السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البرلمان المصري يواجه فوضى الفتاوى الفضائية بتشريع

البرلمان المصري يواجه فوضى الفتاوى الفضائية بتشريع
9 يوليو 2009 23:59
القول في الحلال والحرام أصبح حديث مجالس عامة الناس بلا علم ولا فهم ولا فقه، وأصبحنا نسمع ونشاهد من يخالف ما استقر عليه حكم الدين من كبار العلماء تحت عنوان «فوضى الفتاوى» خاصة بعد تعدد جهات الإفتاء وتصدي البعض للفتوى بلا علم وتجرؤهم عليها مما أضر بالإسلام ضررا كبيرا، وقد جرى نشر تلك الفتاوى الخاطئة عبر القنوات الفضائية التي تجاوزت الحدود، مما دفع نائب البرلمان المصري مصطفى الجندي إلى التقدم بمشروع قانون يقضي بمعاقبة كل من أفتى في أمور دينية عبر أي وسيلة من وسائل الإعلام سواء المسموعة أو المقروءة أو المرئية بدون أن تكون له صفة رسمية كجهة اختصاص بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولاتزيد على ثلاث سنوات. وقال النائب مصطفى الجندي إنه قدم مشروع القانون المقترح لمواجهة ما يحدث حاليا عبر وسائل الإعلام خاصة القنوات الفضائية أو في بعض الكتب حيث يقوم غير المختصين علميا وغير المفوضين قانونا باصدار فتاوى شرعية وهم غير مؤهلين لذلك. ومشروع القانون المقترح يهدف إلى ترشيد الفتوى وإغلاق الطرق أمام غير المؤهلين وانقاذ الناس من طوفان الفتاوى غير الدقيقة والخاطئة في معظم الأحيان. وأحالت لجنة الاقتراحات بالبرلمان مشروع القانون المقترح إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالبرلمان لمناقشته تمهيدا لإقراره. وأكدت اللجنة في تقريرها أن مشروع القانون المقترح خضع لمناقشات مطولة داخل اللجنة وتبين انه خال من أي شبهة مخالفة دستورية وأن الحاجة ماسة إلى تحديد تشريعي صريح للجهة المختصة قانونا بإصدار الفتاوى الشرعية. تماما كما أن مزاولة الطب أو المهن الأخرى تحتاج إلى تراخيص وإلا تعرض من يمارسها بلا ترخيص للعقوبات المقررة قانونا. وأن الفتوى أولى من غيرها بتحديد مواصفات من تصدر عنه بعد ان حدث ما يشبه الانفلات في هذه المسألة. فهم نصوص الشريعة وقال الدكتور أحمد طه ريان -أستاذ الفقه بجامعة الأزهر- إن الفتوى من وظائف الأنبياء وخاصة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لحل مشاكل المسلمين من خلال نصوص الشريعة الإسلامية، ومن يتصدى للفتوى يجب عليه فهم نصوص الشريعة الإسلامية، وفهمها يتطلب شروطا منها أن يكون المفتي حافظا لآيات وأحكام القرآن الكريم، وأن يكون عارفا بمواضعها لكي يستطيع الرجوع إليها حينما يريد وأن يكون عالما بأسباب النزول لهذه الآيات وعالما بالناسخ والمنسوخ وبأحاديث الأحكام والتي وصل بها العلماء إلى خمسة الآف حديث وبما اتفق عليه الفقهاء أو اختلفوا فيه حتى يكون على دراية بالمسائل المجمع عليها فلا يخالف ما تم الإجماع عليه وأن يكون على دراية كافية بعلوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة حتى يفهم النصوص الشرعية لأنه اذا لم يكن على دراية بعلوم اللغة العربية فلن يستطيع استيعاب هذه النصوص فإذا حاولنا ان نطبق هذه الشروط على الذين يتولون الرد على الأسئلة من عامة الناس يصعب علينا التحقق من توفرها فيهم. ودعا الدكتور أحمد طه ريان من يتصدى للإفتاء إلى أن يتقي الله لأن اجرأ الناس على الفتوى اجرؤهم على النار كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «اجرؤكم على الفتيا اجرؤكم على النار». واضاف: ينبغي توعية الناس أو توعية المثقفين وتخويفهم من الجرأة على الفتوى إلا من كان جامعا للشروط واذا كان المفتي متبعا لمذهب من المذاهب فلا بأس من أن ينقل فتوى أمامه نقلا أمينا والعهدة هنا على المفتي الأول فهؤلاء كانوا أعلم بنصوص الشريعة لذلك يصعب علينا الآن أن نقول بتحديد جهة إصدار الفتوى لأن المجتمع المسلم مترامي الأطراف وقضايا الناس كثيرة جدا وهم محتاجون إلى من يفتيهم في كل قطر أو مدينة وكل ما في الأمر أنه ينبغي توعية الناس بعدم الجرأة على الفتوى. وقال الدكتور شعبان محمد إسماعيل -استاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- : من