السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شباب الصين وحكومتهم··· انتماء لا تطرف

شباب الصين وحكومتهم··· انتماء لا تطرف
22 مايو 2008 02:13
على الرغم من الطابع المأساوي لزلزال ''سيشوان'' المدمر، إلا أنه قد يكون فرصة لتبديد أسطورة منتشرة على نطاق واسع مفادها، أن الجيل الجديد من الطلبة الصينيين هم ماديون وأنانيون، والحقيقة أنه طيلة الفترة التي قضيتها في تدريس النظرية السياسية بجامعة ''تسنجوهوا'' منذ العام ،2004 لم أجد لدى طلبتي سوى رغبة صادقة لخدمة المجتمع· لذا لم أفاجأ، أن يصطف المئات من طلبة الجامعة -بعد الزلزال- أمام أحد مراكز الصليب الأحمر للتبرع بالدم وأشياء أخرى، فيما قرر آخرون التوجه إلى مكان الزلزال الذي يبعد بأكثر من ألف ميل للمساهمة في توزيع المساعدات على الأهالي والمتضررين، لكن بالإضافة إلى ذلك آمل أن يساهم هذا الحدث في تبديد انطباع آخر مغلوط عن الصينيين يقول بأن الشباب الجامعي معاد للأجانب ويتبنى ميولا قومية متطرفة تدفعه إلى مساندة بلده سواء في الخطأ، أو الصواب· ومع أن الجامعة التي أدرس بها -محافظة- وتعد من أعرق الجامعات في الصين، إلا أن الأجواء العامة بعيدة عن الخط السياسي للسلطات الصينية، فالمحاضرات الأكثر شعبية هي تلك التي تنتقد الصين المعاصرة، كما لا يتردد الطلبة عند الاختلاء إلى أنفسهم في التعبير عن ضيقهم وإحباطهم من الرقابة الممارسة على الإنترنت وانتقادهم للدعاية الرسمية، وفي الصف كثيراً ما تكون مواقف الطلبة متشككة في السلطات فأضطر معها إلى تقديم مواقف ''مساندة للحكومة'' لتحقيق بعض التوازن في وجهات النظر، وفي هذا السياق كنت أحاضر، مباشرة بعد أحداث ''التبت'' في شهر مارس الماضي، حول أفكار ''لوك'' التقدمية عن الديمقراطية الدستورية، فسألت عما إذا كان ''حق التمرد'' يبرر استخدام العنف من قبل سكان التبت ضد الحكومة، لكن حرصاً على وقت المحاضرة أغلقت باب النقاش ولم استزد، وفي الأسبوع التالي ناقشنا مفهوم الحرية لدى ''إسحاق برلين''، فأشار أحد الطلبة إلى غلاف مجلة ألمانية أظهرت الدوائر التي تمثل رمز الألعاب الأولمبية في صورة الأسلاك الشائكة، ومرة أخرى وجدت نفسي مضطراً لإنهاء النقاش قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، ومباشرة بعد زلزال ''سيشوان'' أخبرني أحد الطلبة بأن الكارثة كانت عقاباً إلهياً وبأنه يتعين على الحكومة تعويض المتضررين، فيما قال لي آخر إن الحكومة حجبت أنباء توقعت حدوث الزلزال لأنها لم ترد أن يؤثر ذلك سلباً على الأجواء الإيجابية لتنظيم الألعاب الأولمبية، وبعد أيام على ذلك كنت سأحاضر حول نظرية العدالة للمفكر ''جون رولز''، غير أن حجم خسائر الزلزال وقتها بدأت تتكشف، كما بدأت تظهر حدة الكارثة في المناطق المنكوبة، فزارني أربعة طلبة قبل بدء المحاضرة وأبدوا شكوكهم حول مناقشة قضايا نظرية وإشكاليات مجردة وطلبوا مني تقديم أمثلة ملموسة تتناسب والظرف الذي تمر به البلاد، لذا حاولت جاهدا أن أقدم مثالا ملموساً للطلبـــة يناقشونــه ومن ثم يتم التعامل معه وفقـــاً للنظريات المقررة· وهكذا استقر رأيي على مثال جيد -كما خيل إليّ- فحسب المفكر ''رولز'' يتعين على الدولة الاهتمام أولاً بالأكثر تضرراً من أفراد المجتمع، لكن أي مجتمع يقصد؟ وهل تمتد واجبات الدولة والتزاماتها خارج الحدود الوطنية؟ فعلى سبيل المثال تسبب الإعصار الذي ضرب بورما في مقتل عدد من الناس يفوق ما تسبب به الزلزال في الصين، فهل يتعين على الصين مساعدة المنكوبين في بورما حتى لو كان ذلك على حساب تقديم الإغاثة لضحايا الزلزال من الصينيين؟ عندما انتهيت من طرح الأسئلة خيم سكون مطبق على القسم إلى درجة أني استشعرت في الأجواء بعض مشاعر العداء، وأخيرا تطوع أحد الطلبة وقال إنه يتعين على الحكومة مساعدة الصينيين أولا، وعندما سألت لماذا؟ أجاب طالب آخر بأن الأمر طبيعي لأن الضحايا هم صينيون، وعند إلحاحي على تلقي المزيد من الأسباب المقنعة ارتفع صوت الطلبة، مشيرين إلى أنه لا توجد مؤسسة في العالم تلتزم بمبادئ ''رولز'' حول العدالة، وبأن الشعب الصيني يدفع الضرائب إلى الدولة لذا هي مجبرة على تقديم خدمات له، وبأن الشعب الصيني لا يستطيع مساعدة بورما حتى لو أراد ذلك· وفي مرحلة من المراحل قلت للطلبة إن الحكومة في بورما سيئة للغاية وبأنه يمكن للصين أن تضغط عليها لفتح المجـــال أمام فرق الإنقاذ الدولية، لكن الطلبة أصروا أن النظريات الليبرالية لا تتماشى مع واقع الصين، وعندمـــا هممـــت بالرد بأن المبادئ الكونفوشيوسية الراسخة في الصين يمكنهــــا أيضا تبرير التدخل لمساعدة المنكوبين والمضطهدين دق الجرس وانتهت الحصة، وتدافع الطلبة إلى الخارج دون أن يصفقوا كما جرت العادة بعد انتهاء المحاضرة· وعندما رجعت إلى البيت أدركت أني ربما قد أكون تجاوزت قليلا في مناخ تطغى عليه مشاهد القتلى والدمار فأرسلت رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى القسم اعتذرت فيها عن المثال الخاطئ الذي قدمته، وقلت ''إنه جيد أن يساعد الطلبة جهود إغاثة الضحايا ولم أقصد أن يختار الناس بين مأساتين''، بعدها رد عليّ أحد الطلبة موضحاً ''لم يكن المثال غير لائق، إننا فقط لدينا شعور قوي بالانتماء''· والحقيقة أن ذلك شعور منطقي في أوقات الأزمات والكوارث، لم أتمكن، رغم تقديري للصينيين، من إدراكه وتفهم وجهة نظر الطلبة· والحال أن رد فعل الطلبة قد يكون مرتبطاً بالتوقيت، إذ تخيلوا أستاذاً جامعياً في نيويورك بعد هجمات 11 سبتمبر يقول للطلبة إنه من الأفضل توجيه المساعدات إلى الخارج بدل ضحايا الاعتداءات، فربما صرخوا في وجه وطردوه من قاعة الدرس· دانيال بيل أستاذ النظرية السياسية بجامعة تسنجوهوا الصينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©