الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين ابن المعتز وأبي نواس

بين ابن المعتز وأبي نواس
21 ابريل 2010 20:32
كثيراً ما يورد السريّ الرفاء في كتابه أبياتاً لشاعر، ثم يشير باقتضاب إلى أنها مأخوذة من شاعر أسبق، فإذا تأملنا النصين وجدنا العلاقة بينهما خفية بعيدة، لكنها حساسية مفرطة كان الشعراء على وجه التحديد يشعرون بها تجاه السابقين عليهم، فهم دائماً بين نارين: ألا يخرجوا عن عمود الشعر وتقاليده من ناحية، وأن يبدعوا فيه الجديد المبتكر من ناحية أخرى. هذا ابن المعتز يقول في خمرياته: وبيضاء الخمار إذا اجتلتها عيون الشرب صفراء الإزار جموح في عنان الماء، تنزو إذا ما راضها برق النهار ويعلق السريّ على ذلك بقوله: أخذ معنى البيت الأول من أبي نواس حيث يقول: فللخمر ما زرت عليه جيوبها وللماء ما دارت عليه القلانسُ وهو بيت من جملة أبيات يقول فيها قبله: تُدار علينا الراح في عسجدية صبتها بأنواع التصاوير فارسُ قرارتها كسرى، وفي جنباتها مَهًا تَدرَّبها بالقسي الفوارسُ فهو يصف الكأس المرسومة بأنها ذهبية اللون، زينها الفنانون الفرس بأنواع الرسوم والتصاوير الموزعة على أجزائها، فالجزء الأسفل عند القاع رسمت عليه صورة كسرى، والأوسط يتضمن لوحة لفتيات فاتنات كأنهن المها التي يطاردها الفرسان، وقد بلغت الخمر في الكؤوس أعناق هؤلاء الحسان وما زرّت عليه فتحات صدورهن عند النحور، وأكملت الماء ما دارت عليه القلانس من رؤوسهن. ففكرة توزيع المساحة في الكأس بين الخمر والماء عند أبي نواس هي التي نظر إليها ابن المعتز في بيتيه، حيث جعل الخمار، وهو يوضع على الرأس أيضاً للماء، والإزار للخمر الملون بالصفرة المشوبة بالحمرة. لكننا لو تأملنا أبيات ابن المعتز لرأيناها مستقلة عما قاله أبو نواس، فهو لا يقتصر على فكرة توزيع المساحة بل يتفرد بنزو الماء ومخايلته للألوان في ضوء النهار، وبذلك لم يُقلد أبا نواس، بل أخذ أبياته في اعتباره، على أساس أنها لابد أن تكون ماثلة في وجدان قرائه، فالتراث الشعرى يبنى بعضه على البعض الآخر فتتراكم أوصافه وتتآلف منجزاته التصويرية. ولعل ما جعل السرىّ الرفاء يربط بين النصين أنه قد أورد قول أبي نواس: كل ليالي السود مذ قابلته عندي كبيض ثلاثة التشريق فمنذ قابل محبوبته انقلبت لياليه السود بيضاء من غير سوء مثل أيام التشريق الثلاثة التي تلي يوم النحر، وعقب هذا البيت ذكر بيت ابن المعتز الذي يستهله أيضاً بوصف “بيضاء الخمار” مما يجعله يربط بينه وبين أبيات الكؤوس الفارسية المرسومة بالتصاوير. على أن هذا النوع من الأخذ الثقافي المرهف مما يعلو به الشعر وتخصب فيه ذاكرة الشعراء وتنمو به معرفة القراء بفنون القول وعلاقاتها الثرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©