الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية على الطريقة الأوغندية!

7 مارس 2011 22:16
لاشك أن الفوز الحاسم الذي حققه "يوري موسيفيني" في الانتخابات الأوغندية، بصرف النظر عن الاتهامات بتزويرها، سيمد فترة حكمه المستمر منذ خمسة وعشرين عاماً، بفترة خمس سنوات إضافية أخرى، وفي الوقت نفسه قد يضع حدّاً لكافة الافتراضات التي كانت ترى أن رياح التغيير ستهب من شمال إفريقيا عبر صحرائها الكبرى إلى الدول الواقعة جنوبها. ويبدو الأمر في أوغندا حاليّاً، وكأن هذا الرئيس المحنك قد جهز نفسه لرئاسة ذلك البلد مدى الحياة، تماشيّاً مع نمط الحكم التقليدي في القارة. وسيشعر المانحون الغربيون، أو ينبغي أن يشعروا، ببعض الضيق بسبب طول فترة حكم ذلك الرجل الذي ساعدوا على تمكينه. وفي الحقيقة، أن الانتخابات الأوغندية، وقد جرت في العام الحالي الذي ينتظر أن يشهد 17 انتخاباً آخر في إفريقيا، تمثل إطلالة عملية على السياسات الانتخابية في القارة السمراء كما تجري في الواقع. وعلى رغم أن تلك الانتخابات كانت في صالح موسيفيني، إلا أنها ليست بالضرورة في صالح أوغندا، أو المنطقة بأسرها في الأمد الطويل. فالسلطة القائمة على هذا النوع من نظم الرعاية غير قابلة للاستدامة من ناحية، كما أنها تشجع على الفساد، والانتهازية من ناحية أخرى. ويرجع ذلك إلى أنه كلما طالت المدة التي يقضيها حزب ما في السلطة، كلما ذابت الخطوط الفاصلة بينه وبين الدولة، وكلما كان التغيير الذي لابد أن يأتي في نهاية المطاف، مؤلماً. وطالما أن الأمر على هذا النحو، فما هو السبب الذي دعا الأوغنديين لانتخاب موسيفيني، الذي يقود نظاماً اشتهر بفساده، وأتوقراطيته، وأدائه المتواضع في مجال توفير الخدمات والبنية الأساسية، على رغم النمو الكبير في عائداته المالية. لعل من ضمن الأسباب التي أدت إلى ذلك، الحملة الانتخابية الباهتة للمعارضة المنقسمة على نفسها، والتي مزقتها الخلافات في الانتخابات. ففي تلك الحملة، ركزت المعارضة على استغلال المشاعر المناوئة لموسيفيني بدلاً من تقديم رؤية إيجابية لمستقبل أوغندا. وهذا الأسلوب لم يكن ذا تأثير يذكر على القاعدة الانتخابية الأوغندية التي لم يأبه 41 في المئة منها بالتصويت على الإطلاق، في حين فضل 68 في المئة من الذين صوتوا اختيار موسيفيني ربما عملاً بقاعدة "الشيطان الذي تعرفه خير من الشيطان الذي تجهله". وهذا الاختيار لم يكن مفاجئاً. فالنمو الاقتصادي المطرد الذي شهدته أوغندا لم يكن متوازناً، حيث ذهبت معظم ثماره إلى النخبة الحضرية الآخذة في الاتساع، على حساب سكان المناطق الزراعية الفقراء، الذين يمثلون السواد الأعظم من السكان، بيد أن هذا لا يمنع من القول في الوقت ذاته إن هناك جزءاً من ثمار هذا النمو قد تسرب للأسفل ليخفف من حدة الفقر المدقع في معظم المناطق. ومن المعروف أن معظم مطالب الطبقات الدنيا اقتصادية وليست سياسية. فالسكان في المناطق الريفية لا يهتمون مثلاً ببعض أنواع الحقوق المدنية. وهناك حقيقة مؤكدة إلى حد كبير كانت سبباً في الفوز الذي حققه موسيفيني، وهي نجاحه في شراء أصوات الناخبين معتمداً في ذلك على طائفة من الوكلاء مثل قادته العسكريين ووزراء حكومته ووزرائه الإقليميين الذين يقدمون خدمات انتخابية لسكان الدوائر المحلية التي ارتفع عددها من 56 إلى 112. ولكن لا يعني هذا أن أحزاب المعارضة لم تكن، هي أيضاً، تمارس شراء الأصوات.. فالواقع أنها كانت تفعل ذلك. أما العملية الانتخابية (الإجرائية) ذاتها فكانت شفافة بدرجة لا بأس بها، على رغم ما شابها من فوضى، حيث كان يتم عد كل صناديق مركز اقتراع لفرز الأصوات الصحيحة عن الأصوات الباطلة، وبيان أي مخالفات قد تؤثر على النتيجة النهائية للانتخابات. ومن ضمن العوامل الأخرى التي ربما تكون قد ساعدت أيضاً على نجاح موسيفيني أن الجزء الشمالي من البلاد بات ينعم بالسلام بعد طول اضطراب. فبقايا "جيش الرب" المتمرد طوردت إلى البلدان المجاورة، إن لم تكن قد أبيدت تماماً، كما أن عمليات إعادة البناء تجري في هذه المناطق في الوقت الراهن على قدم وساق بدعم مالي من قبل المانحين الدوليين بالإضافة إلى أن التجارة عبر الحدود مع السودان تمر بحالة من الازدهار. وكل تلك العوامل ضمنت لموسيفيني التأييد في الشمال، حيث حصل على حصة كبيرة من الأصوات على رغم الخلفيات التاريخية التي كان يمكن أن تؤثر على تلك الحصة. ويتصل بهذا السبب سبب آخر كذلك، هو أن معظم الأوغنديين يرون أن الحفاظ على السلام والاستقرار الحالي في البلاد، يتطلب وجود رجل قوي في السلطة مثل موسيفيني. وحول هذه النقطة تحديداً يقول المراقبون إن ذلك إن كان صحيحاً في المدى القصير، إلا أنه لن يكون في صالح أوغندا في المدى الطويل. فهذا النوع من الشعبية القائم على شبكة الخدمات الرعوية التي يقدمها الزعيم، وحزبه الحاكم، يمكن أن يغري الرئيس -عندما يحل موعد الانتخابات القادمة بعد خمس سنوات من الآن- بالبقاء في السلطة لفترة رئاسية إضافية بل، وربما يفكر في توريث السلطة لابنه العقيد "ميوهوزي كاينروجابا" ويرى الخبراء أن هذا النظام الرعائي، ذا الميول التوريثية، والقائم على التزوير الانتخابي، وشراء الأصوات، سيظل سمة من السمات المميزة لدول إفريقيا جنوب الصحراء، إلى أن يصبح سكان هذه الدول أكثر تعليماً، وأكثر إصراراً على محاسبة حكوماتهم، شأنهم في ذلك شأن الكثير من شعوب دول الشمال الإفريقي في الوقت الراهن. نك يونج - كامبالا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «أم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©