الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

براجيل

براجيل
24 مايو 2008 23:46
تفوح بشذى الهيل والزعفران وكرم الضيافة القهوة العربية سيدة المجالس تجاوز عمرها خمسمائة عام وما زالت تحافظ على لونها الأشقر الذهبي ورائحتها الطيبة وعشق الناس لها· ارتبط بها سكان البادية العربية ارتباطا كبيراً حتى أنها أضحت أبرز علامات الضيافة والكرم الأصيل لدى الأجداد، بل تكمن بوادر حسن الاستقبال والضيافة في تقديمها بعد عبارات الترحيب· إنها القهوة العربية -الشقراء- التي يفوح منها الهيل، ويكاد لا يخلو منها بيت قديماً وحالياً، وبذا تشكل عنواناً ومقياساً لكرم المضيف، وإشارة إلى الألفة واللقاء في مجالس الأهل والأصحاب· عبر التاريخ عن زمن ظهورها وكيفية انتشارها، نقرأ في كتاب ''اليمن تاريخ وحضارة'' الصادرعن وزارة الثقافة اليمنية، بأن العلامة أبو بكر بن أبي يزيد، ذكر: ''أنها ظهرت في أراضي اليمن قبل مئات السنين (نحو 500 عام) وانتشرت على يد علماء الصوفية· وكانوا يشربونها كل ليلة اثنين وجمعة ويضعونها في قوارير فخارية ويُغرف منها بإناء وتوزع على الحضور· فيما بعد انتقلت خلال ''الحكم العثماني'' وكذلك عبر الحجاج والتجار من مكة والمدينة المنورة، إلى باقي البلاد العربية''· أما عن تسميتها بالقهوة، فيذكر الكتاب: ''إنها مشتقة من الإقهاء بمعنى الإقعاد (أقهى الرجل عن الشيء أي قعد عنه) فيما يعرف كذلك أن اسم القهوة مأخوذ من caffa اسم قرية في الحبشة، كانت أشجار البن تنبت حولها، بينما معظم لغات العالم تلفظ اسم ''القهوة'' بحروف شبيهة وألفاظ متقاربة نوعاً ما''· مكوّنات وتحضيرات لمعرفة أنواعها والمنكهات المضافة إليها، سألنا العم أبو محمد من فريق الضيافة في ''نادي تراث الإمارات'' فقال: ''أجود أنواع القهوة العربية، هي: البرية واليافعية والعدنية والبرية والخولانية والهرري والحبشية· كما أن أهم أنواع البهارات المضافة إليها: الهيل والعويدي والقرنفل والزعفران (وهذا الأخير يعطي القهوة اللون الأشقر) والعنبر والزباد والشمطري والزنجبيل، وكلها مجتمعة تمنح القهوة نكهة مميزة ورائحة عطرة زكية، جميعها تستورد من الهند واليمن· تسمى الأدوات المستخدمة في إعدادها ''المعاميل'' ويقصد بها كافة أدوات القهوة: المحماس، المبرادة، النجر أو المهباش، المنفاخ، الليف، البيق، دلال متفاوتة الأحجام، فناجين· وطريقة إعدادها تبدأ بإشعال النار، ثم نضع المحماس على النار وفيه القهوة، ونحركها حتى تصبح القهوة شقراء، ثم نضعها في المبرادة عدة دقائق لتبرد، بعدها نضعها في النجر ونطحنها، ثم نصبها في الماء لتغلي بهدوء، بينما نطحن الهيل في النجر ونضعه في المبهارة ونتركها تروق قليلاً، ثم نضع القهوة في المبهارة فوق النار مجدداً ونتركها تغلي قليلاً، بعدها تصفى بمصفاة ناعمة وتنقل من دلة إلى دلة للتأكد من لزوجتها، وخلال ذلك تضاف إليها المنكهات، وأخيراً نضع الليف في فمها لكي يحجب الهيل من النزول خلال سكبها في دلة التقديم· دلاّت و دلالات تُقدم القهوة في كل الأوقات والمناسبات، ويعد الاعتذار عن شربها قلة احترام للمضيف صاحب البيت، بل لا تستقر دلال وفناجين القهوة في ركنها بأي مجلس، فالتقاليد تقتضي تقديم القهوة تباعاً على فترات· يضيف العم أبو محمد متحدثاً عن تقاليد تقديم القهوة وأهم دلالاتها المتصلة بها، قائلاً: ''تقتضي الأصول والعادات مع دخول الضيف أن تدور فناجين القهوة على جميع الجالسين، ولا يجوز أن يغادر أحدهم المجلس في حالة الضيافة ودوران الفناجين بل عليه الانتظار لحين