الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتخابات الكويت تعيد عناصر التأزيم مع الحكومة

انتخابات الكويت تعيد عناصر التأزيم مع الحكومة
22 مايو 2008 02:12
بعد ساعات على إعلان نتائج الانتخابات في الكويت، كان أحد الفائزين يتوعد باستجواب وزير الداخلية في الحكومة المستقبلية إذا أعيد توزيره في الحقيبة ذاتها· مثل هذا التصريح، -وسواه- خلال الحملة الانتخابية، أعطى مؤشراً سلبياً في اتجاهين: الأول يفيد بأن عدداً من النواب يقبل على المجلس الجديد بروح ثأرية، والثاني أن التعاون بين الحكومة والمجلس مرشح مجدداً للتجاذبات· كان اضطراب العلاقة بين الجانبين سبباً رئيسياً في حل المجلس السابق والدعوة إلى انتخابات جديدة، وقبل أسابيع من اقتراع السابع عشر من مايو، نشرت كتابات عدة تتنبأ بأن المجلس الجديد مرشح للحل أيضاً، والمشكلة، كما يصورها مصدر حكومي بارز، تكمن في ''علاقة المصالح'' التي نسجت من الزمن بين السلطة والنواب· وإذ يحاول الحكم تغيير نمط العلاقة فإنه يصطدم بـ''المتضررين من تحكيم القوانين''، وقال المصدر: إن عدداً من المعارضين المحترمين لم يتردد خلال الحملة الانتخابية في التحدث بإيجابية عن الحكومة، في حين أن ''المتضررين'' إياهم، استمروا في مهاجمتها· لم يخف العديد من المرشحين أن المعركة الانتخابية الأخيرة، اتسمت بتدخل محدود من جانب السلطة والأسرة الحاكمة، ففي انتخابات سابقة كان يسود الحديث عن ''صندوق الأسرة'' الذي يموّل حملات مرشحين معينين لتعزيز فرصهم في الفوز، كما يرفق التمويل بـ''خدمات عاجلة'' تقدم إلى الناخبين، وكان الهدف إيصال عدد كاف من النواب لـ''حماية الحكومة''، لكن هذه الطريقة ما لبثت أن أصبحت تحت الضوء، وكلفت السلطة من النقد والتجريح أكثر مما وفرت لها من حماية، إذ أن المستفيدين غالباً ما ينقلبون أو يعمدون إلى الابتزاز، والأخطر أن هذا الأسلوب أساء إلى العلاقة بين أجنحة الأسرة الحاكمة وأفرادها، إذ لم تكن هناك مرجعية للتوافق على مَن يجب دعمه من المرشحين ومَن تجب محاربته، حتى قيل أحياناً إن ''الشيوخ'' يتنافسون في هذه الدائرة وتلك· هذه المرة، وبعد اعتماد الدوائر الخمس (بدلاً من 25)، وبإلحاح شديد من كبار الأسرة، ومن الحكومة، لم يكن هناك صندوق ولا صناديق، لأن طبيعة الانتخابات قضت بالإحجام عن تحمل ذاك العناء، فالدائرة كبيرة وناخبوها كثر والمنافسة قاسية، إذاً فلا بأس في ترك اللعبة تدير نفسها بنفسها، لكن بعض المصادر يعترف بأن تدخلات محددة حصلت، من دون أن تكون باسم السلطة أو باسم الأسرة، وإنما بشكل مقنن وشخصي ولأسباب معروفة، وقد رُصدت حالة أو حالتان استشفت فيهما ملامح صراع بين طرفين من الأسرة إلا أنهما لم تشكلا سمة جوهرية للمعركة الانتخابية· مع ابتعاد شيوخ الأسرة عن خوض المنافسة -بالوكالة- انبرى العديد من المرشحين لإطلاق الانتقادات للحكومة والمطالبة بتغيير رئيسها تسهيلاً لعودة أسماء معينة إلى الوزارة العتيدة، كان هناك اعتقاد لدى بعض الأقطاب البرلمانيين بأن رأس الحكم راغب في التغيير، وأشيعت حول ذلك احتمالات عدة منها مثلاً، إعادة دمج ولاية العهد ورئاسة الحكومة، وإذ احتدم الجدل في هذا الشأن وجدنا موالين معروفين يحاولون اللعب بخيارات الحكم ولو بأسلوب الغمز والتلميح، كما وجدنا معارضين معروفين يفاجئون الجميع بالإشادة بالحكومة ورئيسها المستقيل الذي أعيد تكليفه، ما يعني أن الحملة الانتخابية شكلت فرصة للتدافع والاصطفاف، وفقاً لخرائط التقارب والتباعد بين أطراف الأسرة الحاكمة· ولعل ما حسم الجدل، نضوج الرغبة على أعلى مستوى في الحكم في أن لا يكون هناك رئيس حكومة سابق، وبالتالي في إعطاء الشيخ ناصر المحمد الصباح كل الفرص لإكمال عمله· يقول محلل سياسي كويتي إن هناك صراعاً بين عقليتين، ليس فقط داخل الحكم والأسرة، وإنما أيضاً داخل الوسط السياسي، الأولى تريد إبقاء الأنماط التقليدية للتعامل ولا تبدي حماساً واضحاً للتغيير، أما الثانية فتسعى جاهدة لزرع روح إصلاحية في ممارسة الحكم وبلورة انسجام بين مجلس الأمة والحكومة، الأولى تعتمد على مبدأ مقايضة الخدمات بالولاء والتبعية الشخصيتين واستثمار ذلك في الصراعات السياسية خصوصاً في اللحظات الحرجة كالاستجوابات، أما الثانية فتجد أن الحاجة أصبحت ماسة إلى تحديث أجهزة الحكم والتشريعات، وإلى