الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأدب في إيران.. جدل المحرَّمات

الأدب في إيران.. جدل المحرَّمات
9 يوليو 2009 01:29
ليست الحدود الجغرافية ولا الخلافات السياسية وحدها هي التي أدت إلى الانفصال بين العالمين العربي والإيراني، بل ثمة أيضاً حدود نفسية وثقافية ومعرفية فعلت فعلها في هذا السياق، ما منع حصول أي تقارب حقيقي على المستوى الثقافي، فظل الجهل قائماً لدى كل طرف بما لدى الآخر, وما من شيء مثل الترجمة المستقلة تماماً، المنزهة عن الأغراض والأهداف القبلية يعمل على جَسر الهوة وإيجاد وسيلة اتصال معرفية وتبادلية بين الثقافتين تمحو ما تراكم من سوء الفهم والشكوك والاتهامات في العصر الحديث، أو على الأقل تجعل الاختلاف واعياً ناجماً عن معرفة بالآخر لا عن جهل به. شهـيرة أحـمد إذا كانت الظروف السياسية مسؤولة بشكل أو بآخر عن هذا الانفصال أو البعد بين العالم العربي وإيران فإن المؤسسة الثقافية الرسمية تتحمل غير قليل من هذه المسؤولية، فالمثقف العربي لا يكاد يعرف شيئاً عن ثقافة إيران أو تركيا (ينطبق هذا أيضاً على المثقف الإيراني والتركي) اللتين تجاورانه، ولهذا تظل العلاقة بينهما علاقة جوار لا حوار، في حين لو توفرت مثل هذه المعرفة الدقيقة فلربما أسهمت في أن تكون صورة الآخر أقل تشوشاً وأكثر عمقاً، وهنا تكمن أهمية الثقافة والأدب والفن بوصفها منصات مثلى للحوار الفاعل، القادر على فهم الآخر، وصياغة صورة أكثر واقعية وصدقية عنه. هل نبالغ لو قلنا إن من شأن الثقافة أن تفسر ما جرى مؤخراً في إيران التي تشهد حراكاً داخلياً لا يخفى على أحد، بل إن بين المراقبين ما يعزو الأمر برمَّته إلى حراك ثقافي وليس سياسياً فقط، مردّهُ نوع من المراجعة الفكرية للنموذج الفكري الإيراني في مستوياته المختلفة. انتباهات أولى ثقافياً، يجري، غالباً، اختزال الأدب الإيراني في الأدب الفارسي، ولعل السبب هو عدم معرفة التركيبة القومية في ايران التي تضم قوميات أخرى كالأكراد والأتراك والتركمان والبلوش والعرب الأهوازيين ولكل منهم أدبه أيضاً، لكن الأدب الفارسي الذي يشكل الفرع المهم والرئيس من الأدب الإيراني هو ما نعرفه بسبب تاريخه الخاص، ولأن اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية، وبها صيغت التحولات الأدبية والفكرية، تلك التحولات التي شملت الشعر أولاً ثم انسحبت على النثر وتركت عليهما بصمات شكلت فيما بعد السمات الكبرى للأدب الإيراني. تلك هي الانتباهة الأولى في المشهد الثقافي الإيراني، أما الانتباهة الثانية فتقودنا إليها قراءة الإبداع القصصي والروائي الإيراني (في بداياته) وهي وجود صورة سلبية للعربي تحضر في معظم أعمال الفترة المبكرة التي شهدت تنامي الشعور القومي لدى الإيرانيين، واعتبر فيها العربي وقتها رديفاً للآخر الغربي (العدو)، والغريب أنها موجودة في أعمال كثيرة ولدى كتاب لا يتوقع المرء منهم نظرة شوفينية إلى الآخر، أي آخر، فما بالك بالآخر الجار أولاً والمسلم ثانياً. ففي أعمال