الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الترومبلوي» فن الخداع البصري على الجدران

«الترومبلوي» فن الخداع البصري على الجدران
7 مارس 2011 20:19
العمل الفني له إيقاع حسي خاص تثير لحظة تأمل في مساحته اللونية وتشكيلاته المنبثقة من طيات النفس التي أبدعته، فقد استطاع الفنانون بمهارتهم ودقتهم – عبر العصور- في استنطاق الكثير من الأعمال الفنية على مساحات واسعة من الجدران أو الأسقف والأعمدة. وما أفرزته الحضارات القديمة من أرث زينت به ردهات القصور ودور العبادة شكلت جزءا حيا على مساحة صماء من المكان ، في نوع راق من الفنون دخل وبقوة إلى المنازل ليحول طياتها وأجوائها الداخلية إلى بيئة ثرية بمنمنمات أبداعية ساحرة. فن “الترومبلوي” هو الاسم الذي يطلق على هذا النوع من الرسم، يطلعنا على تفاصيله الفنان ناصر كريم المتخصص في فن الخداع البصري والرسم على الحوائط والأسقف . إيهام متطور يقول ناصر: إن اللوحة ليست مجرد أصباغ لونية على مساحة ما لكنها إيهام يتم خلقة بواسطة الأصباغ اللونية من خلال استخدام التكنيكات أو الأساليب الفنية مثل المنظور والاختزال لخدع البصر ولجعلها تعتقد أن ما تراه داخل اللوحة هو ما يوجد في الواقع. يتابع :هناك نوعان من الإيهام منها التربيع وفيها تبدو العمارة المرسومة وكأنها تقوم بتوسيع حدود معينة أو مدى المكان الواقعي لغرفة أو قاعة ما. أو خداع العين وهو trompe le oil أي أن يتم خداع المشاهد ولو لفترة قصيرة فيعتقد أن الموضوع المرسوم داخل الإطار إنما هي نافذة يطل من خلاله على عالم يبدو حقيقيا وواقعيا. ومنذ اختراع المنظور أصبحنا معتادين على أن نرى العالم الواقعي وهو يعاد إنتاجه مرة أخرى على نحو واقعي أيضا ولكن داخل الصورة واللوحات باستخدام الخيال الممزوج بالواقع التي تجعلنا نضطرب ونشعر بالدهشة والحيرة لأننا نشاهد مناظر تتسم بالواقعة. تاريخ “الترومبلوي” هذا الفن الذي بدأ في عصر النهضة في إيطاليا في القرن الرابع عشر ووصل ذروته في أوروبا القرن السادس عشر فهو زمن الانبعاث العقلي والفني الذي يحركه الاهتمام المتجدد بالأدب والفن الكلاسيكي القديم حيث مثل عصر النهضة واعيا بالثقافة والعلم والفن والسياسية . ظهر فن “الترومبلوي” مع بداية التصوير الزيتي والجداري في عصر النهضة عندما كان الفنانون يرسمون على الحوائط وأسقف دور العبادة والكاتدرائيات فكان الاتجاه آنذاك إلى رسم الموضوعات التي تتناول بعض القصص والمواعظ الدينية ، فكان أشهرها لوحة بادية الخلق التي رسمت على سقف كنيسة (كبيلاسستينا) وأيضا لوحة يوم الحساب للفنان مايكل أنجلو ، ثم بدا هذا لفن يأخذ صور بعض الأشكال والمواضيع المختلفة التي تنافس الفنانين فيما بينهم في القدرة على خداع الجماهير بصريا من خلال ما يقدمه من أعمال فنية تنطق بالواقية في تفاصيلها . ونجد أن لكل عصر نمطه الفني المعماري الذي يختلف من حيث الوحدات والإيقونات التي يتميز به دون غيره . وتنبثق هذه المفاهيم من ثقافة هذه الشعوب وتاريخهم الذي يؤثر في أفكارهم التي نراها قد تحولت إلى فنيات مجسدة على مساحات من الجدران ، في أي بناء معماري لتحوله إلى محطة تختزن في طياتها بعض الأفكار والآراء من خلال لوحة منطوقة به . هذا الفن الذي نجده قد دخل القصور من أوسع أبوابة لتحوله إلى بقعة ثرية بتفاصيل دقيقة نوعية الرسوم ويضيف كريم قائلا :بدأ استخدام هذا الفن من خداع البصر في التصميم الداخلي للقصور والقاعات وصالات الاحتفالات الكبيرة برسوم وجداريات ضخمة منسجمة مع طبيعة الأجواء ونمط الطراز آنذاك والذي غالبا ما كان يحمل الطابع الروماني أو الإغريقي، ومؤخرا بدأ استعمال الجداريات في المنازل والبيوت وذلك لخلق وتيرة فنية حية في أرجاء المكان ، فما أن يدوس المرء عتبة دارة حتى يذوب في أحضان أجواء حياتية أخرى ، يصور حيثياتها هذا الفن الذي يتجلى على مساحات جيدة