الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دول الانتحار

8 يوليو 2009 00:18
ارتفع معدل الانتحار في اليابان بنسبة زلزلت المجتمع الياباني، فقد مات في عام 2008، وعلى مدى ثلاثة أشهر بين مارس ويونيو، 200 شخص بالانتحار، في بلد النشاط والإنتاج، وبنفس الطريقة من التسمم بخليط من الماء الأوكسجيني والكبريت، تمت صناعته باستخدام مواد التنظيف المنزلية العادية، بخلطها بمركبات الكبريت من أملاح تنظيف أحواض الحمامات. وصدر في الإنترنت إعلان لهذا المركب بعنوان «الموت بدون ألم»، وعن طريق الاستنشاق. وحين صدر كتاب «المرشد إلى الموت الأمثل انتحارا»، بيعت منه على الفور مليون نسخة! إن نسبة الانتحار في اليابان عالية وقد بلغت 24 شخصا من كل مائة ألف، وكان عدد من انتحر السنة الماضية ثلاثين ألفاً، فكيف يمكن تفسير هذه الظاهرة؟ لقد تقدم المؤرخ الألماني «أودو جراشوف» بدراسة نشرتها مجلة «بي -إم عالم المعرفة» (العدد 6 لعام2009) بدراسة مفصلة عن ظاهرة الانتحار عنوانها «السقوط في قبضة الكآبة»، والأخيرة بدورها محصلة لواقع معين، سياسي واجتماعي، مع تربة نفسية، وأحياناًِ خلطة جينية. لعل أكثر عشر دول ترتفع نسبة الانتحار فيها، حسب إحصائيات «منظمة الصحة العالمية» لعام 2002، كانت اليابان (24 من كل 100 ألف شخص)، وأميركا (22)، وفرنسا (18)، وألمانيا (13). أما إحصائيات عام 2008 حول نسب الانتحار، فتصدرتها ليتوانيا (40)، وروسيا البيضاء (37). لكن ما هي فلسفة الانتحار؟ تعد فلسفة الانتحار عند الإنسان أبرز ما يجعل من الإنسان إنساناً، رغم سوء المنقلب، وهول المنظر، وعدمية النهاية! وفي هذا الكلام تناقض، لكنه الحقيقة الموجعة، فالانتحار هو الإرادة مجسمة، أو لنقل انهيار إرادة الحياة، ولو في الاتجاه الخطأ، ضد غريزة الحياة؛ فالغريزة تقول باستمرار الحياة! لكن الانتحار هو الحياة سلباً، وذلك من باب تأكيد معنى حرية الإرادة! والصوم مثلا يؤكد معنى انتصار الإرادة على الغريزة؛ فلم نسمع عن غير الحيواني الآدمي أنه صام، ولا عن غيره أنه أصيب بالكآبة فانتحر. أما الإنسان فيقدم على الانتحار طائعاً مريداً عجولا! ومن يقدم على الانتحار بشجاعة وجسارة وتهور، هم الشباب في العادة، في قصة حب أخفق، أو ظلام سياسي طوق، أو إحباط ويأس مقيمين، بحثاً عن معنى الحياة أو دليلا على عدم جدواها، فيقدم الشاب استقالته من الحياة، كما فعل «الحاوي» حين رأى سقوط بيروت ودخول شارون بالدبابات في 15 سبتمبر 1982، وكانت أول عاصمة عربية تتعرض لتلك التجربة المريرة، وليس من قوة أو ركن شديد! نعم، الانتحار هو تقديم استقالة من الحياة... وقد تعددت دوافع الانتحار بقدر تعدد الثقافات، من تقدير الانتحار إلى احتقاره، فهو في الثقافة اليابانية إعادة الاعتبار لذات مهزومة، كما فعل الكثيرون مع استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية! أما فيلسوف التنوير الألماني إيمانويل كانط، فاعتبر من يقدم على الانتحار شخصاً جباناً، فوجب للإنسان أن يتحمل مصيره وقدره بشجاعة، فليس الموت والحياة بيده، يأخذها أو يمنحها، بل بيد من خلقها، بارئ النسم من العدم. وهي في الديانات عموماً مرفوضة، لأن الحياة ملك للرب الديان، الخالق البارئ المصور، فهو من يحيي وبيده الخير وهو على كل شيء قدير. مع هذا فقد انتحر هتلر حين رأى أن لا فائدة من الحياة بعد انهيار أحلام الرايخ الثالث، كذلك انتحر غوبلز وزير الدعاية النازي الذي لم ير من فائدة تذكر، بعد تهدم الأحلام على صخرة الحرب الكئيبة. ولم ينتحر غوبلز لوحده، بل معه زوجته، طائعة مختارة، وبناته الست بين استسلام ومقاومة، إذ سقاهن والدهن سم السيانيد؛ فماتت البنات الست في ست دقائق. كذلك انتحر آل غور اليهودي قائد سلاح الطيران الإسرائيلي، الذي كان خلف نكسة يونيو 1967، انتحر بطلقة في الرأس، حين علم أنه مصاب بالسرطان، وهو في طريقه إلى الموت البطيء مع تفاقم الآلام. وسبحان من خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور. الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت. د. خالص جلبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©