الانتهاء من الضيافة· وتقدم القهوة للضيف بعد جلوسه، فيصب له فنجان ويقدم باليد اليمنى، ويتناوله الضيف باليمنى كذلك، وعندما ينتهي من شرب القهوة يهز الفنجان إشارة إلى الكفاية والشكر· أيضاً من آداب المجلس تقديم القهوة أولاً إلى الشيخ أو كبير القبيلة أو القوم، أو الضيف الكبير، وإذا كان والد ساقي القهوة موجوداً في المجلس كان على ولده أن يتوجه نحوه أولا ويقدم له القهوة، بينما يشير له والده بيده ليقدم القهوة إلى الشيخ أو الضيف أولاً· كذلك إذا تم تقديم القهوة إلى أول من في المجلس، يجب أن يدور الساقي بفناجينه من اليمين إلى اليسار، وبالطبع فإن صب القهوة في الفنجان يجب أن يكون إلى أقل من النصف تقريباً وأي خلل في هذا المعيار، له دلالات غير محبذة تتصل بانتقاص قدر الضيف''· يُلاحظ في عصرنا الحالي، أنه لم يعد يقتصر تقديم حبات التمر مع القهوة العربية، بل عندما يدخل القوم المجلس تقدم لهم مع القهوة العربية أطباق يضم بعضها أنواع الحلوى وبعضها يحوي أصنافا شتى من الفاكهة، فضلاً عن دوران مبخرة الدخون ودهن العود، وهي كلها دلالات على الكرم وإضافات إلى القهوة العربية الشهية· رمَّسني جدّي فوّل على روحه كنت قلقاً بشأن نتائج امتحان أخي وأردد ما يردده عن توقع فشله وذهابه لتلقي نتيجة الرسوب! استاء جدي وقال: ''تراه يفوّل على روحه مثل هذاك الآدمي'' ورمسني بقصته، قائلاً: ''كان هناك تاجر يأتمنه أهل البادية على أموالهم فيتاجر بها ويأتيهم بالربح· وكان يتميز بالفطنة والشجاعة· وفي إحدى رحلات تجارته وصل إلى قرية وباع واشترى من أهلها وحقق ربحاً وفيراً· كان في القرية لصان يراقبانه فقررا سرقته بالخديعة والمكر، فلاحقاه إلى أن اتجه إلى الصحراء· اتفق اللصان على أن يتظاهر أحدهما بالموت فينادي الآخر على التاجر مستغيثاً به، وعندها سينزل عن جمله دون سلاحه للمساعدة في حمل الشخص الميت! باشرا في تنفيذ الخدعة، ونام أحدهما متظاهراً بالموت بينما أخذ الثاني يستغيث ويطلب مساعدة التاجر· وبالفعل دفعت الحمية التاجر إلى المساعدة، ومعرفة ما حدث! فقص عليه اللص قصته وطلب أن يساعده في حمل صديقه على أن يحمله من رأسه وسيحمله هو من قدميه كما خططا· قام التاجر بما طلب منه اللص وساعده في حمل صديقه، لكن المفاجأة كانت أن اللص مات فعلاً، ولم يقم بما كان متفقاً عليه! وبات الآخر ينتظر دون جدوى، ثم أدرك أن صديقه قد مات فعلاً من حرارة الشمس، فأجهش في البكاء وطلب من التاجر أن يضعا الميت تحت شجرة، واستمر ينوح على صاحبه، ويطلب العفو والسماح منه، بينما التاجر مذهولاً من حال الرجل! أخبر اللص التاجر بالمكيدة التي دبراها له، لكن كيدهما قد ارتد إليهما، ثم أبدى ندمه وتوبته، فما كان من التاجر إلا أن عفا عنه وتركه لحال سبيله بعد أن قال له قوله الذي ذهب مثلاً ''ترى صاحبك فوّل على روحه''· لغات الروح الونـَّــة مونولوج الحزن النبيل تتعدد أنواع الفنون الشعبية في الدولة، فمنها ما هو فن أداء جماعي تصاحبه الآلات الإيقاعية، ويتسم بالحركة الراقصة والفرح والحماسة والانطلاق، ومنها ما هو فن أداء فردي ''كمونولوج'' يردده الإنسان بمفرده وينحو إلى الهدوء والشجن، أو ربما يؤديه كمحاكاة مع صديق في مجلس، أو رفيق درب في البادية· من ضمن فنون هذا النوع، فن ''الونة'' الشهير، ويعدّ غناء الفرد واسترجاعه لذكرياته، يردده وهو قرب أو فوق ناقته في رحلة ليلية يجوب بها البادية نحو قبيلته أو مقصده· أو يؤديه في جلسة ودية مع ''ربعه'' في خيمة تجمعهما إلى حديث الذكريات· عن هذا الفن الجميل المتسم بمسحة