من المكان على الجدران أو الأسقف ، والأعمدة . فالخدعة البصرية التي تقوم به هذا الفن غالبا ما يمنح المكان تأثيرا إيحائيا باتساع مساحة الموقع مما يخلق هذا التأثير أجواء من البهجة و الجمال في أرجاء المكان . هذا الفن الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من فن التصميم الداخلي . الذي يعتبر سلاح المصمم الهام في خلق بيئة جمالية في المكان والتغلب على عيوب البناء الهندسي . التي قد تعاني منه بعض المنازل ، علاج للعيوب ويشير إلى أن”الترومبلوي” ساهم في علاج بعض العيوب بعدة طرق مختلفة حسب نوع المشكلة الموجودة كوجود أعمدة خراسانية ، و بعض عيوب في الأسقف والكمرات و اختلافات في بعض مقاسات الحوائط والشبابيك وبعض الفراغات – صغر أو كبر مساحات الغرف بالنسبة للمساحات الصغيرة فيمكن رسم ما يوحي للمقيمين والزوار ببعد آخر داخل الغرفة فيمكن رسم نافذة أو باب ومن خلفه منظر طبيعي مع مراعاة المنظور عند الرسم لتحديد الزاوية الأكثر مشاهدة. وقبل الشروع في وضع الفكرة والتخطيط المبدئي للعمل لابد من التعرف على طبيعة البناء الهندسي والطراز المعماري والأنماط الشخصية لقاطني المنزل من خلال مراعاة سيكولوجية الألوان تأثير هذه الألوان المنبثقة في اللوحة على المحيط به والتي لابد تكون إيجابية ، يجد فيها المرء الراحة والاسترخاء . كما لابد أن تكون هناك نوع من الانسجام والتناغم بين تفاصيل الديكور الداخلي من حيث الشكل والألوان ، بحيث تكون روحا واحدة وجزءا مكملا للأجزاء الأخرى من المكان ، فلا تظهر كأنها نشاز في العمل . كماليات وديكور ويؤكد كريم قائلا : ومن الضروري ان يتم الحافظ على طراز البيت الخارجي والداخلي مع إضافة الكماليات التي ينقص هذا الطراز ، فلا يجب وضع رسم لطراز كلاسيكي من عصر النهضة بناء لطراز إسلامي على سبيل المثال هذا ما يولد مشكلة التشويش البصري في الخلط ما بين تفاصيل نمطية مختلفة ، فهذا الفن هو جزء مكمل لهندسة البناء المعماري لا ينفصل عنه. كما يجب مراعاة التشكيل داخل الفراغات المختلفة بالمنزل مع اختلاف الموضوعات باختلاف الأماكن فالمداخل لابد أن تكون أكثر جذبا للقادمين من الخارج والزوار ونجد أن معظم الأفراد يفضلون ازدحام الأعمال بالمدخل مقارنته بفراغات المنزل . فيضل أن تكون الأعمال خفيفة خالية من التفاصيل الكثيرة التي قد تشوه المكان وتتحول إلي بيئة منفرة غير جاذبة. فلابد من الاعتدال في العمل . وهناك أيضا من يفضل الكثيرين أن تقتحم الفراشة بوابة غرف الأطفال لتحول عالمهم الخيالي إلى أجواء تنطق بالواقعية ، هنا لابد دراسة الأمر بشكل جيد ، حتى لا تؤثر هذه الرسومات على نفسية الأطفال فتكون نتائجها غير مرضية ، فلابد من انتقاء العمل الجيد والابتعاد عن الألوان الصارخة الصاخبة . طريقة العمل يضيف كريم قائلا : يتوقف العمل على معاينة المبنى ومشاهدة الطراز المعمـاري له ونمط الحياة بداخلة إلى جانب احـترام رغبات وميول العميل وتقديم النصيــحة له حول مجمل الأعمـال والتصــاميم التي يمكن أن تتلاءم مع نمط بيته. ثم نبدأ بوضع تصور صغير أو( اسكتش) أولي للوحة بمقياس رسم محدد بالألوان وبعد الموافقة عليه من قبل العميل نبدأ عملية التنفيذ برسم الاسكتش بالحجم الطبيعي للبدء في تنفيذ التصميم على الحائط وبعدها ثم تتم مرحلة التلوين والرسم المباشر على الحائط ويمكن التغير أثناء التنفيذ إذا كانت الحاجة تسمح بذلك ، وعند الانتهاء من العمل وتركها لتجف فترة محددة ، نضع عليها الطلاء العازل وذلك للحفاظ على العمل من أي تأثيرات خارجية قد تشوهها لتبقى محافظة على العمل مدة زمنية معقولة . ومدة تنفيذ العمل تختلف من مشروع لآخر حسب حجم العمل الفني المطلوب فبعض الأعمال تستغرق أسبوعا كاملا (14 ساعة عمل يوميا) والبعض قد يستغرق 8 أشهر كاملة مع وجود مساعدين.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©