كتاب كبار مثل صادق هدايت و محمد علي جمال زاده وصادق جوباك وشاه رخ مسكوب و ميرزا آغاخان كرماني وغيرهم، لا تختلف صورة العربي كثيراً عن تلك الصورة النمطية التي تحضر في كتابات الرحالة والمستشرقين الغربيين، وتعكس جهلاً فاضحاً بالشخصية العربية وسماتها وعاداتها، وأعتقد أن على المثقف الإيراني والعربي أيضاً واجب تصحيح هذه الصورة، وإعادة قراءة وصياغة هذه العلاقة الملتبسة بين (العرب) و (الفرس) التي تؤدي غالباً إلى استنتاجات غير دقيقة بالمرة. بل وإعادة النظر في مفهوم «الذات» وهي تتجلى في مرآة الآخر. فقد شهدت الثقافة الإسلامية ذهبية برز فيها نوع من التثاقف أساسه الاعتراف بالآخر والقبول به، وأسس لعلاقة وطيدة بين الأدب العربي والأدب الفارسي، كان من ثمارها عشرات الأسماء المهمة في حقل الشعر على سبيل المثال، وعرفنا فيها الخيام والشيرازي والرومي وغيرهم. أما الانتباهة الثالثة فهي أن الأدب الإيراني يعاني مشكلات تشبه إلى حد كبير مشكلات العالم العربي، لجهة صعوبات النشر وتراجع القراءة بسبب الأمية والانشغال في تدبير شؤون الحياة اليومية، يضاف إلى ذلك أن الرواية الإيرانية ما تزال أسيرة التقليد، ولم تنجز خصوصيتها الفنية فيما نجح العرب في تحقيق شيء من هذه الخصوصية. وفي ذلك يقول الكاتب والناقد والمترجم عبد العلي دستغيب إن الرواية الإيرانية تقليد لأعمال عالمية وتفتقر إلى الكثير من الأصالة وتشكو من الانتشار أيضاً، ويضيف: «أكثر رواياتنا تقليد ومحاكاة، بدلاً من قراءة رواية «سيمفونية الموتى» لعباس معروفي، عليّ أن أقرأ «الصخب والعنف» لفولكنر، لأنها العمل الأصلي الذي قلّده معروفي، أو بدلاً من قراءة «ثريا في حالة إغماء» لإسماعيل فصيحي، عليّ أن أقرأ رواية «ثم تشرق الشمس» لأرنست همنغواي، والأفضل من قراءة «البواب» لدولت آبادي، أن أقرأ رواية «الدون الهادئ» لشولوخوف. القصة من جذورها بدأت القصة في إيران كما في دول عربية عديدة قبل الرواية، بل ومعظم كتاب الرواية الأوائل هم من كتاب القصة القصيرة أو الشعراء الذين أغراهم هذا الفن واتسع لطروحاتهم وتساؤلاتهم. وهكذا يجد الباحث نفسه أمام الكثير من الأسماء والتجارب التي تتكرر عند تناول جناحي النثر: القصة والرواية، فضلاً عن تشابه الموضوعات والمضامين إلى الحد الذي يجعل من الصعب الفصل بينهما فصلاً تاماً، والمائز الوحيد هنا هو الشكل والتقنيات الفنية. يعتبر محمد علي جمال زادة رائد القصة الإيرانية، واشتهر على وجه الخصوص بمجموعته القصصية «يكي بود يكي نبود» أي «كان يا ما كان». لكن الفضل في كتابة أول قصة فنية بالمعنى المتعارف عليه يعود إلى صادق هدايت الذي اتسعت قصصه أيضاً لهموم المهمشين وحملت مناخاً كافكاوياً وتأثرت بالوجودية. حدث ذلك في فترة يقول نقاد الأدب الإيرانيون إن النثر الفارسي وقع خلالها تحت هيمنة الرواية والقصة القصيرة، في إشارة إلى الأهمية البالغة التي حظي بها النثر لدى المثقف الإيراني منذ بدايات القرن الماضي. ويبدو أن القصة الإيرانية المعاصرة استفادت