الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة الأوكرانية.. ومسؤولية النخبة السياسية

الأزمة الأوكرانية.. ومسؤولية النخبة السياسية
12 مارس 2014 23:57
من الواضح أن أوكرانيا تترنح على شفير الهاوية، ومرة أخرى يجد الغرب وروسيا نفسيهما محشورين في مواجهة دبلوماسية طاحنة، لكن وفيما ينهمك المعلقون وصناع القرار في مناقشة الرد الغربي المناسب على التحرك الروسي في القرم والحديث عن حرب باردة جديدة، فإنه من الأولى الاعتراف بمسؤولية النخبة الأوكرانية في الصدام الجاري بين الغرب ورسيا. فمنذ سقوط الاتحاد السوفييتي انخرط الساسة الأوكرانيون في لعبة ضرب الغرب وموسكو بعضهما ببعض بهدف انتزاع أقصى قدر من الدعم والتأييد من الاثنين معاً، والنتيجة أنه من غير المرجح انبثاق أوكرانيا مستقرة من الاحتجاجات الأخيرة ما لم تفسح سياسة حافة الهاوية على أسس جيوسياسية المجال أمام التطور السياسي داخل أوكرانيا نفسها، بل سيكون خطأ جسيماً السماح للغة المواجهة السائدة حالياً أن تغرق صوت الإصلاحات الذي علا في ساحة «الميدان» بكييف وعبر عنه المتظاهرون الذين أوقدوا شرارة التوتر الحالي في العلاقات بين الغرب وروسيا. وليست المواجهة الأخيرة الناجمة عن رفض التوقيع على اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي وما ترتب عليها من أحداث سوى حلقة واحدة ضمن سلسلة طويلة من الصراع، ولأن السياسيين في أوكرانيا يدركون جيداً أن الغرب والكرملين غير مستعدين لخسارة بلادهم فقد انخرطت النخبة الأوكرانية في لعبة ضرب كل طرف بالآخر وابتزاز المساعدات منهما معاً. لكن مع الأسف لم تصل أي من أموال الدعم تلك إلى الشعب، أو الدولة، بل شقت طريقها إلى جيوب المسؤولين كما يؤكد ذلك قصر الرئيس يانوكوفيتش وبذخه الفاحش، في حين ظل الاقتصاد الأوكراني يراوح مكانه ويتخطفه الإفلاس. ورغم الإشادة والتقدير اللذين يستحقهما المواطنون الأوكرانيون ونشطاءهم نظير الشجاعة اللافتة التي أظهروها في مواجهة السلطة، إلا أن العديد من رموز المعارضة وقادتها متواطئون في نشوء حالة الفساد والهشاشة السياسية التي تعرفها أوكرانيا، وهو ما يفسر سعي تلك المعارضة وعلى رأسها زعيمتها السابقة، يوليا تيموشينكو، إلى التنصل من أي مسؤولية فيما وصلته البلاد ووضع الأخطاء كافة على عاتق يانوكوفيتش، علماً بأن هذا الأخير لم يكن سوى واحد من السياسيين الفاسدين الذين كرسوا على مدى أكثر من عقدين الانقسام والفساد والسياسات الفاشلة التي قادت إلى العنف في شوارع كييف خلال الشهر الماضي. لكن وبالإضافة إلى مشاكل النخبة السياسية الأوكرانية هناك أيضاً المنافسة الجيوسياسية بين الغرب وروسيا التي حولت البلاد إلى ساحة للصراع، ومع أن الأمر قد لا يكون مقصوداً، إلا أن المواجهة الحالية هي نتيجة منطقية للتوازن الذي سعت إليه أوكرانيا بين الغرب وروسيا واستغلالها للتنافس المحتدم بينهما، فقد أنجرفت واشنطن وبروكسل وراء منطق الحرب الباردة ليتحول التصدي إلى موسكو العامل الأهم في صياغة السياسة الخارجية، يدلل على ذلك أن العواصم الغربية تسابق نفسها للتفوق على الكرملين في دعم كييف من خلال توفير مساعدات اقتصادية سخية. وفي هذا السياق تعهد الاتحاد الأوروبي بتخصيص حزمة من الدعم الاقتصادي وصلت قيمته إلى 15 مليار دولار وفوقها مليار دولار من الولايات المتحدة، وفيما يعتمد وصول تلك المساعدات على اتفاق أوكرانيا مع صندوق النقد الدولي، إلا أنه من المتوقع أن تستفيد «كييف» من مبالغ كبيرة خلال الأسابيع المقبلة. والمشكلة أن المساعدات الاقتصادية والتقنية التي تعهد بها الغرب، وإن كانت ستنتشل الاقتصاد من عثرته، إلا أنها تبقى غير كافية لتحقيق المطلوب وهو إعادة تشكيل الثقافة السياسية الأوكرانية. ولو أن الغرب صادق فعلا في دعم استقرار أوكرانيا، فإن أول ما يجب أن يقوم به هو استغلال الفرصة الحالية ليس فقط لكسب أوكرانيا إلى صفه، بل أيضاً لتدشين نخبة سياسية جديدة تكون موالية للاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه قادرة على إدارة البلاد دون المساعدة المتكررة لروسيا، وأوروبا والولايات المتحدة، وحتى في ظل حالة السيولة التي ما زالت مسيطرة على أوكرانيا لا مناص من الدفع بإصلاحات سياسية حقيقية، لا سيما وأن حظوظ الإصلاح آخذة في التقلص بعد إقدام الحكومة الأوكرانية الوليدة على تنصيب أعضاء من الطبقة الأوليغارشية في مناصب مهمة مثل حكام المحافظات الشرقية، علماً بأنهم مرتبطون بأنظمة الفساد القديمة ومن غير المحتمل أن يشرف رجال الأعمال الفاسدين على عملية الإصلاح. ويجب ألا نستبعد أيضاً إمكانية التعاون الروسي الغربي لإعادة بناء أوكرانيا على أسس صحيحة في المدى القريب، فشركة «غازبروم» الروسية تحتفظ بنفوذ كاسح في أوكرانيا وأوروبا وتتحكم في إمدادات الطاقة إليهما، وإذا كانت روسيا قد أحكمت سيطرتها على القرم، ما يعني أن انسحابها من المنطقة غير وارد، فلا أقل من إقرار نظام فيدرالي واسع يضمن للمناطق الأوكرانية قدراً أكبر من الاستقلالية، بما فيها جزيرة القرم نفسها، على أن تحتفظ موسكو بقواعدها البحرية في شبه الجزيرة واحترام السيادة الأوكرانية، وبدلا من الانغماس في صراع جيوسياسي مع روسيا، أو تعميق الاختلالات السياسية للنخب الأوكرانية، أو حتى التسابق لإغداق المال على البلاد، يتعين على الغرب الوفاء بتطلعات المتظاهرين الذين خرجوا بكثافة إلى شوارع كييف، رافعين مطالب الشفافية وبناء مؤسسات ديمقراطية وفعالة. ‎إيميلي هولاند باحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ‎ربيكا فريدمان باحثة بجامعة كولومبيا الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©