الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثورات العربية... و «الاستقلال الثاني»

7 مارس 2011 22:13
ندخل نحن العرب اليوم مرحلة تاريخية ربما جازت تسميتها بـ«الاستقلال الوطني الثاني». إنها نوع من الاستقلال عن الأنظمة يحول الشعوب إلى مصدر للسلطات جميعاً. وطبعاً لن يتم هذا التحول بضربة واحدة ولكننا نشهد في المرحلة الراهنة الانطلاقة المدوية لهذه التحولات. وكل الانطلاقات تتميز بأنها شاقة ومفاجئة وذلك لأنها تؤسس وعياً جديداً وسلوكاً وتفكيراً مختلفين. لقد أخذ هذا الاستقلال المفاجئ الأنظمة العربية بغتة وعلى حين غرة، وكيف لا يباغتها والأنظمة في معظمها رفضت مبدأ المشاركة ومبدأ الحريات السياسية والإعلامية؟ كما قامت الأنظمة العربية في معظمها على طمس الحقيقة، وإخفاء المعلومات حتى عن نفسها وعزل العناصر المتقدمة في المجتمع. وفي النهاية أصبحت تلك الأنظمة ضحية نفسها، ضحية سياساتها وإعلامها. وفي النظام العربي مفاجآت دائمة كمفاجأة حرب 1967 ومفاجأة عام 1990، ومفاجأة عام 2003 وهكذا. لقد اكتشفت الشعوب العربية من خلال الثورات قدرتها الخلاقة على المقاومة السلمية لتغيير النظام السياسي. واكتشفت قوتها، واكتشف الشبان، وهم غالبية السكان، مكامن تأثيرهم وأن بإمكانهم إسقاط أقوى الأنظمة في مدد زمنية قياسية. وسحب شرعية بعض النظم بالكامل من خلال الإرادة الشعبية، هو ما يميز هذه المرحلة الجديدة. وتكتشف الشعوب أيضاً أنه بمجرد بدء النظام بإطلاق النار على الصدور العارية يتعرى، وتبرز هشاشته، وترفع ضده القضايا الدولية وصولاً إلى المطالبة بمحاكمات وتجميد أرصدة، بل يصبح مخرج النظام أكثر صعوبة مع كل استخدام للعنف ومع كل نشر للموت. إن الثورة تنتصر بمجرد أن يفرط النظام في استخدام القوة. فهناك علاقة طردية بين استخدام القوة وبين سقوط النظم. ونكتشف ونحن في بدايات الإعصار الرملي الأكبر والأهم في تاريخنا العربي الحديث أن الأنظمة العربية تختلف في مدى شرعيتها وطبيعتها. فالأنظمة الملكية تتمتع بنسبة أكبر من الشرعية مقارنة بتلك التي تتمتع بها النظم الجمهورية. فمثلاً حصلت إصلاحات محدودة في المغرب منذ مجيء الملك محمد السادس إلى الحكم وهذا يجعل آفاق الإصلاح الجوهري في المغرب ممكنة، وفي الكويت أرضية الإصلاح ممهدة بفضل قوانين وتشريعات وصراعات سياسية وأرضية شبه ديمقراطية، وستكون الهزات أيضاً في الكويت أكثر انسجاماً مع تاريخها السياسي، فقد قطعت نصف الطريق نحو التحول. وستكون مهمة من لم يبدأوا بالإصلاح من الأنظمة حتى الآن أكثر حيوية، فالتعود على الجديد ليس أمراً يسيراً. وعلى العموم ستصمد الأنظمة العربية الملكية في هذا الإعصار بمقدار ما تقدم على إصلاحات جدية. وذلك سيتطلب من الأنظمة خريطة طريق واضحة وصادقة تسير باتجاه الإصلاحات والديمقراطية المفتوحة والحريات الإعلامية والكرامة الإنسانية. إن مسألة تفعيل آليات التحول وانتقال السلطة ستكون أساسية في المرحلة القادمة للنظم العربية. وربما يتحقق هذا مع نهاية العقد في معظم هذه الأنظمة. ولكن في النظم الجمهورية خاصة سيتم هذا من خلال إسقاط النظم بينما في غيرها يتم تحقيق هذا الهدف من خلال إصلاح النظام. وفي النظم الجمهورية يمكن أن يلعب «الجيش» دور الضامن الأول لعدم تفكك الجمهورية وحماية الانتقال. إن خروج الجيش من السياسة في الدول العربية لن يتم بمجرد تغيير النظام عبر الثورة كما هو الأمر في الوضع المصري، حيث سيحتاج هذا الأمر إلى مرحلة تتضمن الكثير من التنمية والتطوير السياسي والممارسة، وسيتضح هذا بنسبة كبيرة بعد هدوء الإعصار. إن العرب يكتشفون الآن مخاطر الديكتاتورية والمركزية السياسية على ثرواتهم وعلى مستقبلهم وعلى أولادهم وكراماتهم. ولهذا فمن الطبيعي أن يسعوا بعد الإعصار إلى بناء مؤسسات يراقب بعضها بعضاً وبما يؤسس لديمقراطية وحقوق ثابتة ومدد واضحة لرؤساء الجمهوريات تمنع الديكتاتورية. ويكفي أن نراقب أنظمة مبارك والقذافي وبن علي لنكتشف كيف تحولت مركزية السلطة إلى أحد أسباب الفقر والتردي وضياع ثروة المجتمعات. ومن الاكتشافات الجديدة الجلية أيضاً أن الإصلاح الدستوري انفتح على مصراعيه في جميع البلدان العربية، فقد تبين أن الدساتير بالإمكان تغييرها، وأنها ليست مقدسة وخاصة إذا تعارضت مع الديمقراطية والمشاركة الشعبية والحقوق والكرامة الإنسانية. وإذن في الثورات الجديدة ثورات دستورية تؤدي إلى تأسيس حياة ديمقراطية في البلاد العربية. إن من يدرس تاريخ الشرق سيرى أنه أكثر ثورية من أي منطقة أخرى في العالم. أليست الثورات ضد الاستعمار نموذجاً كما حصل في فلسطين في الثلاثينيات وفي الجزائر في الخمسينيات من القرن العشرين؟ أليست التحركات الشعبية في ظل الحركة القومية العربية هي الأخرى نموذجاً آخر؟ أليست الانتفاضات الكثيرة في ظل النظام العربي الراهن مثل انتفاضة فاس عام 1990، وانتفاضة سجن أبوسليم في ليبيا، وانتفاضة الثورة الفلسطينية في الستينيات والمعارضة في لبنان وفي السودان والانتفاضات في العراق وغيرها من الدول العربية تعبيرات عن ثورية الشعوب؟ والحاصل أن هذه مرحلة تحول تاريخية لم يعرف شرقنا العربي مثلها منذ زمن الاستقلال عن الاستعمار. ولهذا تمثل استقلالاً ثانيّاً يؤسس لحضارة عربية أكثر توقداً وأقل استكانة، أكثر تساؤلاً وأقل تبعية، أكثر ديمقراطية ورفضاً للظلم وأكثر تحرراً وتمسكاً بالكرامة الإنسانية. د. شفيق الغبرا أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©