الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استحضار النازية··· نفاق

21 مايو 2008 02:37
هناك من يعتقد بأنه علينا التفاوض مع الإرهابيين والراديكاليين، لقد سبق وسمعنا هذا الهراء من قبل، ففي الوقت الذي كانت فيه الدبابات النازية تعبر إلى بولندا في العام 1939 صرح سيناتور أميركي قائلا: لو فقط استطعت الحديث إلى هتلر لما حدث كل هذا'' (جورج بوش، مايو 2008)· ''لم تنته الأخطار بعد·· وهي اليوم كما كانت عليه أيام الرايخ الثالث، تكن نفس الاحتقار للحياة الإنسانية وتخص نفسها بمزاعم الخصوصية والتفرد في العالم'' (فلاديمير بوتين، مايو 2007)· لست أحاول هنا المقارنة بين ''جورج بوش'' و''فلاديمير بوتين''، فالرجلان مختلفان تماما، ومن خلال الاستشهاد بالتصريحين أعلاه، فإنه من الواضح أن الاختلاف في الشخصيتين لم يمنع ظهور مرض مشترك لديها، فهما معا يعانيان من الميل غير المبرر للزج بموضوع النازية في النقاش السياسي المعاصر سواء بمناسبة، أو بغيرها، وبالطبع يحمل استحضار النازية ومقارنة الأحداث بها تطبيقات واسعة ومرونة كبيرة مثلما فعل ''بوش'' عندما أشار إلى السياسيين الذين يهادنون الإرهاب وشبههم بمهادني هتلر في الثلاثينيات، وهو ما اعتبر هجوماً مبطناً على مواقف المرشح الديمقراطي ''أوباما''، كما أن ''بوتين'' عندما أدلى بتصريحه الذي انتقد فيه الأنظمة التي ''تحتقر الحياة الإنسانية'' و''تدعي الخصوصية والتفرد في العالم'' مشبهاً إياها بالنازية، إنما كان يحيل إلى الولايات المتحدة وليس غيرها· لكن النازية أقحمت في مواضيع أخرى لا علاقة لها بالهجوم على الخصوم السياسيين، ففي خطاب لتفسير موضوع ''كوسوفو'' برر الرئيس ''بيل كلينتون'' قراره بضرب صربيا بالتساؤل: ''ماذا لو كان أحدهم استمع لتشرشل ووقف في وجه هتلر؟''، ولا ننسى المقولة التي كانت تحب ''مادلين أولبرايت'' أن تكررها من أن ''ميونخ'' هي عقليتها في إحالة إلى اجتماع ''ميونخ'' في العام 1938 والمهادنة لـ''هتلر''، وفي العام 2006 صممت إحدى الجماعات البريطانية المناهضة لفكرة استخراج بطاقات الهوية الوطنية إعلانا يظهر فيه ''توني بلير'' في صورة ''هتلر'' باستثناء الشارب الذي استبدل بقضيب حديدي، وللتوضيح فقط لست بصدد معارضة فتح نقاش تاريخي من أي نوع، لكن اللجوء إلى تشبيهات النازية والصور المروعة التي نستحضرها في أذهاننا عند الحديث عن ''هتلر'' إنما يقصد به اليوم إنهاء النقاش وليس توسيعه، أو فتح آفاقه، فما أن يُقحم هتلر، أو الرايخ الثالث في أي نقاش حتى يُستحضر الشر المطلق ويُحشر الخصم في زاوية ضيقة يستحيل عليه الدفاع عن نفسه وكأنك تسأله: ''ماذا؟ هل أنت تعارض الحرب على هتلر؟''، وبهذه الطريقة يصل الحوار والجدل إلى منتهاه ولا تبقى سوى الموافقة، أو تحمل تهمة المهادنة· والأكثر من ذلك أن استدعاء النازية في النقاشات العامة يغير نبرة الحوار، فقد تكون هناك أسباب تكتيكية وجيهة لعدم التفاوض مع ''حزب الله''، أو الحديث إلى الإيرانيين، لكن اتهام معارضي هذا الرأي بالمهادنين يضلل حقيقة النقاش بأن يضفي على الاختيارات التكتيكية المحكومة بظروف المصلحة والزمن مسحة أخلاقية مزيفة، والحال، كما أظهرت هذه الإدارة نفسها، أن الظروف تتغير وفقاً للمصلحة حتى عندما يتعلق الأمر بمن نسميهم ''الإرهابيين والراديكاليين''، وعلى سبيل المثال يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى التغيير الذي حصل في الموقف الأميركي من كوريا الشمالية من دولة تندرج ضمن ''محور الشر'' في العام 2002 إلى نظام يحرص المسؤولون الأميركيون على التفاوض معه، والأمر ليس لأن كوريا الشمالية لا تستحق أن توصف ''بالشريرة'' -بل إني أعارض المفاوضات الجارية حاليا- لكن ما يقوم به المفاوضون الأميركيون لا يمكن بأي حال اعتباره مهادنة، كما لا يعني أن كوريا الشمالية على وشك غزو بولندا· وبالمثل فإننا لا نستفيد أي شيء بتشبيه ''كيم يونج إيل'' بهتلر، ولا نحقق إنجازاً يذكر باستحضار النازية عند الإشارة إلى بوش، أو ''بلير''، كما أن وصف الأشخاص الذين يريدون التفاوض مع إيران على أنهم المرادف الأخلاقي لحكومة ''فيتشي'' العميلة هو محض هراء· آن أبلباوم كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©