المسلم به أن مشكلات الحياة تتنوع وتزداد يوما بعد يوم وفي العصر الحاضر بدأت تظهر أمور كثيرة لم تكن موجودة في العصور السابقة وبالتالي لم يتعرض لها العلماء السابقون. ذلك أن لكل عصر مشكلاته وواقعه وحاجاته المتجددة، ولكن بعض الوقائع والأمور القديمة قد يطرأ عليها من الأحوال ما يغير طبيعتها أو تأثيرها فلا يلائمها ما حكم به الأقدمون. واذا كانت الوقائع تختلف باختلاف ظروفها وأحوالها فمنها ما يقع لبعض الأفراد من المسائل الخاصة والتي يمكن لأي فقيه أن يجتهد فيها فهذا النوع يكفي فيه الاجتهاد الفردي لمن توفرت فيه شروط الاجتهاد ومنها ما يتعلق بجمهور الناس ويتسم بسمة العموم ولم يتقدم له نظير في أبواب الفقه فهذا لا يكفي فيه رأي الفرد بل لابد فيه من الاجتهاد الجماعي لأنه اقرب للصواب. واكد أهمية الاجتهاد الجماعي في هذا العصر لظهور العديد من القضايا التي صاحبت النمو وتطور الحياة مثل التعامل مع المصارف والتسليف لأغراض تجارية وزراعية وعقارية ومسائل التأمين المختلفة والشركات المساهمة والعقود الاقتصادية الحديثة ومسائل نقل الأعضاء من جسم إلى جسم آخر وخاصة ما يتعلق منها بالإخصاب وللأطباء فيها رأي خاص ووجود تخصصات علمية مختلفة مثل اللغة العربية والتفسير والحديث والفقه والأصول الأمر الذي يجعل اكثر العلماء في هذا العصر لا يحيطون بكل العلوم والمعارف كما كان شائعا لدى السابقين من العلماء فمن المستحيل أن يوجد الفقيه المجتهد الذي تتحقق فيه شروط الاجتهاد ولا مخرج لذلك إلا بالاجتهاد الجماعي. تحدي الجهل وقال الدكتور سعد الدين مسعد هلالي -استاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر- : العلم هو الذي يقاوم الجهل فيجب على أهل الفتيا والعلماء أن يتحدوا الجهل وان يبرزوا للمجتمع لأن المجتمع لا يعرفهم ومنذ سنوات كان الحلم أن نجمع الفقهاء من الرجال والنساء ونجعل لهم شبه نقابة ولهم جماعة معروفة يتدارسون ويثبتون وجودهم ويكون اهتمامهم الأول دراسة العقبات التي تهم الشارع المسلم والمبادرة إلى إبانة حكم الله. واضاف: اختلاف الفتوى من الضرورة الشرعية اذ لا يمكن بحال أن يكون هناك حكم شرعي واحد للمسألة الواحدة وخاصة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولابد من الاجتهاد وهو بطبيعته قائم على التغير والتنوع واختلاف الاجتهاد يرجع إلى فهم النصوص والفتوى تحتاج إلى معرفة الملابسات والأوضاع للمسألة المعروضة ويستحيل على المفتي أن يدرك بيقين الملابسات التي تحيط بالمسألة الفقهية فإن إدرك بعض الأوجه أو أكثرها فصفته البشرية تعجز عنه ادراك باقي جوانب المسألة، ومع ذلك تكون الفتوى هنا من وجهة نظره صحيحة باعتبارها صادرة من جهة صحيحة ولكنها ليست قاطعة. وأكد أن تعدد الفتوى في المسألة الواحدة ظاهرة صحية ويثبت مرونة الشريعة الإسلامية فمنذ عهد رسول الله إلى يومنا هذا والمسألة الفقهية فيها أوجه مختلفة، وفي عهد الصحابة والخلفاء الراشدين وبعد ظهور الفقهاء مالك والشافعي وأحمد وأئمة واساتذة كثيرون اختلفوا واحترم بعضهم اختلاف بعض لأن كل مجتهد يسعى إلى الوصول الى الحق وهؤلاء المجتهدون من الأئمة العظام في تاريخ الأمة الاسلامية ورثونا زخما فقهيا يثبت أن الحضارة الإسلامية تقبل التعددية بإنسانية مطلقة وبدون تصادم سواء في العبادات أو المعاملات. واضاف: والمثال على ذلك في العبادات فالإمام أبوحنيفة يرى أن الزكاة لا تجب في مال الصغير أو المجنون لأنهما غير مكلفين ولا تجب عليهما الصلاة، في حين يرى الامام مالك والشافعي وأحمد أن الزكاة في مال الصغير والمجنون واجبة على ولي أمره ويأثم إن لم يخرجها. ويؤكد على تحول الفتوى غير الملزمة إلى الالزام من خلال ثلاثة أوجه: منها التزام الفقيه بفتواه لأن الفتوى تلزم صاحبها بالإجماع بمعنى أن المسلم يختار الفتوى التي يطمئن إليها فيراها هي الأحق لقوله -صلى الله عليه وسلم-:»استفت قلبك وان افتاك الناس» وكذلك الزام ولي الأمر من الحاكم أو القاضي أو ولي الأمر الشرعي كالأب فإذا اختار الحاكم أو الاب في سلطاته رأيا