من المنجز الغربي، فبرزت قصص الواقعية الاشتراكية حاملة هموم الطبقات الفقيرة كما عند صادق جوبك وجمال مير صادقي، والقصص الرمزية والقصص التي تنحو نحو النقد الاجتماعي والسياسي كما في أعمال إسماعيل فصيحي، وعلي أشرف درويشيان، والقصة الفانتازية التي برعت فيها شهرنوش باريسبور، والتي يقال إنها تنسج نسخة إيرانية مما يسمى الواقعية السحرية، والقصة السوريالية وما فيها من عذابات ومصائر عبثية كما عند بهرام صادقي. ونجد في قصص نسيم خاكسار (قاص وشاعر وكاتب مسرحي وروائي) وأحد أشهر الكتاب المعاصرين لمرحلة ما بعد الثورة الإسلامية، أشواق الفرد المفتون بالانعتاق والباحث عن الحرية. فيما يعد محسن مخملباف، الاسم اللامع في سماء السينما الإيرانية حالة إبداعية خاصة، فهو قاص وروائي وسينمائي وواحد من الأصوات الموهوبة التي ظهرت في المشهد الإبداعي الإيراني بعد الثورة الإسلامية، فقدم توليفة نجحت في الإمساك بخيوط الإبداع وكتب عدداً من الروايات حوّلها بنفسه إلى أفلام سينمائية ناجحة. وفي القصص تنعكس العوالم الاجتماعية ومظاهر الحياة الحالية، وهموم المرأة وغيرها. وتوجد في إيران قاصات منهن: فريدة خردمند، مهين دانشور، منصورة شريف زاده، ناهيد طباطبائي، طاهرة علوي، بوران فرخ زاده وسواهن. الباحثون عن الحرية تنعكس في الرواية صورة المجتمع الإيراني بكل تجلياته، وتتجسد ملامح الحياة في مستوياتها المختلفة، وتبرز في الأعمال هموم اجتماعية وسياسية وفكرية ووجودية بل ونحَت كثير من الروايات نحو الحياة الشخصية أو سرد اليوميات. وتاريخياً، يعتبر صادق هدايت الأب الروحي للرواية الإيرانية فيما تعتبر روايته الأولى «البومة العمياء» المكتوبة في العام 1939 لدى مؤرخي الأدب ونقاده بداية الرواية الإيرانية، وهي أول رواية باللغة الفارسية بالمعنى الفني والأدبي للرواية، وهي بميزان النقد أكملت شرطها الروائي، ونشرت هذه الرواية في الهند وأعيد طبعها في إيران وترجمت الى أكثر من لغة من بينها العربية. إلى جانب هدايت يقف روائي آخر من المؤسسين هو بزرك علوي (1903 ـ 1997) صاحب رواية «عيونها» الذي استهوته الأفكار الاشتراكية وسجن ثم هرب من إيران في الخمسينيات من القرن الماضي وعاش منفياً ما بقي من حياته، وله عمل بعنوان «الرواية» لم ينشر إلا بعد وفاته ولعل السبب في عدم النشر أنها حملت نقداً لاذعاً للحزب الشيوعي الإيراني (تودا) الذي كان عضواً في لجنته المركزية. ومن جيل المؤسسين إلى الجيل الحالي مرت الرواية الإيرانية بتجارب كثيرة، لكن أهمها قيود القمع والرقابة التي تتنوع وتتزايد (تابواتها ومحرماتها) يوماً بعد يوم، ما دفع كتاباً كثيرين إلى الهجرة لممارسة ما يرونه حقهم في التعبير عن رؤاهم بحرية، بعيداً عن العداء شبه المعلن تجاه الأدب الحديث، ذلك العداء الضاغط، شديد الوطأة بحيث يجعل الكتابة عملاً شديد الصعوبة لأنها كتابة تحت التهديد. فروائي مثل أحمد محمود (1931 ـ 2002)، عانى من مشاكل الرقابة في عهد الشاه والعهد الحالي وتعذر طبع روايته «الجيران» التي أنجزها عام 1966 طوال 27 سنة مرة لأنها (شيوعية) في عهد الشاه، ومرة لأنها (مبتذلة وخليعة) في ظل الحكم الإسلامي. أما رضا برهاني فتم تجاهله وتغييبه تماماً، وقد اختفت كل رواياته من المكتبات، كما لم يتمكّن من إعادة طبع أيّ منها. ولم يكن الحال أحسن مع أمير حسن جهل تن، من أبرز كتّاب الجيل الحالي، فقد خاض صراعاً مع الرقابة لإصدار روايته «روضة القاسم» ومجموعتيه القصصيتين: «صيغة» و«دخيل على الشباك الفولاذي» اللتين طبعتا في ألمانيا. ومثله عانى هوشنك كلشيري الذي تصدى للاستبداد على مدى 30 عاماً، وكتب عدداً من أفضل القصص القصيرة في الأدب الإيراني. اعتُقل مرات عدّة في عهد الشاه، وفصل من الخدمة عام 1981 إبّان الثورة الثقافية، وصودرت كتبه، واضطر إلى نشر روايته «كتاب الجن» في السويد عام 1977، ومن رواياته «الأميرة احتجاب» و«المرايا ذات الأبواب» و«ملك الذين داهمهم الظلام» ومجموعة قصصية بعنوان «مذبحي الصغير» و«كالعادة». ويعتبر دولت آبادي حالياً أشهر الروائيين الإيرانيين الأحياء. رواياته التقليدية تصور التطورات الاجتماعية وانعكاساتها على حياة الناس، ومن بين رواياته تعتبر «كليدار» هي الأهم. وفي أعمال شهريار مانداني بور خاصة روايته «تكسير الأسنان المتحجرة « ثمة معالجة فلسفية لفكرة التراث والماضي والتاريخ، وفيها عوالم الفقر والمرض والعزلة لأناس يعيشون في بيوت من خيوط العنكبوت. أما «حدائق آناهيتا فيروز المسورة» والمكتوبة باللغة الإنجليزية فتسرد وقائع حياتية صارخة في إيران الشاه، مستحضرة أعمال عنف وقتل وتعذيب وملاحقات الأجهزة السرية. ومن بين الأسماء الروائية المهمة سيمين دانشو صاحبة «النادمون»، وفطينة حاج سيد جفادي صاحبة «صباح سكّير»، وفاريبا فابي صاحبة «طيري» والحائزة على ثلاث جوائز إيرانية، وآذر نفيسي صاحبة الرواية المشهورة «مطالعة لوليتا في طهران»، وآزاده معاوني صاحبة «أحمر شفاه الجهاد»، وناصر زرفشان، ورضا أصلان، وغزال أوميد، وناهيد رشلان صاحبة رواية «بنات طهران». ورغم أن دور النشر الإيرانية تصدر كل عام عدداً من الأعمال الروائية الإيرانية، وخلافاً للأنواع الأدبية الأخرى تعتبر الرواية «كعب إخيل» أو الحلقة الأضعف في الثقافة الإيرانية المعاصرة. فبالرغم من المحاولات التي يبذلها الجيل الجديد من الكتاب الإيرانيين الا انهم لم يتمكنوا من بلوغ المستوى الذي وصل إليه الأدب الفارسي الكلاسيكي، ولم يحقق أي منهم شيئاً من الشهرة العالمية التي حققها عمر الخيام وحافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي وجلال الدين الرومي وغيرهم بفضل أدبهم وشعرهم الانساني الرفيع. ويمكن للمرء أن يقف على سبب ذلك لدى اللغة، فاللغة الفارسية باتت لغة محلية ووقفاً على الإيرانيين وبعض القراء من القوميات الأخرى مما حرم الرواية من الانتشار، بالإضافة إلى الاقتصار على كتابة رواية مماثلة للرواية الغربية وتقنياتها من دون البحث عن تطويرها أو صبغها في الجوهر بخصوصية فنية إيرانية. الكتابة باللون