حزن، يقول سالم البادي عضو جمعية ''فنون الجزيرة الشعبية'': ''الونّة، من فنون البادية، يؤديه البدوي منفرداً لتسلية نفسه وهو مع ناقته في رحلة طويلة، أو أثناء استظلاله بفيء شجرة خلال رحلته، فيطلق ونّته واضعاً كف راحته على وجنته مغلقاً عينيه أثناء غناء أبيات شعرية تتصف بالحنين· ويتميز هذا الفن الأصيل بصياغة لحنية ذات طابع خاص يميل إلى الهدوء وبروح عاطفية الأداء نظراً لأن كلمات الونّة غزلية وحزينة المضامين في معظمها، وثمة شعراء مختصون في طرق أغراض شعرية مفعمة بالحزن النبيل· كذلك ثمة مناطق تطلق على هذا الفن اسم ''النوحة'' نظراً لكونه مطبوعاً بالشجن وإطلاق الأنين خلال ترداد وغناء الأبيات· وقد يشترك في هذا الترداد أو الغناء اثنان يتناوبان على أدائه فيردد الأول بضعة أبيات ويرد عليه الثاني بأبيات لذات الشاعر أو غيره، إنما شريطة أن لا تخرج عن الغرض والمضمون نفسه''· لكن في عصرنا الحديث ونتيجة للنهضة الحضارية الشاملة التي تعيشها الدولة ودول المنطقة، وانقضاء استخدام الإبل كوسيلة نقل، تقوم أندية التراث وجمعيات وفرق الفنون الشعبية، على إحياء الونة خشية اندثارها، فدخلت عليه تطورات طفيفة، وبات يؤدى في مهرجانات التراث والاحتفالات الرسمية، بقالب يبعث على الأمل، فيردد المغني الأبيات المنعشة، لتشاركه مجموعة الحضور في ترديد عجز البيت الأخير· عروق الصحارى اليعضيد شموس الصيف! يلاحظ مرتادو الحدائق العامة والمنتزهات - في هذه الآونة أي مع انتهاء الربيع ودخول فصل الصيف- وجود شجيرات خضراء متوسطة الارتفاع، جميلة الهيئة، تتميز بكثافة أزهارها الصفراء المشرقة كشموس صغيرة، وتزهر أكثر مع اشتداد حرارة الطقس خاصة في بعض المزارع البرية وأطراف بوادي أبوظبي· بالسؤال عن اسم هذه الشجيرة، أجاب المهندس الزراعي في بلدية أبوظبي سيد زكريا بقوله: ''إنه نبات ''اليعضيد'' المعمر، من العائلة المركبة، يتراوح ارتفاعه عن الأرض من 60-75 سنتيمتراً· الساق الرئيسة فيه قائمة متفرعة، وأوراقه رمحية الشكل بحجم كبير ويقل حجمها في الأعلى، بحيث تغطيها كثافة الأغصان وانتشار الزهور الصفراء· وهو واسع الانتشار في بوادي الدولة ومناطقها، وتعتبر بوادي الخليج العربي موطنه· ينمو في الحرارة والرطوبة، ويتطلب كميات أقل عن نباتات أخرى من مياه الري والأمطار''· وعن أهميتها للبيئة يضيف المهندس سيد: ''عند عصر سيقان اليعضيد تخرج منها مادة بيضاء مذاقها مرّ، لكن تحبها الحيوانات! فتلعقها الخيل وتأكل سيقانه، وكذلك يعتبر اليعضيد نباتا رعويا جيدا للإبل والأغنام، وفي حال جفافه يستخدم كعلف للإبل والمواشي· تستفيد الصناعات الدوائية والكيميائية من بعض خواصها، كما كانت تستخدم قديماً كعشبة شعبية تفيد في علاج بعض الأمراض وتسكين الألم وعلاج الجروح''· وككل نباتات البوادي العربية، ورد ذكر اليعضيد في الكتب القديمة، إذ وصفه ابن سيده بقوله: ''اليعضيد بقلة من بقول الصيف لها مرارة، زهرها أَشد صفرة من الورس -الزعفران- وهي من الشجر، ترعى عليها الإبل والغنم، والخيل أيضا تلوكها وتخصب عليها وتستحلب عصيرها''· وقد قال النابغة الذبياني في وصف خيل: يتحلب اليعضيد من أشداقها صفراً مناخرها من الجرجار كما ذكر الأصمعي في كتابه ''النبات والشجر'' اليعضيد بقوله: ''إنه ذكور البقل وما غلظ من النبات وأحرار البقل ما رقَّ منه، تغلظ وريقاته من الأسفل وترتبط وترق من الأعلى''· بينما قال أبو تمام الطائي: ورجوت نائلكم رجاءكم العلا بتذكُّرِ العلجان واليعضيد
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©