شرعيا من بين الآراء الشرعية المختلفة الصحيحة وجب على التابعين الطاعة والامتثال لأمر ولي الأمر، وهذا لا يعني بطلان وفساد سائر الفتوى بل ربما تكون صحيحة في نفسها ولكن لم تكن ضمن فتاوى الالتزام. هي باطلة وحذر الدكتور سعد الدين هلالي من الفتاوى الشاذة بأنها تحتاج إلى تفسير وتوضيح لمفهومها وانه لا يمكن الحكم على الفتاوى الشاذة بالتعميم فربما كان الشاذ في زمن هو الانفراد كأن ينفرد الإمام بن حزم مثلا برأي فيكون الرأي هنا شاذا وهي التي تركت صريح النص واخذت بالقياس والتأويل لذلك لابد من توضيح أوجه الشذوذ. وربما يكون لها احتياج إذا كانت صادرة من أهل الفتوى أما التي تصدر من غير أهل الفتوى فهي باطلة حتى لو كانت صحيحة. أتــدرون من المفلس..؟! لقد أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل وبعث الأنبياء وأحاط الإنسان برعايته منذ اللحظة الأولى لوجود الإنسان على الأرض ، لهدايته وتحقيق مصالحه في الدنيا والآخرة ، وإقامة حياته على أسس من الحق والعدل والخير ، فتتابعت الرسل والأنبياء حتى جاء محمد- صلى الله عليه وسلم – يحمل الرسالة الخاتمة للناس جميعاً ، وجاءت الشريعة الإسلامية لتحقيق خير الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة فنظمت علاقتهم بخالقهم وعلاقتهم بأنفسهم ، وعلاقة بعضهم ببعض . فالإسلام بتعاليمه السمحة جاء لينتقل بالبشر إلى حياة مشرقة بالفضائل والآداب والأخلاق ، حيث اعتبر المراحل المؤدية إلى هذا الهدف النبيل من صميم رسالته ، كما أنه عد الإخلال بهذه الوسائل خروجاً عليه وابتعاداً عنه ، فليست الأخلاق الفاضلة من مواد الترف التي يمكن الاستغناء عنها بل هي أصول الحياة التي يرتضيها الدين ويحترم ذويها. ومما لا شك فيه أن الطابع العام للإسلام إنما هو الطابع الأخلاقي ، لأن الأخلاق ثمرة العقيدة والشريعة ، فالمجتمع الإسلامي مجتمع يقوم على عقيدة وفلسفة خاصة تنبثق منها نظمه وأحكامه وآدبه وقيمه الأخلاقية ، كما أن مهمة بعثة الرسول الكبرى – صلى الله عليه وسلم – أن يتمم مكارم الأخلاق لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) (1)، والدين في مفهومه العام حسن الخلق ، لقوله – صلى الله عليه وسلم : (الإسلام حسن الخلق) (2)، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه – صلى الله عليه وسلم – قالت : (كان خلقه القرآن) (3). الأخلاق في الإسلام لقد دعا الإسلام إلى مكارم الأخلاق، وحث عليها وأمرنا بالالتزام بها والسير على نهجها فقد وصف الله نبيه الكريم بأنه صاحب خلق عظيم، فكان- صلى الله عليه وسلم - كما وصفته عائشة قرآناً يمشي على الأرض، وجزى الله نبينا خير الجزاء فما رأى أمراً يقربنا من الله إلا وأمرنا به ، وما رأى أمراً يبعدنا عن الله إلا وحذرنا منه ، فالأخلاق في الإسلام فرائض لا فضائل، والنصوص الشرعية صريحة في أن الشعائر الإسلامية تربية على الأخلاق ، وصولاً إلى الغاية المنشودة وهي طاعة الله عز وجل، فعندما نأتي إلى أركان الإسلام فعلى المسلم ألا ينظر إلى العبادة وحدها ، فلا ينظر إلى صلاته، ولا إلى صومه، ولا إلى حجه ، ولا إلى زكاته وحدها إن لم تؤدِ به إلى الخلق الحسن لقول الله تعالى عن الصلاة : إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَر (4)، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً، وإذا أردنا التعرف على الصلاة المقبولة من الله فلنقرأ هذا الحديث القدسي الذي يرويه النبي – صلى الله عليه وسلم –: (إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصراً على معصيتي ، وقطع النهار في ذكري ، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب ، فذلك نوره كنور الشمس، أكلؤه بعزتي وأستحفظه ملائكتي ، أجعل له في الظلمة نوراً، وفي الجهالة حلماً، ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة) (5). وعندما نأتي إلى فريضة الصوم نقرأ قول الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون (6)، فقد شرع الله الصوم ليهذب النفس ويعودها الخير ويبعدها عن الشر فعلى الصائم أن يتحفظ من