الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا اللاتينية... واستهداف حرية التعبير

5 مارس 2013 23:41
جاكسون ديل محلل سياسي أميركي كيف تُدمر المؤسسات الليبرالية اليوم؟ خلافاً لما كان يجري به العمل في السابق لم تعد هناك من حاجة إلى انقلابات عسكرية يكفي أن يضع حكام فاسدون نصب أعينهم إفساد المحاكم المستقلة والمس بها بدل إلغائها تماماً، أو الهجوم على البرلمانات المنتخبة والتضييق على الإعلام، هذا في الوقت الذي يعاني فيه مناصرو تلك المؤسسات من الضعف والانشقاق بما يفقدهم القدرة على التصدي لمحاولات إفراغ المؤسسات الديمقراطية من محتواها. ولعل المثال الأبرز على ذلك «اللجنة الأميركية لحقوق الإنسان» التي يعود تاريخ تأسيسها إلى أكثر من نصف قرن، حيث أخذت على عاتقها طيلة تلك الفترة تعزيز الحريات في النصف الغربي من الكرة الأرضية، إلا أنها الآن تواجه تهديداً بضربها والمس بدورها الحيوي في القارة الأميركية. ففي جلسة ستعقد خلال الشهر الجاري بواشنطن، سينظر وزراء خارجية منظمة الدول الأميركية في مجموعة من «الإصلاحات»، التي يعتزمون إدخالها على اللجنة، وتحديداً على مكتبها المكلف بحرية التعبير لتكون النتيجة الفعلية وقف التمويل، أو تعطيل، ما تبقى من عمل مهم تقوم به المنظمة سواء تعلق الأمر بالدفاع عن حقوق جماعات السكان الأصليين، أو حماية الصحفيين. وليس غريباً أن يكمن وراء هذا الهجوم على «اللجنة الأميركية لحقوق الإنسان» الحكام الشعبويون المنتمون إلى «اليسار» في فنزويلا والإكوادور ونيكاراجوا الذين أمضوا السنوات الأخيرة في ضرب المؤسسات الديمقراطية في بلدانهم، والآن يسعون إلى معاقبة اللجنة الأميركية لدورها في التنبيه إلى الانتهاكات التي يقومون بها، وعلى رأس هؤلاء القادة «رافائيل كوريا»، رئيس الإكوادور البالغ من العمر 49 عاماً والخليفة المرتقب لشافيز كزعيم للتوجه المناوئ لواشنطن في أميركا اللاتينية. والأكثر من ذلك تفوق «كوريا» على شافيز ورئيس نيكاراجوا، دانيال أورتيجا، في ملاحقة الصحفيين من خلال فرض الغرامات الثقيلة عليهم ونزع ممتلكاتهم وإخضاعهم لمحاكمات صورية في قضايا ملفقة، وبعدما تحدت ممارساته مقررة لجنة حقوق الإنسان، «كاتلينا بيتيرو مارينو»، وبما تتميز بها من جرأة وشجاعة جعل «كوريا» من هدف النيل من وظيفتها وتدمير مؤسستها مهمة شخصية انتقاماً منها، ويبدو أنه على وشك الانتصار وتحقيق هدفه. فقد انتقل «كوريا» شخصياً لحضور جلسة وزارية لمنظمة الدول الأميركية عقدت الشهر الماضي في بوليفيا بهدف الضغط لإقرار إجراءات اقترحها تقضي في المحصلة النهائية بحرمان مكتب حرية التعبير التابع للجنة حقوق الإنسان من التمويل، بل ووقف اللجنة نفسها من إصدار تقارير تنتقد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بلدان مثل الإكوادور مع التضييق على «إجراءات الحماية» التي تلجأ إليها اللجنة للدفاع عن نشطاء المجتمع المدني وباقي ضحايا الانتهاكات. واللافت أن رئيس الإكوادور تمكن فعلاً من تأمين تعاون الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية، خوسي ميجيل إنسولزا، «اليساري» القادم من شيلي الذي سمح للجمعية العامة المنظمة بفرض الإصلاحات على اللجنة بأغلبية الأصوات منتهكاً بذلك ميثاق المنظمة. والحقيقة أن المنظمة تسيطر على جمعيتها العامة دول مثل فنزويلا وحلفائها الذين يشملون دول الكاريبي الصغيرة التي تدعمهم من خلال الوقود والنفط، بحيث تسيطر تلك الدول مجتمعة على 15 صوتاً في المنظمة، وهي في حاجة فقط إلى ثلاثة أصوات لإقرار التدابير التي من شأنها التضييق على عمل لجنة حقوق الإنسان ونزع التمويل من مكتب حرية التعبير، وفي اجتماع بوليفيا نجحت تلك البلدان في وضع الاقتراح على جدول الأعمال وحصلت على الموافقة في مباشرة الإجراءات بأغلبية الأصوات، ولم تعترض سوى الولايات المتحدة وكندا وكوستاريكا. والمشكلة أنه رغم وجود دول عديدة في أميركا اللاتينية تتبنى الديمقراطية والمؤسسات الليبرالية بما فيها دول ذات اقتصادات كبرى وأوزان ثقيلة مثل البرازيل والمكسيك وكولومبيا والتشيلي، ومن ثم يمكنهم الوقوف في وجه الإكوادور ومنع تدخلها في عمل لجنة حقوق الإنسان، إلا أن ذلك لم يحصل، حيث أبدت الديمقراطيات في أميركا اللاتينية بطئاً شديداً في الحركة، ولم يبادر أحد للدفاع عن عمل اللجنة، بل حتى وسائل الإعلام الحرة في المنطقة لم تتطرق إلى خطورة المس بآليات مراقبة حقوق الإنسان في منظمة الدول الأميركية التي تجسدها اللجنة. والأمر هنا لم يقتصر على صحافة أميركا اللاتينية، بل حتى الصحافة الأميركية تجاهلت تلك الإجراءات، وإذا كانت الحسابات الخاصة تحرك مواقف دول كبرى مثل البرازيل والأرجنتين وغيرها، التي تشابكت مصالح قادتها في أحيان كثيرة مع قرارات لجنة حقوق الإنسان ورغبة البعض في تصفية حسابات شخصية لوقوف اللجنة ضد سياسات حكومية لدول المنطقة. تبقى الولايات المتحدة هي الغائب الأكبر عما يجري في أميركا اللاتينية، والسبب يرجع في جزء كبير منه إلى عدم مصادقة واشنطن على المعاهدة الأميركية لحقوق الإنسان والتي تعمل اللجنة بموجبها. لكن هناك أيضـاً الغياب العـام لإدارة أوباما عن قضايا وانشغالات أميركا اللاتينية، وهو غياب يكاد يميز الإدارة الحالية في أكثر من منطقة عالمية، بحيث يرى خبراء الإدارة أن تبني دبلوماسية صارمة تجاه الإكوادور سيأتي بنتائج عكسية ويضر بالمصالح الأميركية، لذا يكتفي السفير الأميركي لدى منظمة دول الأميركية بإصدار البيانات الجوفاء عن دعم واشنطن لحرية التعبير فيما تعاني إحدى أهم مؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان في العام من التضييق ويظل مصيرها في مهب الريح. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©