تعزيز ثقافة الخدمة العامة واحترامها لتطوير أداء الدولة على كل المستويات· ولذلك فإن ''التناغم'' بين الحكومة والمجلس ضروري ومطلوب، إلا أنه يخضع للتنافس بين مفهومي الإصلاح والصفقات، وبديهي أن دعاة الإصلاح يعرفون أن طريقهم طويل وأنهم لا يزالون أقلية، والمشكلة أن مجلس الأمة، الذي يشكل عنوان ''الديمقراطية الكويتية''، يبدو وكأنه تجمد في قالب معين بات يمنعه من تطوير تلك الديمقراطية· أما الوجه الآخر للمشكلة فيراه المحلل الكويتي نفسه في عجز أجهزة الدولة أيضاً عن الانطلاق في إصلاح حقيقي يفترض أن ينعكس استطراداً على أداء مجلس الأمة· على أي حال لم يكن المجلس الجديد، المنبثق من اقتراع السابع عشر من مايو الحالي، هو المجلس المرتجى، كانت المرة الأولى التي تجرى فيها الانتخابات على قاعدة الدوائر الخمس، وقد تكون الأخيرة، وسينطلق النقاش عاجلاً أو آجلاً للبحث عن صيغة أخرى غير الدوائر الخمس، فلا المرشحون بمن فيهم الفائزون ارتاحوا إليها، ولا الحكومة وجدت في نتائجها ما يمكن أن يؤسس لعلاقة هادئة ومثمرة مع المجلس، أما الناخبون فخاضوا التجربة من دون أوهام ولم يتوقعوا تغييراً جوهرياً، لأنهم ببساطة لم يضعوا التغيير الذي يتوخونه وإنما ذلك الذي قدروا عليه· لكن تغييراً أكيداً حصل، خصوصاً في توزيع المقاعد، ويكفي أن الإسلاميين السلفيين حصدوا ما يقارب نصف عضوية المجلس الجديد، كان المطالبون بصيغة الدوائر الخمس والمدافعون عنها توقعوا أن تخطو خطوة إلى الأمام في تطوير التمثيل الشعبي، كما في تعزيز العمل السياسي ونقل النقاش من شعبوية الخدمات إلى شعبية التشريع، وقالوا إن هذه الصيغة ستفتح الطريق للتنافس على أساس البرامج وسترفع من شأن السياسة على حساب التعصبات كافة، بل كانوا متيقنين بأن الدائرة الكبيرة والأكثر سكاناً ستكون العلاج الناجع لظاهرة شراء الأصوات· لم تكن الدوائر الخمس مرهقة فحسب، وإنما أكثر كلفة وأقل جدوى في التوجه نحو التطوير السياسي، فالأحزاب، أو بالأحرى فكرة إنشاء أحزاب، التي حوربت بحسم ولا تزال تحارب، بددت أي معايير جديدة مقترحة على الناخبين، لذلك برز الانتماء للقبيلة أو للطائفة أو للمذهب فشكل منظومة الاختيار يوم الاقتراع، وحين يجتمع عنصر الانتماء -هذا مع احتمال أن يكون للصوت ثمن أو هوية أو أي مكافأة من أي نوع- فإن كل تردد يزول، حتى إن البعض استنتج وجود قبيلة تاسعة هي ''قبيلة الفلوس''، معتبراً أنها أقواها· وإذا كانت المرجعية القبلية مقبولة في المجتمع الكويتي، والخليجي عموماً، فإن المرجعية العائدة لتيارات دينية ومذهبية باتت مصدر قلق وإرباك، كونها التفّت عملياً على تحريم الأحزاب بمعناها الليبرالي والحداثي، فضلاً عن أنها تتحول شيئاً فشيئاً إلى فروع لنوع جديد من ''الأممية''، كما باتت وعاء أو غطاء لظواهر التطرف في أسوأ الأحوال ولتعويق الإصلاح والتنمية في أحسنها، وأما المرجعية المذهبية فلا تختلف كثيراً، وإن تميزت بارتباط خارجي صار بدوره مصدر خطر· باستثناء ثلاثة أو أربعة من أعضاء المجلس الجديد، وهؤلاء جميعاً من القدامى، فإن هذا المجلس يفتقد بشدة إلى عقول راشدة تهجس بالوظيفة الأساسية لأي برلمان، وهي التشريع، وفيما تعتبر الأوساط الحكومية أن هناك تكتلات قبلية رئيسية يمكن التعامل معها، على رغم الاعتراض الحكومي المبدئي على الانتخابات الفرعية التي جرت مخالفة للقانون، عدا ذلك تعتبر هذه الأوساط أن عناصر التأزم زادت، ما قد يعني أن هذا المجلس لا يدوم طويلاً، ولا شك أن تلويح السلطة بإمكان حل المجلس سيكون له تأثيره، الفاعل، خصوصاً في المرحلة الوشيكة، نظراً إلى الصعوبات التي عاناها المرشحون بسبب صيغة الدوائر الخمس· انطلاقاً من ذلك، تدرس أوساط في الحكم اتباع سياسة مختلفة في إدارة العلاقة مع المجلس، أولاً لحماية الحكومة من التهديد والبلبلة المستمرين اللذين يعرقلان عملها، وثانياً لعقد ما يشبه ''الصفقة السياسية'' مع الإصلاحيين على قاعدة الأولوية لـ''دولة القانون'' وتحصينها، ولا يستبعد أن تبادر الحكومة إلى إطلاق ورشة التفكير في قانون جديد للانتخاب قد تطرح فيها صيغة ''الدوائر العشر'' مع رزمة ضوابط يصار إلى بلورتها والتوافق عليها ليس مع أعضاء المجلس وحدهم وإنما أيضاً مع سائر مكونات المجتمع· عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©