الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجارب عشق في مواجهة الذات.. والأعاصير

تجارب عشق في مواجهة الذات.. والأعاصير
21 ابريل 2010 20:24
هذه هي الحلقة السادسة في سلسلة نقتطف فيها بعضا، أو أجزاء من، الخطابات الغرامية لأولئك الرجال والنساء الذين صنعوا التاريخ بشكل أو آخر سواء في كراسي الحكم أو الأدب أو الفنون أو العلوم عبر العصور. ورغم وصف هذه الخطابات بأنها غرامية، فهي ليست بالضرورة سيلا من الغزل والشكوى من لهيب الحب على شاكلة قصائد الملوح في العامرية. وقد تجنح في أحايين لتناول أشياء دنيوية، مثل حال البريد أو المعايش عموما أو السخط على المرسل إليه نفسه. لكنها تبقى في آخر المطاف وصفا للعشق واستنجادا من كاتبها بحبيبه في وحدته وتوسل لقائه، وهذا هو ما سنركز عليه في هذه المقتطفات. في هذه الحلقة قبل الأخيرة نتناول خطابا من الكاتب والفيلسوف والمؤرخ فولتير لحبيبة شبابه الباكر اوليمب دونوفر، وآخر من الروائي الروسي تولستوي لمعشوقته فاليريا آرسينيف قبل زواجه من أخرى. ونختتمها برسالة حب عظيم من إمبراطورة روسيا لزوجها. فولتير.. حبيس الحب ولد فرانسوا ماري أرويه، الشهير باسمه الأدبي “فولتير”، في باريس في 21 نوفمبر 1694. كتب في الشعر والقصص والمسرحيات والتأريخ والمقالات النقدية الأدبية والسياسية وخاصة في نقد الكنيسة الكاثوليكية والعرش وحاشيته الأرستقراطية. وكان بالتالي مدافعا شرسا عن الحريات المدنية وحقوق رجل الشارع. وربما كان هذا الأمر الأخير بدافع من غرامه الأول موضع الرسالة هنا، إذ وقع في حب معشوقته الفقيرة بينما كان هو دبلوماسيا سليل اسرة نبيلة خاصة من جهة والدته. ولدى مماته في 30 مايو 1778 كان قد نحت اسمه على صخرة التاريخ باعتباره أحد أهم حملة القلم في العالم بأجمعه. وربما كان فولتير، على الأقل في شبابه الباكر، هو تجسيد الحب الرومانسي بمعناه الكلاسيكي الذي لا يشقى فيه العاشق في روحه وحسب وإنما بجسده أيضا. ففي سن التاسعة عشرة، اُرسل ملحقا دبلوماسيا بسفارة بلاده في هولندا. وهنا وقع في غرام جارف بلاجئة فقيرة من مواطنيه تدعى اوليمب دونوفر، كانت تعيش مع والدتها. ولم تكن هذه العلاقة محل اعتراض السفير وحسب، بل أيضا من والدة الفتاة نفسها. فاتفق الاثنان على أن خير وسيلة “لعلاج هذا المرض” هي حبس فولتير في غرفته، وهو ما كان. والخطاب التالي كتبه هذا المولّه قبيل فراره عبر النافذة ذات أمسية كان يفترض أن يهرب فيها مع حبيبته للزواج سراً. لاهاي في 1713 أقبع الآن في سجني باسم الملك. بوسعهم حرماني من حياتي.. ولكن ليس من حبي لك. نعم سيدتي الزاهية.. سأراك هذه الليلة ولو كان الثمن هو آخر أنفاسي. بحق السماء يا امرأة! لا تتحدثي اليّ بتلك العبارات المفزعة وأنت تكتبين إليّ. عليك بالتشبث بالأمل وأيضا بالاحتراس. احذري المدام والدتك مثلما تحذرين ألد أعدائك. تسألينني ماذا أعتقد. وها أنا أجيبك: احذري الجميع. لا تولي ثقتك أياً كان، وضعي نفسك على أهبة الاستعداد. فما أن يظهر القمر الليلة، حتى أغادر هذا الفندق متخفيا. وتكونين أنت بانتظاري على الطريق بمركبة نسابق بها الريح الى شفينتينغن. سآخذ معي الحبر والورق لكي نكتب خطاباتنا ونُعلم الجميع بفرارنا معا. إذا كنت تحبينني حقا فطمئني نفسك واستدعي كل قوتك وحضور عقلك فيكونان خير معين لك. تصرفي بحيث لا تلاحظ مدام والدتك شيئا فترتاب. وحاولي أخذ بورتريهاتك معك. ثقي في أن أبشع أصناف التعذيب لن تثنيني عن سندك وخدمتك. وكوني على يقين من أن لا شيء قادرا على أن يبقيني بعيدا عنك. فحبنا يقوم على الفضيلة وسيدوم ما دمنا نحن على قيد الحياة. آديو! وداعا. لا مخاطر أكبر من عزمي على خوضها من أجلك.. وأنت أهل للكثير الأكثر من هذا.. وداعا يا قلبي العزيز. ارويه تولستوي بين العقل والجمال يكفي للتعريف به أنه مؤلف “الحرب والسلام” و”آنا كارينينا” اللتين تعتبران من أكبر أعمدة الأدب الكلاسيكي الروسي والعالمي. ويمكن أن يقال إنه النظير الروسي لفولتير. فقد نبذ كلاهما الكنيسة والطبقة النبيلة لنصرة الفقراء والدفاع عن الحقوق المدنية. ولد الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي