الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سكان «فالنسيا» الإسبانية يحرقون عمدتهم

سكان «فالنسيا» الإسبانية يحرقون عمدتهم
21 ابريل 2010 20:26
تقيم مدينة “فالنسيا” هذه الأيام احتفالاتها الشعبية التي اعتادت عليها كل سنة في شهري فبراير ومارس من كل عام، لذلك امتدت التماثيل الشمعية والكرتونية الملونة المقامة على قواعد خشبية تشبه المسرح لتغطي كل ميادين المدينة من أقصاها إلى أقصاها، استعداد لإحراقها مع الدقائق الأولى لضوء نهار يوم 19 مارس عيد احتفاليتهم الدينية بالقديس “يوسف النجار” قديس النجارين وقديس تلك المدينة الإسبانية المتوسطية، وحسب إحصائيات لجنة الاحتفالات ببلدية المدينة زاد عدد التماثيل التي تستعد لمواجهة نيران الحريق هذا العام عن 800 تمثال، ما بين ما هو مخصص منها للأطفال والتي يبدأ الاحتفال بإحراقها مبكرا مع نهاية النهار ليستمر الطقس الاحتفالي الذي يجذب السائحين إلى المدينة والذين من المنتظر أن يزيد عددهم عن المليونين رغم الأزمة الاقتصادية وتداعياتها وتأثيرها على السياحة الداخلية في إسبانيا. وتحديدا تشكل الأزمة الاقتصادية التي تدخل عامها الثاني محورا رئيسيا لاحتفالات هذا العام، إضافة إلى قضية الفساد التي تدور أحداثها في أروقة محاكم المقاطعة والمتهم فيها أعضاء بارزين من الحزب الشعبي ثاني أكبر الأحزاب في إسبانيا، الذي يتزعم المعارضة على مستوى إسبانيا كلها لكنه المسيطر على الحكومة المحلية بالمقاطعة، من هنا كانت تماثيل السيدة “ريتا باربيرا” عمدة المدينة التي تنتمي إلى الحزب الشعبي تتصدر التماثيل التي من المنتظر أن تلتهمها النيران لدورها في تلك القضية والمتهمة فيها بتلقي رشاوى وهدايا من عدد من شركات البناء مقابل تفضيلهم على غيرهم في إسناد مشروعات البناء بالمدينة. يتكرر هذا الطقس الاحتفالي الشعبي سنويا على هذا النحو الذي شهدناه في السنوات الأخيرة منذ القرن التاسع عشر، وان كان البعض يعود بتاريخه إلى أبعد من ذلك بكثير. تعرض فيه التماثيل التي تمثل من اختارتهم الرؤية الشعبية لإحراقهم في هذا اليوم باعتبارهم من أكثر الشخصيات التي تستحق نقمة الجماهير لتأثير أعمالهم وقراراتهم بالسلب على حياة الناس، وعادة ما تُعرض تلك التماثيل في ميادين وشوارع المدينة لفترة زمنية تصل إلى حوالي الشهر تبدأ مع مطلع النصف الثاني شهر فبراير فتتحول المدينة كلها إلى مسرح كبير يجذب المتفرجين إلى طرافة التماثيل الكاريكاتورية والتعليقات المكتوبة في هيئة أشعار ساخرة على جوانب كل مجموعة من التماثيل تعبيرا عن رأي الجماهير في تلك الشخصيات التي تحاكيها التماثيل. هذه الاحتفالية الشعبية التي يطلقون عليها اسم “لاس فاياس” Las Fallas تعتبر مثلها ككل الطقوس التراثية الشعبية لا يستطيع أحد أن يؤكد متى بدأ إقامتها منظم كما هو الحال الآن، إلا انه طبقا لما تشير إليه الوثائق حول هذه الظاهرة الطقسية، فإنها كانت معروفة كظاهرة احتفالية منذ منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، أي مع نهايات العهد الإسلامي في الأندلس وبداية الحقبة المسيحية الكاثوليكية، وان