الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اتفاقية «الهاوية المالية»... تخفيف الألم لا المشكلات

6 يناير 2013 22:26
مايكل جيرسون كاتب ومحلل سياسي أميركي عادة ما تكون الهزيمة يتيمة، ولكن هذه الهزيمة لها الكثير من الآباء الفخورين. ففي اتفاقية «الهاوية المالية» أمّن الرئيس تفويضه الانتخابي المحدود كي يتمكن من رفع الضرائب على تلك الشريحة من الأميركيين الأكثر ثراء. كما تمكن رئيس مجلس النواب «جون بوهنر» من تجنب حدوث تمرد داخل مجمعه الانتخابي، وأمّن بدوره تمرير نسخة من خطته البديلة «ب»، كي ينجو ويتأهب لخوض ما يلي من معارك. أما مجلس الشيوخ، فقد اكتسب سمعة باعتباره- نوعاً ما- القطاع الأقل اختلالاً وظيفياً من بين قطاعات الحكومة الفيدرالية. أما نائب الرئيس«جو بايدن»، فقد تقدم لخوض المفاوضات التي كان الرئيس- كما بدا واضحاً- يجدها غير مستساغة. أما «اليسار»، فقد حصل على أكبر زيادات في الضرائب خلال جيل- وهو ما لم يكن راجعاً إلى أنه لم يكن هناك الكثير من المنافسة كما قد يرى البعض. كما تمكن المؤمنون بـ«نظرية العرض»، التي تعتبر أن ركيزة النمو الاقتصادي هي الإنتاج والاستهلاك وتخفيض الضرائب والحد من تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية من الحصول، في لحظة وصل فيها النفوذ الليبرالي لأقصى مداه- على تقنين دائم لأربعة أخماس الاستقطاعات الضريبية، التي طُبقت في عهد جورج بوش الابن. أما الخاسرون السياسيون الوحيدون، فكانوا هم «المحافظين» من أتباع حركة حزب «الشاي»، الذين اعتقدوا أن عام 2010 يمثل بداية النهاية للأوبامية. وحتى في أذهان أكثر أعضاء الحركة إخلاصاً، تستقر في الوقت الراهن حقيقة مؤداها أن الحصول على الأغلبية في مجلس النواب، لا يعني بحال حكم البلد. تبقى هناك مشكلة واحدة هي أن محصلة مفاوضات «الهاوية المالية»، تكاد تكون منفصلة انفصالا تاماً عن الاحتياجات الفعلية للبلاد بحيث يمكن القول إنها قد تشكل استنزافاً للنمو الاقتصادي في المدى القصير. كما أنها تكاد تكون أيضاً عديمة الصلة بموضوع المساعدة على التغلب على التحديات المالية الطويلة الأمد. لقد كانت «الهاوية المالية» بمثابة أزمة اصطناعية، الغرض منها تحفيز الاهتمام والجدية السياسية في تناول المشكلات الأخرى الحقيقية. فكل من أوباما وبوهنر كانا يرغبان في التوصل لصفقة كبرى تشمل تخفيض الاستحقاقات، وزيادات العوائد والإصلاح الضريبي، ولقد فشلا مرتين في تأمين ذلك تاركين أملا ضئيلا في أنهم سيتمكنان يوماً من تحقيق ذلك. بعض الأخطاء والعيوب التي أدت إلى ذلك الوضع تكمن في الشخصيات وفي الحزبين ذاتهما: فأوباما مفاوض محدود. فهو يسخر في الوقت الذي يجب فيه أن يسترضي، فضلا عن أنه كان دائماً ما يخطئ في الحكم على خطوط «بوهنر الحمراء». أما «بوهنر»، من جانبه، فإنه كان يتعرض للتقويض من قبل مجمع انتخابي «جمهوري» منقسم على نفسه، ويميل للتعبير عن ميوله الأيديولوجية من دون أن يأخذ في اعتباره أن حزبه يخوض لعبة سياسية نهائية وخطرة. ولكن العقبات التي تقف حائلاً أمام الاتفاقيات، عادة ما تكون أكبر من الشخصيات، بل وقد تكون أحياناً أكبر من الأيديولوجية. فأقوى قوة في السياسة الأميركية، ليست هي الليبرالية، وليست هي النزعة المحافظة، وإنما هي الطبقة الوسطى. ففي الأسطورة الاقتصادية للحزبين الرئيسيين في أميركا، توجد الطبقة الوسطى فقط كضحية لأعباء غير عادلة (فكروا هنا في بنود الضرائب الواردة في اتفاقية الهاوية المالية) فالعائلات الأميركية الشديدة الثراء التي يفوق دخلها 450 ألف دولار سنوياً ستشهد زيادة في معدل الضريبة المفروضة عليها، كما سترتفع أيضاً الضرائب على الأجور، مما يفرض عبئاً ضريبياً على الفقراء من العاملين (يعادل زيادة مقدارها 1000 دولار على كل من كان متوسط دخله 50 ألف دولار سنوياً). يمكن القول إن تلك الترتيبات الضريبية عبارة عن ملخص للأولويات العامة، أو وصف جيد لأين يمكن أن توجد أفضل الأصوات الانتخابية -وهو ما لم يكن صدفة بالطبع. المشكلة هي أن الحقائق الديموغرافية تجعل من الوعود الحالية المقدمة للطبقة الوسطى، وعلى وجه الخصوص الطبقة الوسطى المكونة من جيل الآباء غير قابلة للاستمرار. فعدد كبار السن سيتضاعف تقريباً على مدار العقود الثلاثة القادمة. ومن المعروف أن الشخص الكبير السن المتوسط يحتاج إلى عناية طبية تعادل ضعف العناية الطبية التي يحتاجها من هم في سن الشباب، كما أن تكلفة تلك الرعاية تزيد على ضعف أقساط التأمين الصحي، التي يقوم بدفعها حتى يصبح مشتركاً في النظام. والنتيجة المحتمة لذلك هي أزمة اقتصادية تعتبر هي أكثر أزمة يمكن التنبؤ بها، وتحديد مقدارها على وجه أقرب ما يكون للدقة. هناك استجابتان فقط لذلك: الاستجابة أو المقاربة المحافظة- التي أؤيدها- وتتمثل في تغيير نظام الاستحقاقات بحيث لا تحتاج الحكومة الفيدرالية إلى أجراء زيادة كبيرة في الضرائب. والاستجابة أو المقاربة الليبرالية، والتي تتمثل في زيادة تلك النسبة من الاقتصاد التي تؤخذ كضريبة، لدعم الاستحقاقات الموجودة في نظام استحقاقات في حاجة لإصلاحات جوهرية(على أن يتم ذلك من دون حاجة لفرض ضرائب على الطبقة الوسطى). والحل الواقعي، من الناحية السياسية، هو الحل الذي يتضمن -على الأرجح- مزيجاً من المقاربتين: أي إعادة توجيه برامج الاستحقاقات، مع إجراء زيادة كبيرة في العوائد من خلال الإصلاح الضريبي. علماً بأن مفاوضات «الهاوية المالية» لم تتضمن أياً منهما. «الديمقراطيون» و«الجمهوريون» منقسمون حول معظم الموضوعات. ولكنهم يظلون متحدين مع ذلك في رفضهم لحث الطبقة الوسطى بسياسات تمول المنافع المستدامة من خلال ضرائب كافية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©