السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هدم بلا بناء.. فلا نامت أعين الجبناء!

18 ابريل 2017 23:53
لا حوار مع قتلة... هب أن عصابة للسطو المسلح والسرقة بالإكراه راحت تعيث في الأرض فساداً... هل يعقل مثلاً أن نؤجل ضبطها ومحاكمة أفرادها لحين التحاور معهم ومواجهتهم فكرياً وأيديولوجياً ودينياً، ثم بعد ذلك نعفو عنهم ونقول إنهم تابوا وأنابوا.. ونلتمس لهم الأعذار فيما فعلوا.. لأنّ الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي وغياب حرية التعبير والنظام التعليمي المنهار.. كل هذه العوامل أجبرتهم على ما ارتكبوا من جرائم؟ ثم ننتظر مليون سنة أخرى حتى نصلح النظام التعليمي، ونجدد الخطاب الديني، ونقضي على البطالة والتهميش الاجتماعي والإقصاء، ونفتح أبواب الحريات والرأي والرأي الآخر على مصاريعها ونحترم حقوق الإنسان.. ثم بعد ذلك نقضي على الإرهاب أو يموت من تلقاء نفسه؟ ما لكم كيف تحكمون؟ ألسنا جميعاً خريجي أنظمة التعليم العربية المنهارة؟ ألسنا جميعاً خريجي وإفراز الأنظمة الاجتماعية العربية التي يقال إنها بالية وعتيقة؟ ألسنا جميعاً نتعرض للخطاب الديني الذي يقال إنه سقيم وعقيم وقديم منذ مئات السنين؟ أليس في الأمة ملايين العاطلين والمهمشين والمسحوقين اجتماعياً وحقوقياً؟.. أليس في الأمة ملايين الفقراء والمطحونين وملايين الذين ضاعت حقوقهم وحرياتهم؟.. هل كل هؤلاء.. هل كلنا تحولنا إلى إرهابيين وكلاب ضالة تتمنطق بأحزمة ناسفة؟ بالطبع لا.. والأسباب التي تساق لتبرير أو تمرير ظاهرة ما إذا غابت عن جزء من الظاهرة وحضرت في جزء آخر، فإن هذه الأسباب تكون كاذبة ووهمية وداحضة ولا قيمة لها.. فإذا كان سبب ما يقف وراء الظاهرة فلابد ألا يتخلف عن أي جزء منها. بل إن الأسباب التي تساق لتبرير الإرهاب كثيراً ما تكون أسباباً للإبداع والعبقرية.. وأعذب الشعر العربي وأكثره بلاغة ورصانة وإبداعاً هو دائماً ابن المعاناة والفقر والتهميش... بل إن أعظم الروايات وصنوف الأدب في العالم انطلقت من دول بوليسية قمعية ديكتاتورية شمولية... ويمكن أن يقال إنه إذا غابت الحريات والحياة الناعمة الرغدة حضر الإبداع... وكل أو جل أدباء وفناني العرب الساخرين الظرفاء العباقرة كانوا فقراء معدمين وعانوا الأمرّين في سبيل القوت.. بل كانوا مرضى وكانوا معاقين وكانوا ظرفاء وساخرين حتى من أنفسهم.. وكل المبدعين والعباقرة حتى في تلاوة القرآن الكريم وعلوم الدين خرجوا من بيئات وأسر معدمة ومهمشة.. ويقال إن الفلسفة وحدها هي علم الرفاهية.. لأن الذي لا يعاني مشاكل يخترعها ويظل يتفلسف ويلف ويدور.. أما كل العلوم الأخرى والفنون الأخرى، فإنها خرجت من رحم المعاناة والفقر والعوز والتهميش.. بل إن الفلسفة التي يقال إنها علم الرفاهية أفرزت لنا عباقرة ولدوا من رحم الفقر والتعاسة والمعاناة وعلى رأسهم أبو الفلاسفة سقراط الذي كان معدِماً وفقيراً وأكثر الناس تعاسة في حياته الزوجية، وهو الذي قال: إذا تزوجت امرأة جميلة ورقيقة وهادئة فستصبح