كانت هناك بعض الروايات التي تعيد إقامة هذا الطقس إلى سنوات سابقة تعود به إلى العهد العربي الإسلامي نفسه، قبيل القرن العاشر الميلادي بقليل، ولكن أول احتفال رسمي رئيسي أقيم في مدينة فالنسيا كان عام 1355، ويمكن التثبت منه من خلال “الإعلان العام” La Publica Crida المنشور في تلك السنة، إلا أن هذا الاحتفال كان محدودا وبقي على محدوديته ولم يتخذ شكله الشعبي العام حتى أواخر القرن الرابع عشر، وهو الوقت الذي تحولت فيه الاحتفالات لتأخذ طابعا عاما أكثر شهرة ورمزية، بل امتدت شهرتها إلى مناطق أخرى مجاورة. حول نشأة هذه الظاهرة الاحتفالية تعددت الروايات، إلا أن هذه الروايات لم تذكر بشكل قاطع أصلها ولا بداياتها الحقيقية تاريخيا وإن كانت تعتبر فقط دليلا على وجودها كما ذكرنا من قبل وهو ما أشار إليه “سانشيس جوارنر” Sanchis Guarner الذي ذكر أن هذا الاحتفال يعود إلى أصول عربية أو مستعربة mozarabismo وإن كلمة “لاس فاياس” Las Fallas نفسها تعريب عن اللاتينية، وإنها انتقلت إلى العربية بشكل أو آخر وكانت تعني “الشعلة” التي كانت تستخدم في الإضاءات داخل الحصون والقلاع واستخدامها بما تشير إليه بدأ في عهد الملك “خايمي الأول”Jaime 1 الذي سيطر على مدينة فالنسيا بعد انتزاعها من أيدي العرب وأن هذه الشعلة أو “الفايا” La Falla كانت تستخدم في إنارة السجون التي ضمت الأسرى العرب الذين سقطوا في أيدي المسيحيين. هناك روايات أخرى تقول إن مثل هذه الاحتفالات كانت تقام من وقت لآخر وفي مناسبات مختلفة كما حدث عام 1522 بمناسبة عودة الإمبراطور كارلوس الخامس إلى إسبانيا ظافرا وأقيمت عام 1525 بمناسبة نصره في بافيا وأسره لفرانسيس الأول ملك فرنسا، وعام 1538 بمناسبة الاحتفال بالمئوية الثالثة على انتزاع مدينة فالنسيا من أيدي المسلمين وكذلك في عام 1545 بمناسبة ميلاد الأمير كارلوس كما أقيمت في عام 1564 بمناسبة وصول فيليبي الثاني. إلا أن العديد من الباحثين شككوا في صحة هذه الروايات نظرا لعدم وجود وثائق رسمية تؤكدها، حيث لم يقدم أي منهم ما يشير إلى صحة ما ذكر، لذلك نجد أنفسنا إزاء نظريات أخرى حول نشأة هذا الطقس الاحتفالي في مدينة فالنسيا الإسبانية وما حولها، أشهر تلك النظريات وأكثر شعبية النظرية المهنية التي ترى أن طائفة النجارين كانت تصنع “لا فايا” احتفالا براعيها وقديسها خوسيه (يوسف النجار) وأن أصل هذا الاحتفال يعود إلى عهود قديمة جدا، لأن النجارين كانوا يعملون داخل محالهم المغلقة شتاء فتتراكم مخلفات وبقايا الأخشاب التي يعملون عليها، وما أن يقترب موعد الربيع، الذي يبدأ في رأيهم مع الاحتفال براعيهم “يوسف النجار” يقومون بإخراج تلك البقايا وتكويمها في الشوارع والميادين ويقيمون احتفالات ضخمة على وهج نيرانها. وهناك من يرى أن هذه الاحتفالات تعتمد أيضا على نظرية النار ودورها في الحياة ويؤكد باحث الانثروبولوجيا المعروف “جيمس فريزر” عليها لوجودها في العديد من الطقوس الشعبية المنتشرة في العالم، ولكن هذه النظرية ترى إنه كان الاحتفال بالنار منفصلا عن الدمية “لاس فاياس” التي كان لها احتفالها الخاص