تحكم نظرة الفنان التشكيلي الإيراني الإبداعية إلى الكون والإنسان والطبيعة مجموعة من القيم الفنية التي غالباً ما يجري تصويرها، في صيغ تعبيرية متعددة، وفي أسلوبيات متنوعة، وتتجلى في الصبغة الفلسفية والتساؤلية التي تسم المنجز الفني المعاصر، والميل إلى توظيف الأساطير والرموز الإيرانية القديمة التي يستنطق الفنان عبرها انشغالاته الفكرية وهواجسه الوجودية وهو يمضي باحثاً عن حكمة ما تفسر له ما يجري حوله في الحياة المعاشة. فالفنانون الإيرانيون مثل غيرهم يطرحون على العمل الفني اقتراحات جمالية شتى، ويحملونها الكثير من الفيوض الروحية والنفسية، والدلالات الاجتماعية والفكرية، والأحاسيس التعبيرية التي تقترب أو تبتعد، بهذا القدر أو ذاك، عن المدارس والأساليب الفنية واتجاهاتها الكبرى أو مفاهيم التراث الفني العالمي تقنوياً، فيما تعكس مضمونياً موضوعات عديدة، قديمة ومعاصرة، مجسدة الهموم الفردية والمجتمعية، وحتى الحيوات الشخصية للفنانين، مستلهمة الفن الشعبي والتراث الوطني الفولكلوري والموروث الديني ومشاهد الحياة الإيرانية بأساليب تعكس خصوصية الفنان وذاتيته الحضارية. وفي تضاعيفها اللونية ومنعرجاتها الخطية، تعكس الأعمال المعاصرة، نزوعاً جلياً للبحث عن هوية معاصرة لا تعلن القطيعة التامة مع الموروث الفني الإيراني القديم ولا تقع في الوقت نفسه في النمطية الفكرية و«تابواتها» التقليدية حول الفن. ويبدو أن الفن التشكيلي في إيران، كما السينما، تمكن من أن يجد لنفسه مكانة وسطى تمزج بين الأصالة والمعاصرة محققاً نوعاً من التعايش بين «المرغوبات» المفروضة على بعض أشكال العمل الفني من جهة وعدم السقوط في فخ الرسمي أو التضحية بالشرط الجمالي من جهة ثانية. لكن هذه «المصالحة» مع الهوية لم تتحقق بين يوم وليلة، فقد شهدت الساحة الفنية في إيران منذ خمسينيات القرن الماضي صراعاً حاداً مع المدارس الفنية الغربية مع ما عرف بفناني «السقاخانه». وهي مدرسة أسسها فنانون من أمثال برويز تناولي، وصادق تبريزي ثم استمرت مع فنانين أكثر شباباً مثل: شهريار أحمدي، آزاده رزاق دوست، هورا يعقوبي، باربد كلشيري، رضا عابديني، شيده تامي، بعد أن أضافوا لها وألبسوها ثوباً معاصراً، حيث استخدم الفنانون المعاصرون الخط كشكل جمالي أو مفردة بصرية، بعيداً عن دلالاته الكلامية أو حمولات العبارة التي غالباً ما تشكل عصب العمل الذي يستخدم الخط وحكمته المعلنة. وتظهر أعمال هؤلاء الفنانين بشكل جلي تجليات فنّ الخط الفارسي (نستعليق) في اللوحة الإيرانية المعاصرة، هذا الخط الذي ينظر إليه تاريخياً بوصفه «الإضافة الفارسية للخط العربي». إلى جانب المدرسة الحروفية تبرز على الساحة التشكيلية في إيران مجموعة من الاتجاهات الرئيسية كالواقعية والتجريدية والتبسيطية والوصفية والتعبيرية بالإضافة إلى الفن التركيبي والمفاهيمي والفن الرقمي والعروض الفيديوية. ومن أشهر الفنانين المعاصرين الفنان الواقعي أيمن المالكي الحائز جائزة أفضل فنان عالمي والذي تتبدى في لوحاته