عجمان الدولي للكتاب تحت رعاية صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان، وتنظمه مؤسسة حميد بن راشد النعيمي للتطوير والتنمية البشرية، وهو دلالة على المكانة الرفيعة التي توليها قيادة هذه الإمارة الرشيدة للعلم والمعرفة، ويعتبر المعرض قناة تواصل فعالة بين الكتاب وصناعه والقارئ، وأفراد المجتمع، هذا إلى جانب الفعاليات المصاحبة للمعرض من ندوات وأمسيات شعرية وفن تشكيلي ومعرض للصور التاريخية، بالإضافة إلى العديد من الجوائز. كما أن الجامعات الموجودة في عجمان تنظم فعاليات وأنشطة متنوعة خلال المناسبات والأعياد الدينية والوطنية والمشاركة في المعارض وإقامة الندوات والمحاضرات الثقافية والفكرية. وهناك مؤسسات وهيئات تعني بتنظيم العديد من الفعاليات الثقافية مثل جمعية عجمان للفنون الشعبية والمسرح والنوادي الاجتماعية التي تجمع مختلف فئات المجتمع.
وتشهد الإمارة سنويا تنظيم جائزة عجمان للقرآن الكريم التي تأتي في إطار الرؤية الإيمانية الفاعلة وانطلاقا من حرص صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان وبتوجيهات من سمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي ولي عهد عجمان رئيس المجلس التنفيذي بأهمية حفظ كتاب الله وتجويده، لما يتركه من أثر إيماني واعٍ وإيجابي معمق للنشء وأفراد المجتمع المسلم، واستلهاماً لكتاب الله الجليل وآياته العطرة في بذر طقوس الإيمان والمحبة والأخلاق الفاضلة.
المحافظة على التراث
? كيف ترونَ جهود المحافظة على التراث الشعبي في عجمان خصوصا أن هنالك اهتماما موصولا بها لخدمة السياحة والمحافظة على المعالم التاريخية؟
?? لإمارة عجمان اهتمام كبير بالأنشطة التراثية ولا تخلو مناسبة إلا ويكون التراث حاضرا من خلال مسابقات الهجن والفروسية والسباقات البحرية والتراثية. ويحتفى أهل عجمان دائما بتراثنا الجميل ويحرصون على تقديم وإبراز صورة الحياة القديمة ببساطتها وعرض كل ما يتعلق بماضي الآباء والأجداد من الحرف اليدوية والصناعات التقليدية والأعمال الموسيقية والألحان، وخاصة منها التراث البحري الذي يزخر بالكثير من الأعمال الفنية و إبراز الموروث الشعبي من خلال تقديم الأعمال البحرية والبرية والصحراوية والعادات والتقاليد، وتعريف الجيل الجديد بما لديه من إرث ثقافي أصيل وضرورة أن يتعلم كيفية التمسك بتلك الأعمال والبحث عنها وتقديمها من خلال تنظيم معارض متخصصة والعمل على صون هذا التراث والمحافظة عليه.
ويعد متحف عجمان الوطني تحفة معمارية وقبلة سياحية لزوار الإمارة حيث يتكون من 16 غرفة تجسد كل مظاهر الحياة في الماضي مثل الصيد والزراعة والأسلحة والمخطوطات والألعاب والأزياء الشعبية والمطبخ القديم ومقتنياته، وأدوات الفن الشعبي؛ والأسواق الشعبية، والحرف المهنية قديما، بالإضافة إلى قسم الطب الشعبي، كما تأسس متحف عجمان عام 1987 داخل حصن عجمان وقد افتتحه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله» في 20 مايو 1991.
المكتبات
? تعتبر إمارة عجمان مدينة المكتبات، كيف تقومون الدور الذي تقوم به هذه الفضاءات في خدمة مختلف الفئات؟
?? لعبت المكتبات أدواراً مهمة في تشكيل الوعي المجتمعي عبر المراحل التاريخية المختلفة في الإمارات، وكان لها دور بارز في حياة كل مواطن كما أنها أصبحت الآن من الدعائم الأساسية لمجتمع المعلومات؛ فالمكتبة هي أكبر حاوٍ للمصادر المعلوماتية وكنز المعرفة الذي لا ينفد، فالمعلومات في المكتبة متجددة باستمرار ما دام هناك تأليف وترجمة، كما لا ننسى دورها في مساندة المقررات الدراسية سواء في المدارس أو الجامعات.
وفي عجمان هناك مكتبات لعبت هذه الأدوار من أبرزها مكتبة الشيخ عبدالله بن محمد الشيبة الشرعية، ومكتبة سالم بن عبدالله آل حميد الإسلامية العامة، ومكتبة راشد بن حميد التي كانت نواتها الأولى المكتبة العامة بعجمان ومكتبة جامعة عجمان وغيرها.