في بلدة تولا جنوب موسكو في 9 سبتمبر 1828 ونشأ ليصبح أحد الأصوات الأدبية والسياسية في روسيا وقتها والعالم اليوم. ويقال إن فلسفته كانت المنبع الرئيسي لمبدأ “المقاومة السلمية” الذي اشتهر به المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ. وكان ينفق على الفقراء بلا حساب حتى أنه في مماته في 20 نوفمبر 1910 اصطف آلاف الفلاحين في الطرقات لإلقاء التحية على جنازته. في 1862 تزوج تولستوي من صوفيا اندريفنا بيرس التي كانت تصغره بستة عشر عاما، لكنها أحبته حتى أنها نسخت روايته “الحرب والسلام” سبع مرات حتى المخطوطة النهائية التي تم نشرها ويعرفها العالم اليوم. لكن الرسالة التالية لم تكن لها وإنما لفاليريا آرسينيف الشابة اليافعة التي كانت تسكن قريبا من منزله في موسكو وأحبها بجنون وخطبها لفترة قصيرة قبل تعرفه على صوفيا. وقيل إن سبب فراقه لها هو ما أظهرته أوراقه الخاصة من عذابه الكامن في البون الفكري الشاسع بينهما واكتفائها هي بامتلاك الجمال وامتناعها عن السعي لامتلاك العقل المستنير تاجا له. 2 نوفمبر 1856 أحب فيك جمالك الفريد. لكنني بدأت الآن فقط أحب فيك ما هو أبدي وأغلى من كل شيء آخر.. قلبك وروحك. ذلك أن بوسع المرء أن ينظر إلى الجمال فيتعرف عليه ويهب له قلبه بأكمله في ساعتها... لكنه ما يلبث أن يستعيد قلبه في الساعة التالية. على أن الروح شيء آخر. عندما يتصل الأمر بالروح، فعلى المرء أن “يتعلم” التعرف عليها. صدقيني، لا شيء على وجه هذه البسيطة يُمنح للإنسان بلا كدح من أجله.. حتى الحب، أجمل الأشياء وأكثر المشاعر طبيعية. ولكن، كلما ازداد الكدح، علت الجائزة. الامبراطورة الكسندرا: بقعة ضوء لو كان المال قادرا فعلا على شراء السعادة لأصحاب الملك، لاتخذت منه الكسندرا امبراطورة روسيا يالتحديد جناحين تطير بهما في طلق الهواء. فهي حفيدة الملكة فكتوريا، ووالدها هو الأمير الألماني لويس دوق هيسه الأكبر. لكن الأمور ليست بكل تلك السهولة. فعندما تبادلت الحب مع ولي العرش الروسي نيكولاس الثاني، اعترض على زواجهما كل من القيصر والملكة فكتوريا. وبممات القيصر واعتلاء نيكولاس العرش تم لهما مرادهما. على أن هذا نفسه كان بداية طريق شائك. فقد ارتاب فيها الشعب باعتبار قلبها “المانياً”، وهو شعور تعاظم مع بداية عداوات الحرب العالمية الأولى. وتحاشتها طبقة النبلاء باعتبار ان دمها الملكي لا يكفي لأن تصبح امبراطورة روسيا. بل ان حماتها كانت تزدريها علنا قائلة إنها، بعد عشر سنوات من الزواج، لم تنجب سوى البنات. ولما أنجبت ولدا، اتضح انه كان يعاني من “الهيموفيليا” (“الناعورية” أو النحو للنزف الدموي). فاستعانت بكل شيء لشفائه بما في ذلك المشعوذين، وأشهرهم راسبوتين، ولكن بلا فائدة. وتشاء حظوظها التعيسة أن يكون عهدها وزوجها هو الختام الذي أسدله البلاشفة على روسيا القيصرية. فقبض عليها مع أفراد أسرتها وخدمهم وسجنوا في أماكن متفرقة قبل أن يجمعوا من جديد في منزل بالأورال. وفي ليلة 16 ـ 17 يوليو 1918 أخذهم حراسهم إلى ردهة تحت الأرض. وهنا أعملت فيهم نصال الخناجر والسيوف قبل أن يأتي وابل من “رصاص الرحمة” بحمام الدم هذا إلى ختام روسيا القيصرية. ويصح القول، ربما، إن البقعة المضيئة الوحيدة في حياة هذه الامبراطورة، التي عاشت حياة تعيسة رغم الحرير والمخمل، كانت حبها الدفّاق لشريك حياتها كما يتجلى في الرسالة التالية: إلى القيصر نيكولاس الثاني حبي ومحبوبي الحبّوب المحب سيصلك هذا الخطاب باردا ولا شك لأنه سيأتيك عبر الكثير من أيدي العسكر الباردة. لكنك، مع ذلك، ستستطلع حبي واشتياقي لك مما لا استطيع كتابته بين السطور. أيها الحلو: ستتبعك صلواتي أينما كنت آناء الليل والنهار. أصلّي من أجل أن تكون في عون الرب. فليمنحك الهدى. وليوفقك في سبيلك وليعدك إليّ سالما معافى. أباركك وأحبك كما لم تحب امرأة رجلا.. وكما لا يجد رجل أنه وجد حبا له كهذا من قبل. شفتاي على كل شبر من جسدك بينما قلبي يعتصرك بكل الرفق الممكن. تأتيك هذه الرسالة ممن تمتلكها بأكملها.. مني... زوجتك العاشقة إلى الأبد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©