الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفق التقارب الروسي- الياباني

29 مايو 2016 23:15
في السادس من مايو الجاري، عقد رئيس الوزراء الياباني «شينزو آبي» اجتماعاً غير رسمي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة «سوشي» الروسية. وقد اختتم اللقاء الذي دام ثلاث ساعات باتفاق الجانبين على تنظيم عملية التفاوض الرامية إلى حل نزاعهما الترابي والتوصل لاتفاقية سلام استناداً إلى «مفهوم جديد» لم يتم الكشف عنه. هذه الصياغة الفضفاضة والغامضة تمنح «آبي» مجالاً كافياً للتأويل وتسمح له بتقديم الاتفاق على أنه إنجاز دبلوماسي يأتي في الوقت المناسب، قبيل أسابيع على موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة. وخلافاً لمعظم اجتماعاتهما السابقة، كانت هذه المحادثات غير رسمية، فلم تسبقها بيانات من وزارة الخارجية اليابانية، ولم يعقبها مؤتمر صحفي. ويمكن تفسير هذا الصمت برفض اليابان إثارة موضوع النزاع الترابي بين الجانبين، لضمان انعقاد اجتماع آبي- بوتين في جو من حسن النية. على أن توقيت زيارة «آبي» كان لافتاً أيضاً، ذلك أنه أتى قبل قمة مجموعة السبع الصناعية، التي استضافتها اليابان قبل يومين في هيروشيما. ويبدو أن عقد الاجتماع مع بوتين قبل القمة مثّل لفتة رمزية هدفها التشديد على الأهمية التي يعلّقها آبي على العلاقات الروسية- اليابانية. وعلاوة على ذلك، فإن انتخابات الغرفة العليا في البرلمان الياباني مقررة في يونيو المقبل وستمثّل اختباراً لثقة الجمهور في «آبي» وحكومته. ولئن كان معدل التأييد الشعبي لـ«آبي» ظل عموماً أعلى من 40 في المئة - باستثناء تراجع قصير إلى 37 في المئة في أغسطس 2015 - وحزبه «الديمقراطي الليبرالي» يتمتع بأغلبية مريحة في غرفتي البرلمان، فإن «آبي» لم يحقق إنجازات مهمة ليقدمها للجمهور الياباني خلال الأشهر الأخيرة. ومع فشل وصفته لإصلاح الاقتصاد الياباني في تحقيق النتائج المرجوة وتضاؤل احتمالات عودة دفء حقيقي إلى العلاقات مع الصين، فإن مجرد إعطاء الانطباع بوقوع تطورات إيجابية في العلاقات الروسية- اليابانية يمكن أن يشكّل نجاحاً دبلوماسياً يُحسب له. وإضافة إلى ذلك، يمكن القول إن «آبي» لديه اليوم هامش أوسع للمناورة مع روسيا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. فمع انشغال الولايات المتحدة بالسباق الرئاسي، وبلوغ إدارة أوباما عامها الأخير، باتت أميركا اليوم تمارس تأثيراً أقل على سياسة اليابان الخارجية، وهو ما يمنح آبي حرية أكبر لتحدي رغبة واشنطن في عدم إقامة اتصالات مع بوتين. وبشكل عام، يمكن القول إن مصلحة طوكيو في تقارب مع موسكو هي ذات شقين. فأولاً، اليابان الظمأى للطاقة ملتزمة بزيادة واردات النفط والغاز الطبيعي المسال من روسيا، مثلما فعلت ذلك تدريجياً لعدد من السنوات من قبل. وثانياً، «آبي» مازال يأمل في إحراز تقدم حول موضوع «الأراضي الشمالية»، وتوقيع اتفاقية سلام، رغم أن أياً من الجانبين لا يبدي رغبة في التنازل في هذا النزاع. وفي الأثناء، مازالت روسيا بشكل عام تعاني من عزلة دولية، واستدارتها إلى الصين متعطلة، حيث يبدو أن بكين غير مستعدة للتضحية بمصالحها الغربية مقابل تحسين العلاقات مع روسيا. وبالطبع، فإن هذه الظروف لا يمكن أن تكون قد غابت عن ذهن طوكيو، وآبي يبدو عاقداً العزم على اغتنامها، حيث يمكن لليابان الاضطلاع بدور الوساطة بين روسيا ومجموعة السبعة، الأمر الذي من شأنه أن يخفف جزئياً من التوتر بين الجانبين، ويقترح تعاوناً أوثق في مجال الطاقة بشروط مربحة أكثر مقارنة مع الصين، وبالتالي تقليص اعتماد موسكو على بكين. وبالمقابل، تستطيع روسيا تقديم تنازلات بشأن النزاع الترابي، ما يمنح آبي نصراً في السياسة الخارجية هو في أمس الحاجة إليه. بيد أن تنفيذ هذه المخططات سيمثل تحدياً كبيراً. ففي المحادثات التي جمعت بين «آبي» وبوتين، اتفق الجانبان على مخطط للتعاون الثنائي يتألف من ثماني نقاط، وخاصة في قطاع الطاقة. غير أنه بغض النظر عن التفاصيل، فإن ثمة عقبتين يُحتمل أن تعوقا تطبيق روسيا لأي اتفاق مهم في مجال الطاقة مع اليابان: قلة البنية التحتية الضرورية، وصعوبة تطوير حقول نفط وغاز جديدة. ولكن وبشكل عام يمكن القول إن النتائج الفورية لزيارة «آبي» إلى روسيا كانت مثمرة، حيث تم توسيع الأجندة، التي كانت تركز عادة على الجزر المتنازع عليها، لتشمل مخططات لتعزيز علاقات التعاون في مجال الطاقة، والعلاقات الثنائية عرفت دينامية جديدة على ما يبدو، و«آبي» لديه الآن الاتفاق ذو الصياغة الغامضة والفضفاضة حول الدفع بالنزاع الحدودي مع روسيا إلى الأمام ليقدمه للناخبين اليابانيين قبل انتخابات الغرفة العليا للبرلمان. *باحث بكلية دراسات شرق آسيا في جامعة شيفيلد البريطانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©