الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرف التراثية القديمة إيقاع فني دائم التوهج

الحرف التراثية القديمة إيقاع فني دائم التوهج
9 يوليو 2009 23:53
في زاوية من مدينة مدهش تتربع لوحة تراثية بأصالتها ودفء جدرانها، تشيد مشهداً حياً على إيقاع وأهازيج الماضي الماثل أمامنا، يعيد للأذهان الحياة البسيطة التي لمست شغاف قلوب كل من تحسس المشغولات الحرفية المسجلة كموروث شعبي تراثي، وكرافد تاريخي هام لسكان المنطقة. فقد دعت حاجة المرء للبحث عن الأدوات والوسائل المتوفرة في بيئته سعياً وراء تأمين احتياجاته آنذاك. وجلست النسوة وهن منهمكات يداعبن الخيوط القطنية لينتجن شرائط من التلي، ومنهن من زاول حرفة السفة، أي نسجن من خوص النخيل بعض مستلزمات الحياة قديماً، إلا أنَّ هذه الصورة أصبحت ماثلة لنا الآن، وبشكل خاص في أحضان الهيئات والجمعيات المعنية بالتراث، ومازال أباؤنا الذين مارسوا هذه الحرفة، تمتلكهم رغبة في إظهارها والتعريف بها وغرس مفاهيمها في حقول اهتمام الأبناء. البيئة الجاذبة جلست الوالدة شيخة أحمد عبيد، وهي تعانق بأناملها خيوط التلي لتنتج جديلة متناغمة بين الخيوط القطنية والخوص الفضي، وتقول: كان للبيئة دور بارز في صقل جوانب هامة من شخصيتنا، وتنميتها اجتماعياً ودينياً ومهنياً، فكانت النسوة يجتمعن ويتجاذبن أطراف الحديث في مجمل القضايا التي تمسهن، وهن لا يكففن عن متابعة مشغولاتهن وحرفهن اليدوية. هذا الملتقى اليومي كان له أكبر الأثر علينا ونحن صغار، بتعلقنا بهذه الحرف، ومحاولة تقليد أمهاتنا اللاتي بادرن إلى تعليمنا فنون الحرف خطوة بخطوة. ولو تتبعنا أدوات هذه الحرفة لوجدنا أن أدواتها بسيطة جداً، يمكن تجهيزها من خلال بعض المواد المتوفرة في البيت، من هذه الأدوات الكجوجة، وهي القاعدة المعدنية التي تحمل الوسادة، وعادة ما تأخذ شكل قمعين معدنيين متقابلين، تستند عليها الوسادة الاسطوانية الشكل المحشوة بالقطن، وعليها تثبت الخيوط القطنية البيضاء، وخيوط من الفضة التي كانت تشترى قديما بمقدار «التولة»، ولكن الأمر اختلف الآن، مع انتشار أنواع وألوان مختلفة من الخيوط، حيث صار يُستخدم الآن خوص فضيُ اللون، ومنه الذهبي والملون، وعادة ما تثبت هذه الخيوط بواسطة الدبابيس. كما أدخلت خيوط ملونة بدل الخيوط البيضاء مثل خيوط البريسم، وهي حريرية، وخيوط الزري الفضية والذهبية. ويسمى التطريز البسيط الذي يوضع على ياقة الكندورة والأكمام بالفاتلة، أما البادلة، وهو نسيج التلي وسميت بذلك لإمكانية استبدالها إذا اهترأ «الخلج»، وهو السروال، بحيث تركب البادلة على قطعة أخرى. وهذا العمل يتطلب دقة وصبراً، وهو ما يدفع بعض الفتيات إلى عدم الرغبة في الاستمرار في هذه الحرفة التي يشوب ممارستها بعض الصعوبة، خاصة في بداية الأمر. إلا أنني دائماً ما أحرص على تشجيع بناتي على ضرورة حفظ هذا المورث وحمايته من الاندثار، بتلقينهم أصول هذه الحرفة في أوقات فراغهن. ماض جدير بالاعتزاز في زاوية أخرى بادرتنا الوالدة عائشة خميس بالترحاب، وقدمت لنا الرطب وفنجان القهوة، قبل أن تقول: إن وجود مثل هذه التظاهرات الاحتفالية مهم جداً لإبراز جانب من ماضينا الذي نفخر به دائماً، ونعرف عليه زوارنا وأبناءنا الذين أخذتهم مظاهر التمدن والتطور عن الالتفات إلى حرفة الأجداد، ومن خلال تواجدي هنا حرصت على إبراز جانب مغاير من ِحرف الأخريات، وهي حرفة السفة التي تتم من خلال تجهيز خوص النخل بما يسمى ب»الغلب»، وهذه النوعية الجيدة من الخوص تأخذ من الجزء الأعلى من النخلة، وعادة ما تصنع منه «المكبة» وهي عبارة عن غطاء لحفظ الطعام على شكل هرمي، فبعد مرحلة تنظيف الخوص وغسله يتم تشريحه لشرائح رفيعة، ثم تغمس في أصباغ معينة لتأخذ اللون المطلوب، وتترك لتجف ثم يعاد غسلها مجدداً لتكتسب مرونة وليونة أيضاً، حتى لا تترك الصبغة أثراً على الأصابع أثناء التجديل، وبعد الانتهاء من عملية السفة، أي عملية تشابك الخوص والتحامه مع بعضها البعض بطريقة فنية متناغمة، تبدأ مرحلة الخياطة أي ربط وتركيب الجدايل مع بعضها البعض وفقاً للشكل المطلوب، ومن هذه المنتجات التي يمكن صناعته بهذه الجدايل نجد السرود (أي السفرة) وهي عبارة عن قطعة من الحصير عادة ما تكون دائرية الشكل حتى يلتف حولها الأفراد لتناول الطعام، ويتم تشكيل الجدايل بطريقة دائرية إلى أن نحصل على الحجم المطلوب، ومن خلال حرفة السفة أيضاً يمكن أن نصنع الجفير، وهي عبارة عن سلة يتم حملها أثناء التبضع من الأسواق، وعادة ما يتم السفه عن طريق عمل مجدوله من الخوص بشكل حلزوني، ما أن نصعد إلى الأعلى حتى تزيد اتساعاً وحجماً، وتركب فيها عروتان لتسهيل حملها
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©