هذه المكتبات العامة عامرةٌ بشتَّى المصادر، والمصنَّفات القديمة والحديثة، ويرتادها يوميَّا كثيرٌ من طلبة العلم في مختلف المراحل التَّعليميَّة، وتُقدِّم خدماتها المجَّانيَّة تطوُّعًا.
سنّة أدبية
? راشد عبد الله النعيمي رائد الرواية الإماراتية انطلق من عجمان، وهو واحد من أبنائها، ومن خلال روايته (شاهندة) قدم للرواية عملا متميزا، وأمثاله كثر اليوم فأين هم؟
? راشد عبد الله هو رائد الرواية في الإمارات وهو أول من ألف رواية وأول من استنّ هذه السنة الأدبية الجميلة، وغرس هذه البذرة الإبداعية الراقية في ربوع الإمارات عبر روايته (شاهندة) التي أسست لتجارب ابداعية أتت من بعدها وشكلت فتحاً جديداً للرواية في الإمارات، وقد وصف الكاتب روايته بقوله: «قصتي هذه.. تنبع من واقع عشناه.. عشناه بين حبات الرمل المتحركة.. في حياة جافة قاسية، أكتبها لهذا الجيل الذي يبني بقوة سواعده بلداً عظيماً، فتمده العزيمة الصادقة والأمل الطامح، أكتبها للأجيال القادمة، لتكون لهم نافذة يطلون منها على حياة آبائهم وأجدادهم، فتملؤهم بالعزة والثقة، أكتبها للقادمين إلينا.. للعابرين على ضفاف خليجنا، لتكون لهم دليلاً هادياً ورفيقاً معيناً».
ورؤيتي الخاصة أن (شاهندة) رواية رائدة مهدت لفن إبداعي جديد، لم يكن له أثر ولا خبر في ربوع الإمارات، و(شاهندة) التي صدرت عام 1971، تستحق صفة الرِّيادة الروائيّة. وقد حظيت هذه الرواية طوال أربعين عاماً، بالكثير من الدراسات الإماراتية والعربية والعالمية بالنقد والتحليل. وقد كرم صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان، معالي راشد عبد الله النعيمي، تقديراً لعطائه الأدبي وجهوده الدبلوماسية والأدبية، باعتباره من رواد الحركة الأدبية في الدولة، وقلده وسام عجمان الذهبي، أعلى وسام بحكومة عجمان. كما يحظى المثقفون في عجمان برعاية ودعم من صاحب السمو، ولا تكاد تمر مناسبة من دون أن يلتقيهم ويشحذ عزائمهم بنصحه وحكمته.
السياحة والثقافة
نحن بصدد إنشاء قرية تراثية تمثل مركزاً ثقافياً وتراثياً وسياحياً واقتصادياً في آن واحد، قادر على أن يشكل نقطة جذب استثماري، واستقطاب المثقفين عبر مقهى تراثي مرفق بها، إلى جانب وجود أكشاك وسوق تراثي للمشغولات القديمة والطوابع والعملات.ومثل هذه المشاريع تكون قادرة على جلب عوائد مادية تضمن استدامتها وفي الوقت ذاته تخدم هدف الهوية الوطنية، لكن ذلك يتطلب جهدا مخلصا لإعداد وتأهيل كوادر سياحية مواطنة تعمل في مجال الإرشاد السياحي وتكون أكثر حرصا من العامل الأجنبي على إبراز الوجه الحضاري والجمالي للمنتجات المعروضة. وهنا ينبغي التأكيد على الهوية الوطنية كجزء من الحفاظ على تراث البلاد، وذلك بالعمل على تفعيل إدارات التراث في مختلف المؤسسات وتطويرها إلى مراكز للمعلومات حول التراث تكون مرجعية للعمل البحثي الميداني الجاد. ولذلك فإنه يتعين سن قوانين خاصة بالتراث والآثار والهوية الوطنية، وهو ما يتطلب تنسيقا متكاملا بين كل الهيئات المعنية لما يمثله ذلك من أهمية للحفاظ على الثقافة والهوية الوطنية، والتنوع بين النظامين الاتحادي والمحلي يمثل مصدر إثراء، وفي ظل التعاون القائم بين المؤسسات الاتحادية والمؤسسات المحلية ومن منطلق الحرص المتبادل بين الجانبين يكون ذلك كفيلًا بإزالة أي عوائق تواجه التنفيذ.
دعم الشباب
نسعى إلى تقديم الدعم للمشاريع الشبابية في أكثر من مجال ثقافي، فعلى صعيد المسرح ندعم «مسرح عجمان الوطني» مادياً وأدبياً كي يستطيع المشاركة بتقديم عمل مسرحي مميز، وكذلك بدعم «العروض المسرحية المحلية» من خلال تنظيم الموسم المسرحي، إضافة إلى تبني طباعة بعض الإصدارات، وتقديم الدعم لجمعية الفنون الشعبية وبعض المكتبات والجامعات والمدارس وأندية الجاليات.
عدد اليوم