جماليات التلوين الزيتي وغناه وثرائه الفني، ومرتضى كاتوزيان صاحب الأعمال الغرافيكية المغايرة والمتميزة بين شبيهاتها من التجارب، والفنانة غلناز فتحي التي تستلهم أعمالها من الموسيقى ثم تجسدها في تشكيلات حروفية بصرية، ونرجس هاشمي التي تميل إلى المدرسة التعبيرية، وعلي رضا معصومي الذي يستلهم أعماله من الطبيعة وإشراقاتها اللونية والرموز الفارسية، والفنان التبسيطي وحيد حكيم الذي يستلهم أعماله من الصحراء في صلابتها وليونتها، وركن الدين هريزاده الذي يبحث عن «قصة فنية حديثة» في الموروث الفني والحكائي القديم، وأفشين بير هاشمي المولعة بقصائد جلال الدين الرومي وتوظيفها في أعمالها، وشهناز زهراب التي تبحث في أعمالها التركيبية عن الأسئلة الكبرى وتحاول فك ألغاز الوجود والخلق والتكوين ومصائر البشر ومآلات الحياة ومحدودية المعرفة وغيرها مما يظهر علاقتها بالفلسفة الإسلامية. وهناك فرهد موشيري ومهرداد جمشيدي وفنانا الفيديو أميرالي قاسمي وأحمد ناداليان اللذان يستخدمان آلة عرض لتجسيد الحياة المعاصرة في إيران بالصور. علاوة على عناية ناداليان بالبيئة وشجونها وما تتعرض له من تخريب على يد الإنسان. ويبدو أن الفن التشكيلي، في إيران يحقق نجاحات، وأن الحراك الثقافي على هذا الصعيد بات مزدهراً في السنوات القليلة الماضية. ما جعل النحات الشهير برويز تناولي يعوِّل على ما يمكن أن تحققه المعارض الخارجية من «انعكاسات إيجابية»، بل وأن يأمل في أن «يكون في إيران يوماً ما 10 أو 15 فناناً لهم وزنهم على المستوى العالمي». ويبدو أيضاً، أن ما يجري في ساحات فنية عربية وعالمية يجري في إيران، حيث برزت «طبقة من الميسورين» تقتني الأعمال الفنية بأسعار باهظة وتسهم بالتالي في رواج الفن. فبعيداً عن التوترات السياسية التي تعصف بإيران بسبب برنامجها النووي أو الصعوبات الاقتصادية التي تجتاح العالم، يشهد الفن الإيراني المعاصر «فورة» واضحة أدت إلى مضاعفة أسعار اللوحات 20 أو 30 مرة، وفق تقارير لوكالات أنباء وصحف عالمية، وهو الواقع نفسه الذي تكرر في أكثر من مزاد فني في أوروبا وأميركا، كما شهدت روسيا ظاهرة مماثلة منذ سنوات عدة ثم الصين والهند وسوريا. هل هي الرغبة في رؤية نوع الفن الذي يجري إنجازه في «إيران الإسلامية»، بكل ما تحمله العلاقة بين الفن والإسلام في نظر الغربيين تحديداً من «تشويش وتهويمات»؟ أم هو غموض الشرق وقد أضيف إليه «غموض» جديد يتمثل في «التشادور والحجاب» يحرض على رغبة الاكتشاف؟ أم أنها مجرد «هجمة مليونيرية» يرى أصحابها أن الاستثمار في الفن «أرْبَح» من الاستثمار في العقارات أو المشروعات التجارية والصناعية؟! وهل أصبح الفن حقلاً استثمارياً «مغرياً» وربما «بديلاً» يحقق فيه الأثرياء أرباحاً قد لا يجدونها في البورصات المنهارة؟ وهل تقوم «رياح» الفن المواتية وهي تعوض ما ذهبت به «زوابع» الاقتصاد بتصحيح وتعديل الصورة وتحقيق ولو الحد الأدنى من المعرفة بالآخر؟!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©