وما يتصل بها من خصوبة ثم اجتمعا معا في احتفالات مدينة فالنسيا. لكن أول إشارة عن الأشكال التي كانت عليها احتفالات “لاس فاياس” تعود إلى بدايات القرن التاسع عشر، وهناك من وصف تلك الأشكال التي تقام بهذه المناسبة: “باكو يركب حصانا، عائلة مجتمعة أثناء التضحية بخنزير، إسباني وإسبانية يرقصان على أنغام الجيتار، عملاق يرتدي ملابس هولندية يدفع دبا إلى الرقص على أنغام شخص يدق على طبلة” و كل هذه الأشكال يتم تقديمها بشكل ساخر وكاريكاتوري للعلاقات الاجتماعية بهدف النقد والهجاء أكثر من أي شيء آخر. إضافة إلى تلك الدمى التي كان مصيرها الحريق دائما، فقد حدث تطور في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث قام المحامي وأستاذ القانون خوسيه برنات اي بالدوبي (Jose Birnat i Baldovi (1810-1864 بإصدار كتيب صغير يشرح فيه الدمى التي شارك هو في وضع فكرتها وأطلق على هذا الكتيب اسم “ليبريت دي فايا” LLibret de Falla ثم بدأت هذه العادة في الانتشار بعد ذلك حيث تخصص بعض الكتاب في كتابة مثل هذه الكراسات التي تشرح مضمون الدمى للجمهور وكانت كلها مكتوبة باللغة الفالنسية المحلية وكانت هذه الكتيبات تباع بنقود قليلة تخصص لدعم اللجان المنظمة لهذه الاحتفالات. وبعد ذلك تتكون لجان منظمة بشكل أفضل تقوم على توفير التمويل للاحتفال وطرح الأفكار على الفنانين الذين يقومون على إبداع الدمى، وتنظيم هذه اللجان كان دقيقا وتطور بتطور هذه الاحتفالات واتخذت شكلا قانونيا معترفا به. وكانت هذه اللجان تبدأ عملها منذ بدايات شهر مارس لتقيم الدمى في ليلة الاحتفال بسان خوسيه (القديس يوسف) أو قبلها بقليل، أي قبيل ليلة السابع عشر من هذا الشهر وهي الليلة التي تشهد حرق الدمى “لا كريما” La crema وينحصر عمل اللجان في جمع الأموال سواء عن طريق التبرع أو بطرح مزادات لبعض التبرعات العينية، أو من خلال بيع مقسمات من أوراق اليانصيب بين سكان الشارع أو الحارة التي تعمل اللجنة في إطارها، ثم يقوم أفراد اللجنة المنظمة بوضع الأفكار الرئيسية لشكل الدمى أو الموضوع المحدد الذي يكون موضع النقد وهدف السخرية لهذا العام، أو يعمل أفرادها مستشارين للفنانين الذين يتولون الجانب الإبداعي في عملية إقامة هذه الدمى وتشكيلها، وكانت هذه الدمى تقام في أحجام مختلفة كلها لا تزيد عن الحجم الآدمي، ثم تطورت لجان هذه الاحتفالات بعد ذلك لتشمل الشاعر الذي يكتب أشعارا متفرقة تسخر من الدمى وتوضح ما غمض من الأشكال، إضافة إلى فرق الموسيقى التي تتولى العزف طوال أيام الاحتفالات. يشتمل برنامج أسبوع الاحتفالات على ألعاب نارية يومية ومواكب استعراضية ترتدي فيه الفتيات والسيدات زيا خاصا مطرزا يحتفظن به ويتوارثنه بين الأجيال المتعددة نظرا لثمنه الباهظ حيث يدخل في تطريزه خيوط الفضة والذهب، وأيضا تقام في هذا الأسبوع حلبات مصارعة الثيران بشكل يومي، وأصبح يطلق على هذا الأسبوع اسم La semana Fallera ، وأصبح أسبوعا سياحيا يجذب إلى المدينة السائحين والذين فاق عددهم العام الماضي عدد سكان المدينة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©