الأعمال التي تخدش صومه حتى ينتفع بصومه وتحصل له التقوى فالصوم ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب بل هو إمساك عن الأكل والشرب وسائر ما نهى الله عنه لقوله – صلى الله عليه وسلم - : (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه) ( 7 ) ، وعنه أنه قال ( رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ) (8). وعندما نأتي إلى الزكاة والصدقات نقرأ قوله تعالى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (9)، ثم نقرأ قول الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى .... (10)، وفي الحج نجد قول الله سبحانه وتعالى : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (11). إن ارتباط الضمير الإنساني بالله هو الخط الأول في أي تربية خلقية ناجحة عميقة الجذور، وهذا يقضي باتخاذ العقيدة الإسلامية قاعدة أساسية للتربية الفردية أو الاجتماعية. حقيقة الإفلاس إن رسولنا – عليه الصلاة والسلام – دائم الخوف على أمته ، فهو حريص عليها دائماً يقول : يا رب أمتي...أمتي ، فهو يقودها إلى الخير ويحثها على الطاعات، ويحذرها من المعاصي والموبقات، وهنا نجد أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – يبين لنا الإفلاس الحقيقي وهو ضياع الأجر والثواب ، ضياع العبادات والطاعات ، ضياع الحسنات حيث يقول عليه الصلاة والسلام : « أتدرون من المفلس» ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال – صلى الله عليه وسلم -: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فُيْعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ، ثم طرح في النار( 12). لذلك نجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يحذر المسلمين من الوقوع في المعاصي ، وظلم الآخرين ، فمن زلت قدمه ، فعليه أن يتوب إلى خالقه، وأن يرد الحقوق لأصحابها قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ، لأن رصيده من الحسنات سيذهب للآخرين ، فإن لم يؤدِ ما عليه أخذ من خطاياهم والعياذ بالله حيث يقول -صلى الله عليه وسلم – : « من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون لا دينار، ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ( 13). وها هو عليه الصلاة والسلام يضرب القدوة الحسنة ، والأسوة الصالحة كما جاء في الحديث (في ذات يوم كان أُسيد يُطْرف الناس بطرائفه ، فغمزه النبي – صلى الله عليه وسلم – في خاصرته، كأنه يستحسن ما يقول ، فقال أسيد : أوجعتني يا رسول الله ! ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – « اقتص مني يا أُسيد» ، فقال أُسيد: لم يكن عليّ قميص حين غمزتني يا رسول الله ، فرفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قميصه عن جسده الشريف ، فاحتضنه أُسيد وجعل يقبله ، ويقول : بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنه لَبُغْية كنت أتمناها) (14) ، كما ورد موقف شبيه بهذا الموقف مع سواد يوم بدر ، ففي هذا الموقف الذي بين أيدينا يضرب النبي – صلى الله عليه وسلم – المثل الأعلى لأمته ويقدم لهم الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة في تمكين أصحاب الحقوق من حقوقهم ، حتى وإن كان شيئاً يسيراً نستهين به فيما بيننا. لذلك نجد أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – يحذرنا من إيذاء الآخرين فيقول عليه الصلاة والسلام ( من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) (15) ، ويقول أيضاً : (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقى لها بالاً يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقى لها بالاً يهوي بها في جهنم )(16 ). كما وأعلنها – صلى الله عليه وسلم – صريحة مدوية في خطبته في حجة الوداع : « إن دماءكم، وأموالكـــم ، وأعراضكـــم ، حرام عليكــــم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا، في بلدكم هذا،ألا هل بلغت» (17 ). دعوات نبوية .... فهل من مستجيب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©