سعيداً، وإذا تزوجت امرأة دميمة وخشنة وشريرة فستصبح فيلسوفاً. وبالتبعية لا يمكن أن يقال: إذا حضر الفقر والتهميش والبطالة والإقصاء حضر الإرهاب... فهذا كلام مرسل ولا قيمة له ولا يصمد أبداً أمام المنطق.. والصواب الذي لا يمكن إنكاره هو أن التطرف والإرهاب والتعصب آفة عربية، وأن الإرهابي يبدأ كارهاً وناقماً ليس بسبب الفقر والبطالة والتهميش وانهيار نظام التعليم، ولكن لأن الكراهية صفة أصيلة في البعض، حيث تتمكن من هذا البعض النقمة والحسد ورؤية كل شيء وكل شخص سيئاً.. ومع الوقت تتطور الكراهية إلى تطرف وتشدد وتعصب.. والكراهية والتعصب حتى في كرة القدم كراهية عبرت عن نفسها بأسلوب يبدو الآن مشروعاً ومألوفاً وغير مستهجن.. فالمتعصب يكره الفريق المنافس أضعاف ما يحب فريقه.. وفرحته بهزيمة أو خسارة الفريق المنافس أضعاف فرحته بفوز فريقه.. فالكارهون المتعصبون يفرحون بخسائر الآخرين وهزائمهم وفشلهم أكثر مما يفرحون بفوزهم هم وانتصارهم ونجاحهم.. وتلك رذيلة عربية خطيرة.. فالمواطن العربي يكره الدول العربية الأخرى أضعاف ما يحب وطنه.. بل الأدهى أننا نعبر عن وطنيتنا وحبنا لبلادنا العربية.. بسب الدول والشعوب العربية الأخرى، معنى ذلك أن كل عربي، إلا ما رحم ربي، هو مشروع إرهابي أو فيه بذرة إرهابي، ربما تبقى بذرة كما هي وربما تتحول إلى شجرة ضخمة تنتج ثمراً مراً.. لأن الإرهابي يبدأ كارهاً ثم يصبح متطرفاً ومتعصباًَ ثم ينتهي إرهابياً قاتلاً.. والذي يقول إرهاباً عبر الفضاء وعبر مواقع التواصل «الكارثة» يمكن أن يفعل إرهاباً في أي وقت.. والمتعاطف مع الإرهاب والمصفق له والساكت عنه والذي يبرره ويمرره ويغرر بنا.. كل هؤلاء إرهابيون أو هم مشاريع إرهابيين.. وعلينا أن نعترف بأن العرب قوم متطرفون ومتعصبون.. سواء حين يوالون أو حين يعارضون.. وعلينا أن نعترف بأن العرب الساكتين أو فريق الصامتين والسامعين والمشاهدين يميلون إلى من يعارض ويسب ويلعن ويكره.. ويرون أن هذا الذي ينفث سمومه في كل اتجاه بطل صنديد وشجاع مقدام. وتبرير الإرهاب تمرير له وتغرير بالناس.. وتسويغ لجرائم القتل والدمار والخراب.. وإذا أحصيت قتلى العرب بأيدي العرب فستجد أنهم أضعاف قتلاهم بأيدي من نسميهم الأعداء.. لأن العرب أمة يتبادل أبناؤها الكراهية والأحقاد والضغائن.. وأن الأصل فيها هو التطرف والتعصب والكراهية وأن الفرع أو الاستثناء هو الحب والاعتدال.. والعرب منذ آلاف السنين يعيدون إنتاج المساوئ والمصائب والكوارث وسيناريوهات القتل والتدمير.. ولم يحدث أبداً أن أعادوا إنتاج الإنجازات والإيجابيات.. والحب والاعتدال.. بدليل أننا فشلنا في إعادة إنتاج الحضارة العربية الإسلامية وعلومها وفنونها ونجحنا فقط في إعادة إنتاج الخوارج والفتن المتوالية وإعادة إنتاج القتلة والإرهابيين واللصوص والذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً.. أعدنا إنتاج الهدم.. ولم نعد إنتاج البناء.. فلا نامت أعين الجبناء! * كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©